كتبت: نيفين أبو حمده
أعلنت الجزائر مؤخرًا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة المغربية التي دأبت على الإتيان بأفعال عدائية تجاهها منذ عام 1962م؛ منذ استقلالها – وفقًا لما صرح به وزير خارجيتها ” رمطان العمامرة” .
للصبر حدود
هكذا علقت صحيفة ” الخبر” الجزائرية على قرار قطع العلاقات؛ لأن القرار جاء بعد توثيق تعاون المغرب مع منظمات إرهابية “ألماك ورشاد”، وتجسسها على مسؤوولين جزائريين فيما يعرف “بقضية بيجاسوس” باستخدام تقنيات إسرائيلية .
من طرف واحد
جملة ترددت اكثر من مرة فى رد الفعل المغربى على القرار الجزائرى الذى وصفت مبرراته بالزائفة، كما وصفته بالمتوقع بناءًا على رصد ومتابعة وتحليل لغة التصعيد خلال الفترة الأخيرة .
الخير ( ليس) مع قدوم الواردين ..
سبقت القرار الجزائرى بأيام قلائل زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي “يائير لابيد” للمغرب الذى وقع قبل عام اتفاقية سلام تشمل تطبيعًا كاملًا مع إسرائيل – التي وصفها الإعلام العبرى بالتاريخية؛ رُفع فيها العلم الإسرائيلى تحت صورة الملك المغربى، الذى نقل عنه وزير خارجيتها رغبته في تعزيز العلاقات مع إسرائيل، ووقعا ثلاث اتفاقيات للتعاون بين إسرائيل والمغرب، في مجال طيران، اتفاقية لإقامة حوار سياسي بين وزارتي الخارجية، وثالثة حول الثقافة والشباب والرياضة على أن يتم توقيع عشر اتفاقيات في مجالات أخرى قريبًا .
علاقات لها جذور
لا تشبه العلاقة بين المغرب وإسرائيل علاقتها بأى دولة أخرى من دول اتفاقيات التطبيع الأخيرة ؛ تعيش في المغرب أكبر جالية يهودية في الدول العربية يرتبطون بروابط خاصة بين الجالية اليهودية التي تعيش في إسرائيل ، تعتبر اللغة العبرية والثقافة اليهودية عنصران هامان فى التشريعات المغربية باعتبارهما عاملان أساسيان في هوية مواطنين مغاربة وترتبط بمعتقداتهم الدينية.
القشة التى قصمت ظهر البعير
بينما لم تذكر الجزائر صراحة أو تلميحًا اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل ضمن أسباب قطع علاقتها بالمملكة – أعلن الإعلام العبرى أن السبب الحقيقى هو غضب الجزائر بشدة من زيارة لابيد ورسالته العدوانية ضدها ( فى زيارته السابقة – مارس 2021) ، وتجسس المغرب على الجزائر باستخدام برنامج بيجاسوس التابع لشركة NSO الإسرائيلية بغرض مراقبة كبار المسؤولين الجزائريين، وإدخال المغرب قوات عسكرية محتلة أجنبية ( قاصدين إلى إسرائيل) .
إضافة إلى أن الجزائر تدعى دعم إسرائيل لمنظمة “الماك” التى تطالب باستقلال منطقة القبائل في الجزائر وأنها المسؤولة عن إشعال الحرائق الهائلة بها .
بين نارين
صرح رئيس حكومة المغرب “سعد الدين العثمانى” في مارس الماضى ( قبيل زيارة لابيد السابقة) أن “التطبيع مع إسرائيل صعب ومؤلم ، لكن المصلحة الوطنية أهم بكثير، مضيفًا أنه لن يجتمع و”لابيد” ، وكان السبب المُعلن وفقًا للبروتوكول، تجرى اللقاءات مع ممثلين أجانب بحسب درجة التمثيل.
لم يكن “العثمانى” متحمساً لاتفاق التطبيع، ووصف عملية “حارس الأسوار” بجريمة الحرب مما أثار حفيظة السفير الإسرائيلى في المغرب “دافيد جوفرين”، وانطلق على كافة الأصعدة يشرح كيف تؤيد دولته الفلسطينيين وتسعى لإنهاء الاحتلال، وتساعد في إعمار ما دمرته إسرائيل من منازل في القدس وتدفع غرامات البناء عن المخالفين.
قبل الوصول للمحطة الأخيرة
يعتبر قرار قطع العلاقات الأخير الذى أعلنته الجزائر خطوة درامية فى منظومة علاقات هشة منذ عشرات السنين؛ لن تغير كثيرًا فى منظومة العلاقات الهشة القائمة بين الدولتين التى أُغلقت الحدود بينهما على سبيل المثال عام 1994 لأسباب أمنية بعد الهجمات الإرهابية فى مراكش واتهام المغرب للجزائر بتدبيرها ولكن يظل النزاع على الصحراء الغربية ،
والضربة القوية التى تلقتها الجزائر بإعلان “ترامب” اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب عليها آخر عام 2020 ( مقابل التطبيع مع إسرائيل ) هى المشكلة الكبرى والتى قضت على الجهود الجزائرية لحشد التأييد الدولى لاستقلالها ،
ثم دعوة مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة في يوليو 2020 منح “حق تقرير المصير” لسكان منطقة القبائل في الجزائر، وردها باستدعاء سفيرها لدى المغرب، ووصف الجزائريين كلام المندوب المغربى بأنه سقطة غير محسوبة العواقب، وأن تقرير المصير إنما ينطبق على الريف المغربي أيضًا ،
ولم يكن عرض المغرب المشاركة في إطفاء الحرائق في الجزائر خاليًا من الأهداف السياسية وكان رفض الجزائر له متوقعًا .
أخيرًا
جاء قرار الجزائر قطع علاقتها مع المغرب عقب زيارة وزير خارجية إسرائيل الأخيرة للمملكة بأيام قليلة، لم تكن الزيارة الأولى من نوعها، إلا أنها جاءت في إطار تثبيت الحكومة الإسرائيلية الجديدة أقدامها، وتضمنت توقيع اتفاقيات تعاون بين المغرب وإسرائيل في إطار اتفاق التطبيع الموقع بينهما العام الماضى.
تزامنت الزيارة مع وجود تراكمات من الخلافات بين المغرب والجزائر، ضغوط الرأى العام الجزائرى لمحاسبة المسؤول عن الحرائق التى راح ضحيتها حوالى 90 مواطن ، وغير ذلك من المشاكل الداخلية، واتجاه الإعلام العبرى ( كالعادة ) إلى ترسيخ والترويج لكون إسرائيل طرفًا مسه الضُر من القرار ، ودعمه الجانب المغربى فى هذا الخلاف، وزعمه أن الجزائر لن تتأثر به سياسيًا واقتصاديًا على الأقل، وعدم تعليق المغرب بشكل واضح على هذا الزعم ، هو ما جعلنا نتساءل هل أغضبت زيارة “لابيد” الجزائر إلى هذا الحد !!
لكن ما لم يُذكر خاصة بعد الأزمة ، ما صرح به “لابيد” خلال لقاءه و”ناصر البريطة” وزير خارجية المغرب حول قلق إسرائيل من التقارب بين إيران والجزائر، وموقفها الرافض قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، وهو ما نعتبره تحريضًا إسرائيليًا ضد الجزائر، أدى إلى التعجيل باتخاذ قرار، ربما كان مُعدًا منذ سنوات .