جلال نصار يكتب: الكتابة المغزولة في الإيكونوميست وأخواتها
قبل أن تتخذ موقفا ، مما ينشر عن مصر في عدد من الصحف والمجلات الغربية الكبيرة، عليك أن تدرك جيدا، أنها تٌكتب بحرفية عالية بغض النظر عن أحكامنا ومواقفنا الشخصية من مصداقية ما تحتويه من معلومات وأرقام وتحليل وأبعاد ومصادر.
وبحكم المهنة فإنني أطلع على معظم تلك الصحف والمجلات والمواقع ، وما تنشره من تقارير؛ وبحكم المهنة أيضا لا أقع في أي فخ أو محاولة لتمرير أي من أهداف النشر إلى أبعد من الهدف المهني بضرورة المعرفة ، ولكن يظل تأثير ما ينشر على المواطن العادي حتى لو كان من النخبة السياسية والاقتصادية والأمنية ، وما يتراكم في محركات البحث من تقارير ومعلومات وتحليلات عن الأوضاع في مصر.
الإيكونوميست واخواتها
كُتاب التقارير عن مصر سواء كانوا مراسلين أو متخصصين في الملف، وخاصة في مجلة الإيكونوميست وصحيفتي النيويورك تايمز والواشنطن بوست، يغزلون بمهنية عالية، ما يكتب من تقارير من مجموعة خيوط سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية واجتماعية وربما درامية وفنية بحيث ينتج عنها نسيج متماسك في قالب مهني محترف وسط مجموعة ووجبة كاملة من التقارير والتحقيقات والأخبار المهنية التي تمنح تلك التقارير المغزولة مصداقية عالية تستمد من مصداقية غالبية المواد الصحفية الأخرى.
وهو بالمناسبة السر في نجاح ومصداقية أي مطبوعة وموقع في الغرب وفى الشرق وفى بلاد تركب الأفيال، وهو ما يسمح بتمرير كل الرسائل أي كانت مصداقيتها وأهدافها وتوقيتها الذى غالبا ما يكون مدروس…
الغزل المحترف
قطعة النسيج التي تنتج عن عملية الغزل المحترف تمكن الكاتب من أن يحيك منها ما يشاء من قوالب ويزخرفها بما شاء من رسائل وأهداف سواء كانت بدافع شخصي من الكاتب أو لضرورة مهنية تتفق والسياسة التحريرية أو ربما لخدمة أهداف جهة أو مجموعة ضغط ومصالح.
البعض هيقول أنك كده تسقط في نظرية المؤامرة؛ وأنا أرد بأن هذا ليس دوري ولكن أشرح جانبا مهنيا موجودا على الدوام ويتم توظيفه في العديد من الحالات، التي تساهم في تراكم أوراق الضغط على القرار والسياسة المصرية منذ عقود طويلة بغرض الابتزاز وتمرير مواقف وسياسات وليست بالضرورة لخدمة أهداف مهنية فقط.
أصحاب الصنعة
أصحاب المهنة يستطيعون فرز ما هو حقيقي وما هو موجه بحكم الصنعة لكننا في المقابل نفتقد في صحفنا ومواقعنا وإعلامنا أصحاب الصنعة “الغزل المحترف” إما بعدم وجود كوادر من الأساس أو بحصار وعزل وانزواء وابتعاد صنايعية المهنة لان المناخ المهني لا يسمح أصلا بتواجدهم، لذلك لن تجد أي نوع من المبارزة المهنية المشروعة فضلا عن انعدام مصداقية المنظومة الصحفية والإعلامية المصرية إلا من رحم ربى ومعظم ما ينشر هو موضوعات تعبير تليق بالصف السادس الابتدائي.
وهو أمر بات خطيرا لأنه لا يتعلق بخدمة مصالح الحكومة والنظام السياسي، ولكن يتعلق بمصالح الدولة المصرية العليا التي تتجاوز الأفراد والمؤسسات الرسمية والمسافة المهنية بينهما كبيرة.