fbpx
مقالات

محمد فؤاد البري يكتب: قناة السويس بين تجارب الماضي ومخاطر الحاضر

تعد قناة السويس من أهم وأطول الممرات الملاحية في العالم حيث يمر عليها 10% من حجم التجارة العالمية كما تتحكم فيها مصر من الجانبين على النقيض من الممرات الملاحية الأخرى والتي تتنازع عليها أكثر من دولة مثل مضيق هرمز أو باب المندب وجبل طارق أو حتى قناة بنما التي تخضع للسيادة الأمريكية بطريقة غير مباشرة.

وتعد قناة السويس مصدرا رئيسيا للعملة الأجنبية في مصر، كما أنها ظلت تمثل المورد الثالث من حيث القيمة، بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية.

قناة تفصل قارتين وتربط بين بحرين، بل تربط بين الجنوب والشمال، الشرق والغرب، القناة الذي رفض فكرتها محمد علي قائلا: “لا أريد بسفوراً جديداً في مصر ” ونفذ فكرتها حفيده سعيد باشا وحفرها المصريين وأشرف عليها الفرنسيين وأحتكرها الإنجليز، ومصرها عبد الناصر وأعاد حفرها من جديد الرئيس السيسي تلك القناة التي واجهت تحديات عظيمة منذ بداية تأسيسها وقتل أكثر من 100 ألف عامل مصري عند حفرها مازالت تواجه مخاطر مستقبلية.

“قناة السويس تحقق أعلي إيراد سنوي في تاريخها ما يقرب من 9 مليار دولار خلال العام المالي 2023-2022 “
من واقع هذا الخبر يظن البعض ان دخل القناة السنوي رقم مؤثر في خزينة الدول، ولكن عند النظر لدول الجوار سنجد المعادلة مختلفة تماما السعودية مثلا تجني مليار دولار يوميا من النفط، حيث بلغ متوسط صادرات النفط في السعودية 9 ملايين برميل يوميا وفقا لإحصائيات أوبك يناير 2023

بمعني أن دخل القناة في سنة بالكاد دخل السعودية في أسبوع. ولكن للقناة أهمية معنوية أخرى لمصر بعيداً عن أهميتها الاقتصادية وهي أنها تشكل ورقة ضغط للعالم عند الأزمات انها الأهمية الاستراتيجية.

لا شك ان العلاقة بين بترول الخليج والقناة هي اقتصاديا وتجاريا علاقة حتمية ومؤخرا ظهرت تحديات عديدة في حركة الملاحة العالمية كانت ستقتل دور القناة أبرزها:

1- الناقلات العملاقة
2- امدادات خطوط الأنابيب الأرضية
3- المبادرة الصينية ” الحزام والطريق “
4 – التوترات الجيوسياسية في مضيق باب المندب  

بالنسبة للخطر الأول الذي كان يهدد القناة ظهور الناقلات العملاقة حيث وجد ان تكاليف نقل الطن بالناقلات العملاقة عن طريق الرأس (كيب تاون) اصبحت اقل من تكاليف نقله بالناقلات الصغيرة عن طريق السويس بل حتي لو لم تفرض علي الاخيرة اي رسوم مرور علي الاطلاق وهذا هو الخطر في الأمر فرغم فارق المسافة الضخم الذي كان يعطي الاولوية المطلقة للقناة انقلب الموقف رأسا علي عقب هنا تغلبت التكنولوجيا علي الجغرافيا حيث أن الحاويات التي كان يزيد عرضها عن 70 متر كانت تجد صعوبة في المرور من القناة فكانت الناقلات تبني بمقاسات ومواصفات وغاطس تتحدد كلها تبعا لامكانية عبور القناة ولكن مع تطور تكنولوجيا صناعة السفن العملاقة لابد ان تتطور القناة لذلك اتجهت الدولة المصرية إلى تعميق المجري الملاحي عدة مرات ثم موخرا تم عمل تفريعة جديدة بطول 35كم بالاضافة الي تعميق البحيرات المرة لنواجه أخطر تحدي عالمي يهدد القناة .

انطلق هذا المشروع عام 2014 وانتهى إنجازه في صيف 2015، وتم تدشين القناة الجديدة التي يصل طولها إلى 72 كيلومترا. هذه التوسعة أسهمت في الزيادة في إيرادات القناة على مدار السنوات الخمس (2016-2020) إلى 32 مليارا و442 مليون دولار، حسب أرقام رسمية.

الخطر الثاني يتعلق بخطوط الأنابيب العملاقة العابرة  في مسارات ارضية حيث تتجه العديد من الدول إلى ذلك ودفع رسوم بسيطة للدول الترانزيت الذي يمر عليها خط الانابيب خاصة الغاز الطبيعي وتوفر خطوط الانابيب تكلفة النقل بالناقلات البحرية وما تشمله من تكلفة النفط والتشغيل والرسوم للموانئ او القنوات والمضايق الملاحية وكذلك توفر اجور طاقم الحاويات  الخ لذلك يجب أن تجدد القناة المصرية دورها وتوفر البدائل لعملائها يجب علي مصر نفسها من الآن تمتلك اسطولا كفئا وقويا من السفن العادية والناقلات وبخاصة المتوسطة والصغيرة  لتستعمله هي بنفسها وعلي قناتها في نقل البترول والبضائع بين الشرق والغرب ، فمن المخزي أن تتفوق سنغافورة علي مصر في هذا المجال علي الرغم أن الاخيرة ذات موقع متطرف بينما مصر تمتلك  ناصية وقلب العالم وعند مقارنة ميناء بورسعيد وميناء سنغافورة لن نجد مجالا للمقارنة حيث يحقق ميناء سنغافورة دخلا يزيد علي 21 مليار دولار سنويا كعائد للخدمات اللوجيستية فقط حيث تمر به خمس حاويات الشحن العالمية يتبادل الميناء البضائع مع 600 ميناء في 123 دولة حول العالم كما يقوم الميناء بدور الترانزيت اذ يعمل علي تزويد السفن المارة به بالوقود والخدمات اللازمة غير معقول علي الاطلاق ألا يكون لمصر صاحبة القناة اسطول ناقلات ونقل تدعم به قناتها وتوظفه في خدمتها بينما ان لكثير من الدول البحرية المتقدمة والمتخلفة اساطيل كبري تعيش علي القناة وبالقناة فان مصر لا يجوز ان تظل مجرد ممر بل وجب الان ان تتحول الي دولة ناقلات ومنطقة لوجيستية علي جانبي القناة حتي لا يحدث عملية أسر نقلي علي نمط العصور الوسطي وحتي نستطيع في الوقت الحالي أن نضيق الخناق علي مشاريع اسرائيل التي من شأنها ستؤثر علي القناة بالسلب اذا توقفنا عن التطوير ، وكذلك مشروع الصين العملاق من خلال إعادة احياء طريق الحرير القديم من خلال توصيل شبكات خطوط السكك الحديدية والموانئ البحرية حول العالم بدولة الصين .

ومن العجيب في مصر ان هناك  ثلاث جامعات حكومية ضخمة بالقرب من مدن القناة  كجامعة قناة السويس في مدينة الاسماعيلية وجامعة بورسعيد وجامعة السويس ورغم ذلك  لم نستغل هذه الجامعات في خدمة القناة، مازلت تلك الجامعات تفتح ابوابها لكليات  تقليدية يكتظ سوق العمل بها كالآداب  والحقوق والتجارة والتربية وغيرها من الكليات والدراسات النظرية يجب ان تكون هذه الجامعات  الاقرب للقناة ان تعمل علي تحقيق التنمية  حيث يؤكد الخبراء اذا استغلت منطقة القناة بشكل جيد تستوعب 4 ملايين عامل ترتبط بمشاريع تحلية المياه واستصلاح الاراضي ومشاريع الاستزراع السمكي ، يجب ان يعيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي النظر في البرامج المقدمة في تلك الجامعات  لتعمل علي خدمة القناة وان استعان بخبراء اجانب في بداية الامر لدراسة علوم النقل البحري وكل ما يتعلق بنظم الملاحة والخدمات اللوجستية وصناعة الناقلات الخ أي تكون جامعات مختصة في علوم البحار والملاحة والنقل البحري من خلال كليات تطبيقية ومعاهد فنية تؤهل الخريجين الي هذا المجال كما في جامعة بنما التكنولوجية ، ونجحت القيادة السياسية في مصر للفت الانتباه لمنطقة قناة السويس من جديد وكانت خطوة إنشاء منطقة صناعية وتجارية متكاملة في محور قناة السويس، بالتعاون مع دول بريكس، أولى ثمار هذا التحول. هذه المنطقة ستكون رأس حربة في مشروع “طريق الحرير” الصيني الجديد، وتضاهي في قوتها وتأثيرها مدينة هونج كونج.

اما الامر الثالث الذي يهدد عدد السفن المارة بالقناة هو منطقة النفوذ التجاري في منطقة الخليج العربي واحتياطي البترول المؤكد في هذه المنطقة.

من مصلحة القناة ان يكون التبادل التجاري بين دول جنوب و غرب اوروبا الصناعية  ودول الخليج العربي النفطية اكبر وأغزر  من التبادل بين دول الخليج من جهة وبين دول  الشرق الأقصى من جهة أخري متمثلة في الغول الصيني واليابان المتقدم وكوريا الجنوبية والهند ودول النمور الاسيوية الصاعدة كل هذه الدول نمت فيها الصناعة بشكل كبير مع زيادة التبادل التجاري مع دول الخليج ولا سيما استيراد النفط  ولكن لا يستخدم في هذا التبادل التجاري الضخم طريق القناة انما مضيق هرمز فقط للمحيط الهندي مباشرة ، علي عكس دول أوروبا الذي يوفر لها طريق القناة نصف المسافة وأكثر بالمقارنة بطريق الدوران حول أفريقيا المعروف بطريق الرأس. بينما يمثل مشروع الحزام والطريق التي تحاول الصين تدشينه إلي تأثير نسبي على حجم التجارة العالمية المارة في القناة بسبب محاولة ربط المشروع دول أوربا بقارة آسيا من خلال انشاء أطول خط سكة حديد ومن هنا تتحول جزء من التجارة العالمية من النقل البحري إلى النقل البري باستخدام قطارات البضائع السريعة.

والخطر الرابع الذي يواجه القناة هو أمن واستقرار منطقة باب المندب وهي منطقة مشتعلة من الجانبين سواء الحوثيين في اليمن أو المشكلات الأمنية في منطقة القرن الافريقي ، التوترات السياسية التي  لا تنتهي في باب المندب لها علاقة قوية بتذبذب إيرادات قناة السويس ومؤخرا انخفضت إيرادات رسوم المرور بمعدل 24.3% لتسجل 6.6 مليار دولار خلال العام المالي 2023- 2024 وفقا لبيانات البنك المركزي المصري وبالتالي فقدت مصر 6 مليارات دولار أول 8 شهور من العام الجاري بسبب التوترات الجيوسياسية بالمنطقة وتسعى مصر جاهدة للعمل على تهدئة الوضع في منطقة القرن الأفريقي حيث تعد أكبر دولة أفريقية  مرسلة لقوات حفظ الأمن والسلام في منطقة القرن الافريقي ، كما عملت مصر اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال لمواجهة الأطماع الاثيوبية التي تحاول وضع قدم لها على ساحل البحر الأحمر .

وفي حقيقة الامر القناة في البداية نشأت قبل اكتشاف البترول وكانت تبرز اهميتها الاستراتيجية لبريطانيا فكانت القناة طريقا الي الهند اهم مستعمرات الانجليز في القرن التاسع عشر فأصبحت القناة بعد اكتشاف البترول في الشرق الاوسط طريقا الي الخليج ولكن ماذا ينتظر القناة في المستقبل ..

قد ينتهي الاحتياطي الموكد من منطقة الخليج العربي بعد فترة زمنية محددة، وقد تتقدم التكنولوجيا وتعتمد على مصادر طاقة اخري في المستقبل القريب كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدلا من النفط ولكن في كل الأحوال تبقي القناة فمصر رغم كل شئ موقع خالد لا يمكن ان يتجاهل او يهمل او يبلي سواء بوجود البترول او عدمه فمنذ صنعت مصر التاريخ عاشت فيه كل عمرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى