مرت أحداث الثانوية العامة ومكتب التنسيق ولكن يظل دائماً الأهل والأبناء في حالة من الشك بخصوص الاختيارات للمسار الدراسي، ولازالت الثانوية العامة بمثابة “بيت الرعب” للكثيرين ولكن أود أن أقول أن الثانوية العامة ليست نهاية المطاف وكذلك اختيار مسار الدراسة بعدها ليس أيضاً نهاية المطاف وأتمنى أن يأتي اليوم الذي تزول فيه الضغوط النفسية والمالية المرتبطة بهذه المرحلة الصعبة.
فالنجاح في الحياة لا يتوقف على مجرد اجتياز مرحلة تعليمية بعينها، بل يتعلق بمدى قدرة الشخص على اكتشاف شغفه وتطوير مهاراته واستغلال قدراته بأفضل طريقة ممكنة.
بصفتي متخصصًا في التعليم والتعلم، أرى أنه لا يوجد شيء يسمى “كليات القمة”، وهذه فكرة وهمية صنعناها بأنفسنا وضغطنا بها على أبنائنا.
المجتمع هو من خلق “كليات القمة”، فهل يعني ذلك أن بقية الكليات هي “كليات القاع”؟ هذا التمييز يعزز الفجوة بين الطلاب ويزرع فيهم شعوراً بأن النجاح يقتصر على مسارات معينة فقط، وهو أمر بعيد عن الحقيقة.
بناءً على التجارب العملية والدراسات العالمية، فإن أي تخصص يتفوق فيه الطالب ويكرس له وقته وجهده ويشعر بالشغف تجاهه، سيمكنه من الوصول إلى القمة. القمة ليست حكرًا على كليات معينة أو تخصصات محددة.
صحيح أن هناك كليات تضمن وظائف بعد التخرج، ولكن ما الفائدة إذا تخرج الطالب من كلية لا يحبها، ودَرَسَها فقط لإرضاء أهله أو تلبية لضغوط المجتمع لمجرد أن يُطلق عليه لقب “دكتور” أو “مهندس” إن الإصرار على توجيه الطلاب نحو تخصصات معينة قد يكون له تأثير سلبي على حياتهم المهنية والشخصية.
تخيلوا طالباً يدخل كلية الطب بناءً على رغبة أهله، وهو يميل أكثر إلى الفنون مثلاً، قد يكمل دراسته، لكنه سيعاني من نقص الحافز والإبداع في مجاله، وربما لن يتمكن من تحقيق النجاح الذي كان يمكن أن يحققه لو درس ما يحبه بالفعل.
هنا نواجه موضوعين مهمين: الأول هو ضغط الأهل على أبنائهم لدراسة تخصص معين قد يكون ضد رغباتهم أو قدراتهم، والثاني هو نظرة المجتمع والإعلام الذي يكرر مصطلح “كليات القمة” حتى ترسخ في أذهاننا.
يجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤولية تغيير هذه النظرة، وأن نعمل على توجيه أبنائنا نحو اكتشاف ميولهم وشغفهم. رسالتي للأهل بسيطة: استمعوا لأبنائكم وافهموا ما يرغبون في دراسته قبل أن تصروا على تخصص معين. صحيح أن الأهل لديهم خبرة ورؤية أوسع للمستقبل، لكن لنتذكر جيدًا أن “كل ميسر لما خلق له”.
دعونا نؤمن بأن لكل فرد طريقته الخاصة في الوصول إلى النجاح، وأن السعادة الحقيقية تأتي من متابعة الشغف والاهتمام، وليس من التبعية للضغوط الاجتماعية أو العائلية.
ولكي يتعرف الطالب على المجالات المناسبة له بأسلوب علمي، يمكن إجراء تقييم نفسي يجيب فيه الطالب على مجموعة من الأسئلة العامة، وتوضح له النتيجة طبيعة شخصيته ونقاط قوته وضعفه، وتحدد أفضل وظيفة تناسبه.
هذا الاختبار العالمي تم تطبيقه على أكثر من مليار وربع المليار شخص حول العالم، ونسبة المصداقية والثبات فيه تتجاوز 92%. والاختبار ليس مخصصًا للطلبة فقط، بل يصلح للجميع. أنصح الجميع بإجرائه لأنه يقدم تشخيصًا تفصيليًا لشخصيتنا، ويساعدنا على فهم أنفسنا وفهم الآخرين.
وهذا من أهم الأمور التي يمكن للإنسان القيام بها: أن يفهم نفسه ويعرف نقاط قوته وضعفه بطريقة علمية موثوقة. الاختبار متوفر باللغة العربية والإنجليزية ويمكن الوصول إليه مجانًا عبر هذا الرابط:
https://www.16personalities.com/ar
رسالتي إلى المجتمع: علينا إعادة النظر في مفهوم “كليات القمة”، وعلينا أن نتعاون مع أبنائنا ونخفف عنهم الضغط النفسي لأن المؤهل الدراسي ليس نهاية الطريق، بل هناك متطلبات ومهارات أخرى يحتاج كل خريج إلى اكتسابها ليتمكن من شق طريقه في الحياة.
لا يمكننا إغفال أهمية اكتساب المهارات الحياتية والمهنية اللازمة للنجاح في أي مجال، بدءًا من التواصل الفعال، مرورًا بتطوير المهارات اللغوية، وصولاً إلى القدرة على كتابة سيرة ذاتية تعكس الكفاءة والتميز.
وأوجه نفس الرسالة إلى وسائل الإعلام والإعلاميين: شجعوا أبنائنا على دراسة التخصصات التي تتناسب مع شخصياتهم وميولهم، لأن النجاح ليس حكراً على فئات بعينها. وهناك مهارات كثيرة يمكن تناولها في مقالات قادمة بإذن الله.
الكاتب: زميل الجمعية الملكية للفنون والتجارة والصناعة ببريطانيا.