هبة الأفندي تكتب: قصة جامع الحاكم بأمر الله
جامع الحاكم بأمر الله أحد أقدم مساجد القاهرة الفاطمية وأكبرها مساحة وأجملها تصميما.
ترجع قصة إنشاء جامع الحاكم بأمر الله إلى الخليفه العزيز بالله ابن الخليفه المعز لدين الله في رغتبه بإنشاء مسجد خارج أسوار القاهرة.
ففي عام 989 ميلادية، رأى العزيز بالله الفاطمي، خامس الخلفاء الفاطميين، أن جامع الأزهر الشريف، لم يعد لديه قدرة على استيعاب المزيد من المُصلين والدارسين، لذلك بدأ يفكر في بناء مسجد جديد، ولكن عملية البناء توقفت بعد وفاته، قبل أن يستكملها ابنه “الحاكم بأمر الله”، الخليفة الفاطمي السادس،
ولكن لم يتم ذلك في عهد الخليفة العزيز على الرغم من أنه قد أدى فيه صلاة الجمعة في شهر رمضان سنه ٣٨١ هجريا، كما صلى جمعة ثانية من عام ٣٨٣ هجريا.
سمي الجامع على اسم الحاكم بامر الله، والذي أصدر قراراً بتحويل المسجد إلى “جامع” يُدَرَّسْ فيه الفقه، ليساعد جامع الأزهر الشريف في استيعاب الدارسين والمصليين.
تاريخ الانشاء
بدأ الخليفة العزيز بالله بناء هذا الجامع في شهر رمضان من عام ٣٨٠ هجريا الموافق ديسمبر ٩٩٠م.. ولكن البناء لم يكتمل وتوفي وأكمل بناء الجامع ابنه الحاكم بأمر الله حتي أكمله في ٦ رمضان عام ٤٠٣ هجريا .
الموقع
يقع هذا المسجد بجوار باب الفتوح، وهو أحد أبواب سور بدر الجمالي لمدينة القاهرة الفاطمية.
يقع الجامع حاليا في نهاية شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية بجوار باب الفتوح.
كان المسجد وقت تشييده خارج أسوار القاهرة القديمة التي شيدها جوهر الصقلي، ثم أصبح داخل حدود المدينة بعد أن قام بدر الجمالي (480هـ/ 1087م) بتوسعة المدينة وتشييد الأسوار الحالية.
أسماء أخري للجامع
عرف بجامع الخطبة، وجامع باب الفتوح نبسة لباب الفتوح، وجامع الأنور والجامع الحاكمي.
الوصف المعماري
يعتبر جامع الحاكم بأمر الله رابع أقدم المساجد الجامعة الباقية في مصر وتاني أكبر جوامع القاهرة إتساعًا بعد جامع أحمد بن طولون.
ويمثل المدخل الرئيسي البارز بالواجهة الشمالية الغربية أقدم أمثلة المداخل البارزة بمصر حيث أخذ الفاطميون فكرته من مسجد المهدية في تونس.
وقام جامع الحاكم بنفس الدور الذي كان يقوم به جامع الأزهر في ذلك الوقت من حيث كونه مركزًا لتدريس المذهب الشيعي.
أما عن تخطيط الجامع فهو مستطيل الشكل، ويتكون من صحن أوسط مكشوف تحيطه أربع أروقة أكبرهم رواق القبلة في الجهة الجنوبية الشرقية ويعلو واجهته مئذنتين، وقد تعرض الجامع للعديد من عمليات الترميم على مر السنين.
تطل واجهة الجامع الرئيسية (الشمالية الغربية) على شارع المعز، ويتوسطها مدخل بارز يتكون من برجين صغيرين يحصران بينهما مدخل الجامع الذي يبرز عن الواجهة بمقدار 6 م ويبلغ طوله15.50 م وارتفاعه 11 م.
وقد زخرفت كتلة المدخل بحشوات غائرة تملؤها أشرطة ووحدات زخرفية وكتابات كوفية.
وهذا الأسلوب من الزخرفة استقدمه الفاطميون إلى مصر من شمال إفريقيا، ويعتبر المدخل البارز في جامع الحاكم من أقدم الأمثلة في مصر، وقد ظهر من قبل في جامع المهدية الكبير في تونس.
ويوجد في طرفي الواجهة الرئيسية مئذنتان، وهما من أعمال الحاكم بأمر الله عام 393 هـ / 1002 م، وأخذت فكرة بنائهما في ركني واجهة الجامع من جامع المهدية في تونس.
يتكون الجزء الأصلي من المئذنة الشمالية من قاعدة وجسم أسطواني، وتتكون المئذنة الجنوبية الغربية من قاعدة مربعة تنتهي بمثمن، وأضيفت باقي أجزاء المئذنتين على يد الأمير بيبرس في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وذلك بعد أن تسبب زلزال عام 703 هـ / 1303 م في هدم قمتي المئذنتين الأصليتين.
وقد أضاف الحاكم بأمر الله بعد 11 عاماً من بناء المئذنتين جدراناً حجرية متعامدة الأضلاع تحيط بكل من المئذنتين من الخارج أخذت شكل برج واشتملت على أشرطة كتابية تحتوي على آيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي.
وربما تكون تلك الإضافة متأثرة بالقواعد المربعة للمآذن الأندلسية والمغربية في جامع القيروان وجامع قرطبة.
وتوجد أدلة معمارية صريحة تؤكد على أن الجامع كان له ثلاث قباب، ومازالت الوسطى منها قائمة.
وقد استعمل الطوب في تشييد أروقة وعقود وقباب الجامع، بينما استعمل الحجر في تشييد جدرانه الخارجية ومئذنتيه ومدخله البارز.
ويتكون المسقط الأفقي للجامع الذي تبلغ أبعاده 120 م × 113 م من صحن أوسط مكشوف (بُني عام 78 هـ / 66 م) تحيط به أربعة مسطحات مسقوفة بها شبكات من الأعمدة تشكل صفوفها الموازية لأضلع الصحن.
أكبر هذه المسطحات يقع في الاتجاه الشرقي (اتجاه القبلة)، ويتكون من خمسة أروقة يقطعها مجاز في اتجاه عمودي على المحراب، أما المسطح الغربي فيتكون من رواقين، في حين يتكون كل من المسطحين الشمالي والجنوبي من ثلاثة أروقة.
وقد تأثر الجامع بالأساليب المحلية السابقة في الفسطاط والقطائع وخاصة بجامع ابن طولون (بُني عام 265 هـ / 879 م).
ويتضح ذلك في توزيع الأروقة، وفي اقتباس فكرة بناء دعامات من الطوب تحمل عقود الأروقة، وفي القطاعات المستطيلة للدعامات، وفي صف أعمدة مندمجة في أركان الدعامات، وفي كثرة الأبواب، أما المجاز القاطع في منطقة القبلة وفكرة القباب الثلاث فقد وجدا من قبل في الجامع الأزهر (بُني عام 361 هـ 972 م).
نال الجامع تاريخ من الاهتمام حيث إتخذته الحملة الفرنسية مقر لجنودها واستخدمت مئذنتيه كأبراج للمراقبة.
كما أطلقت عليه دار الآثار العربية أول متحف إسلامي بالقاهرة بعد استخدام رواق قبلته كمتحف.
كما تحول الرواق الجنوبي الغربي وجزء من الرواق الشمالي الغربي إلى مدرسة ابتدائية عُرفت بـ ” السلحدار الابتدائية.
مئذنتي الجامع
توجد في الركن الشرقي و الغربي للواجهة الرئسية للجامع مئذنتان كبيرتان، تم بناؤهما في شهر رجب عام ٣٩٣ هجريا .
فقد ورد في النقوش الكتابية البارزة على تكسية بدن المئذنة الشرقية اسم الحاكم بأمر الله و شهر رجب ولكن سقط العام من علي المئذنة، لكن تاريخ الإنشاء ورد كاملا على المئذنة الغربية للجامع .
وقد أمر الحاكم بأمر الله بإحاطة كل منهما بكسوة خارجية من الحجارة بغرض تدعيمها و تقويتها.
مسجد الحاكم بأمر الله يشكل إضافة قوية لآثار مصر الإسلامية في منطقة القاهرة التاريخية