fbpx
تقاريرسلايدر

محطة الضبعة النووية.. ماذا تستفيد مصر ويستفيد المواطن منها

إعداد: أحمد التلاوي

تزامنًا مع احتفالات الذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر، شهد موقع محطة الضبعة النووية مرحلة جديدة في المشروع الذي يُعتَبَر أحد أبرز المشروعات الاستراتيجية للدولة المصرية؛ حيث تم – الأحد 6 أكتوبر 2024م، تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثالثة من بين أربع وحدات يتضمنها المشروع.
وتُعتَبر مصيدة قلب المفاعل أحد أهم العناصر في نظام السلامة في المحطات النووية؛ حيث تمثل نظام الحماية الذي يضمن الحفاظ على التحكم في التفاعلات النووية في المفاعلات النووية، ويتم تركيب مصيدة المفاعل أسفل قاع وعاء المفاعل، بهدف رفع درجة أمان وسلامة المحطة.
وبحسب هيئة المحطات النووية المصرية، فإن المصائد الأربع للمحطة التي يتم العمل عليها في مصر الآن، من الجيل الثالث المتطور، والذي يتضمن تصميمه وفق “شركة “روس أتوم” الروسية التي تقوم على إنشاء المشروع، أن يكون المفاعل النووي بلا انبعاثات، وصديقًا للبيئة.


تتكون المحطة من أربع مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميجاوات، بواقع 1200 ميجاوات لكل مفاعل – من طراز “VER-1200” – ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028م.
وبدأ العمل على المشروع في العام 2017م، بعد أنْ وقَّعت مصر وروسيا عقود إنشاء المحطة في التاسع عشر من نوفمبر 2017م، بتكلفة 28.5 مليار دولار،
ويتم تمويل المشروع عن طريق قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، حصلت عليه مصر لإنشاء المحطة النووية، يأجل 22 عامًا، وفائدة 3 بالمائة سنويًّا على أن يبدأ سداد أول قسط عام 2029م، بعد تشغيل أول مفاعل من مفاعلات المحطة الأربعة.


ويشمل الاتفاق المصري الروسي، تقديم روسيا الدعم التشغيلي للمحطة لفترة عشر سنوات، وإمدادات الوقود لفترة ستين عامًا، يتم توفيرها بواسطة شركة “روس أتوم”.
والحقيقة أن خطوة إنشاء محطة الضبعة النووية، تمثل أول خطوة حقيقية على طريق تحقيق حلم مصر النووي الذي بدأ في خمسينيات القرن العشرين، أي بعد نحو سبعين عامًا من بدء القيادة السياسية المصرية في التخطيط لذلك.
وكان أول ثمرة للتعاون بين مصر والاتحاد السوفييتي السابق في هذا المجال، إنشاء أول مفاعل نووي للأبحاث في العام 1961م.
وخلال العقود التالية، جرت محاولات لإنشاء مشروع نووي مصري لتوليد الطاقة الكهربائية، ولكن حالت دون ذلك عوامل سياسية واقتصادية عدة، حتى قررت القيادة السياسية المصرية الحالية أخذ قرار بتنفيذ المشروع مهما كانت العقبات.
والحقيقة، أنه بعيدًا عن التفاصيل الفنية الخاصة بهذا المشروع، فإن الأكثر أهمية هنا، هو ذلك الصداع المزمن الذي تتسبب فيه بعض العقليات التي باتت سائدةً للأسف، وتظهر على السوشيال ميديا عند كل مشروع مماثل تعلن الدولة المصرية عن خطوة جديدة فيه.
وتتركَّز ما تطرحه هذه الأصوات دائمًا على سؤال واحد: ماذا سوف تستفيد مصر، ويستفيده المواطن من ذلك؟، مع طرح العبارات التقليدية التي رسختها عقود من الثقافة الاستهلاكية قادت إلى التشويش على قضية الأولويات لدى المواطن.
والحقيقة أن الأمر حتى بالمعايير الاستهلاكية للمواطن، به الكثير مما يرُدُّ على هذه النوعية من الأسئلة.


أولاً: قطاع الطاقة:
ونبدأ بالقضية المزمنة، وهي قطاع الكهرباء والطاقة، فمن المعروف أن مصر تعتمد في إنتاجها للكهرباء بنسبة 85 % في إنتاجها للكهرباء على الوقود الأحفوري، والذي يكلِّف الدولة الكثير من الأعباء.
في هذه النقطة، تكفي الإشارة إلى تصريح للدكتور أمجد الوكيل رئيس هيئة المحطات النووية المصرية، على هامش فعاليات المنتدى الدولي للطاقة النووية “أتوم إكسبو – 2024” في مدينة سوتشي الروسية، والذي عُقِدَ في الأسبوع الأخير من مارس الماضي، ذَكَر فيه الدكتور الوكيل أن المشروع سوف يوفِّر ما بين 7.2 و7.7 مليار متر مكعب غاز سنويًّا عقب تشغيل كامل وحدات المحطة النووية.


ثانيًا: فرص العمل:
تضمن محطة الضبعة النووية فرص عمل لأكثر من 16 ألف عامل، أغلبهم من المصريين إلى جانب بعض الخبراء الروس، ولمدة عشر سنوات فحسب وفق الاتفاق المصري الروسي كما تقدم.
فنحن نتكلم هنا عن نوعَيْن من فُرَص العمل؛ النوع الأول، فرص عمل بالمفهوم التقليدي، وهنا نشير إلى أن الـ16 ألف فرصة عمل التي توفرها المحطة، سوف يستفيد منها رقم يدور حول مائة ألف مواطن، بأُسَرِ هؤلاء العمال، ما بين موظفين وفنيين وغير ذلك.
النوع الثاني، وهو فرص العمل بالمفهوم غير التقليدي؛ حيث سوف يقود العمل في مشروع إلى تدريب وتأهيل عدد كبير – بالآلاف – من المصريين في هذا المجال الذي يُعتَبر مستقبل العلم لعشرة قرون مقبلة بحسب تقديرات علمية؛ حيث لن تتخلى الإنسانية عن الطاقة النووية حتى في المستقبل البعيد.


ثالثًا: اعتبارات اقتصادية أخرى:
يتصل هذا الأمر كذلك بحقائق غائبة عن المواطن العادي؛ حيث هو ينظر إلى محطة الضبعة على أنها مجرد محطة كهرباء “كبيرة شوية” وكفى، بينما هي ليست كذلك.
فالمشروع يشمل محطة أبحاث للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ويشمل ذلك قطاعات مهمة من الأنشطة الاقتصادية والبشرية، مثل تحسين السلالات الزراعية، بالشكل الذي يمكن معه إنتاج نوعيات محاصيل قادرة على تحمُّل الظروف المناخية لمصر، والتعامل مع ندرة الموارد المائية.
وكذلك الأبحاث في مجال الطب، وهو وحده من أهم المجالات التي تسعى الدولة في الوقت الراهن إلى إيجاد حلول لمشكلة استيراد المواد الخام اللازمة لتوطين كامل للصناعات الدوائية في مصر.


رابعًا: اعتبارات أمن قومي:
ظلَّت منطقة الساحل الشمالي في مصر مهملة، برغم أنها ظلت قديمًا، ولقرون طويلة، واحدة من أخصب الأراضي الزراعية المصرية، وكانت – وقت الإمبراطورية الرومانية – سَلَّة غذاء الإمبراطورية كلها.
وعلى ما طرأ على المنطقة من زحف الصحراء، ووجود الألغام التي تركتها جيوش الحلفاء ودول المحور خلال الحرب العالمية الثانية هناك، باتت منطقة فراغ سُكَّاني غير مقبولة لدى العسكريين والقائمين على الأمن القومي المصري.
وبالتأكيد؛ فإن مثل هذه النوعية من المشكلات التي تواجه المُخَطِّط الأمن القومي، يتم معالجتها بوسيلة واحدة، وهي الاستيطان البشري، والذي يشمل مختلف أنواع الأنشطة السُّكَّانية، وإنشاء مجتمعات جديدة في هذه المناطق التي تعاني من الفراغ.
وزاد إلحاح هذه المسألة بعد الحوادث التي مرَّت بها مصر منذ العام 2011م، وتحوُّل مناطق الفراغ السُّكَّاني إلى مناطق تسلل وتمركز للمجموعات الإرهابية التي كانت تستهدف مدن وادي النيل، وعزل مناطق التخوم على مختلف المحاور الإستراتيجية، في الغرب والجنوب والشرق.
فتوطين السُّكَّان وخلق كثافات بشرية مُتَوطِّنة، يعني شق طرق – محور الضبعة – وبناء مدن، مثل العلمين الجديدة، وهي من مدن الجيل الرابع، أو المدن الذكية، وفتح معابر رسمية جديدة على الحدود مع الجار الغربي، وهو ليبيا، كما تم في السلوم والمعبر الجنوبي لواحة سيوة، بديلاً عن طرق التهريب.
ويعني كذلك استصلاح أراضٍ جديدة، كما تتم الآن في محور القطَّارة جنوبي هذه المنطقة، ووجود محطة أبحاث نووية متقدمة مثل محطة الضبعة، يعني الكثير لنجاح مثل هذه المشروعات، وهو ليس تنبُّؤًا، أو تخمينًا، فالأبحاث الزراعية التي من المقرر أن تتم في محطة الضبعة، جزء منها مخصص لذلك بالفعل.
حتى ما يتعلق بمطارات وموانئ المنطقة، والتي كان بعضها مهملاً مثل ميناء “الحمراء” المخصص لتصدير النفط، وحتى بناء قاعدة “محمد نجيب” العسكرية، الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن هذه الاعتبارات؛ حيث كانت خطوة ضرورية لحماية المحور الإستراتيجي الغربي، والحفاظ على المكتسبات التي تمت، وسوف تتم بإذن الله في هذا المحور.


إذًا، فمحطة الضبعة النووية، ليست صرخة في البَرِيَّة أو في صحراء صامتة، وإنما هي جزء من مخطط شامل ذكرنا بعضًا من معالمه لتطوير المحور الإستراتيجي الغربي لجمهورية مصر العربية بالكامل.
والمحطة لا تعمل بمعزِل عن باقي ما يتم وسوف يتم تنفيذه، وإنما هي جزء أصيل وداعم لباقي الخطط التي تتم.
صحيح أن جانبًا كبيرًا من مكتسبات هذا المخطط طويل المدى، سوف تظهر في المستقبل، إلا أنه كيف يمكن أنْ تتصور هذه الأصوات التي تظهر بشكل تلقائي مع كل مشروع جديد، أنْ تحقق الدولة ما يدعون هم أنفسهم إليه، لتطوير مصر حضاريًّا، وإعادته لمكانتها الطبيعية بين أُمَم العالم المتقدمة؟!
لا يتحقق هذا بمشروعات الأمن الغذائي، وتوفير اللحمة والسجائر، ولا يتحقق بالمشروعات قصيرة الأجل، وإنما يتحقق بالمشروعات طويلة المدى، والتي تبني ركيزة أساسية من الزراعة والصناعات الثقيلة، وهو ما تسعى الجمهورية الثانية إليه الآن بكامل طاقاتها وطاقات أبناء هذا الوطن المخلصين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى