عبد اللطيف المناوي يكتب: الجامعة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي
إذا سألت الذكاء الاصطناعى عن دور جامعة الدول العربية، حتمًا سيجيبك بما هو مخزون فى عقل الشبكة العنكبوتية من تعريف نمطى كلاسيكى، لكنه حتمًا سيتأثر بما هو زاحف من معلومات وآراء انطباعية كتبها مدونون على مواقع التواصل الاجتماعى، أو صاغها كُتاب فى الصحف والمجلات والدوريات والمواقع الإلكترونية، تشير إلى عدم جدواها فى الأساس، أو أن دورها لا يتعدى كونه سكرتارية لدى زعماء الدول.
ولكن إذا حكّمنا العقل والتاريخ والمنطق، فإنه لن نستطيع إهمال بعض الأدوار المهمة التى قامت بها جامعة الدول على مر تاريخها، كما لا نستطيع إغفال أدوار أخرى هزيلة فى أزمات أخرى عديدة.
التسويات النادرة
الواقع يشير إلى أن النزاعات التى تدخلت فيها الجامعة ونجحت فى تسويتها نادرة للغاية، ومنها على سبيل المثال أزمة النزاع الكويتى العراقى سنة 1961، وهى المسماة «أزمة عبدالكريم قاسم» نسبة إلى الرئيس العراقى الراحل، وهى أزمة حدثت بسبب مطالبة قاسم بضم الكويت بعد أن أعلنت الأخيرة استقلالها من بريطانيا، مدعيًا أن الكويت أرض عراقية فصلها الاستعمار البريطانى عن العراق، وأعلن حينها عن تعيين الشيخ عبدالله الصباح قائم مقام للكويت تابعًا لمحافظة البصرة، حينها أصدرت الجامعة العربية قرارًا بقبول الكويت فيها، فضلًا عن تحريكها بعض المواقف الإقليمية والدولية تجاه تلك الخطوة.
المواقف الهزيلة
أما العكس، فمواقف الجامعة هزيلة للغاية فى كثير من الأحوال، يكفى مثلًا القول بأن الجامعة لم تتدخل بالأساس فى بعض النزاعات العربية الشهيرة، بل كان دورها سلبيًّا فى الأزمة معقدًا لها، مثل مواقفها من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة مؤخرًا على غزة. الغريب فى الأمر أن الجامعة فيما يتعلق بأحداث ليبيا 2011، فإنها طلبت من مجلس الأمن أن يتحمّل مسؤولياته وأن يفرض حظرًا جويًّا وإقامة مناطق آمنة!،
أى أن الجامعة رحبت بتدويل الأزمة، بدلًا من قصرها على دول الجوار أو الدول العربية المركزية والمحورية.
الشكوك المتصاعدة
ورغم كل هذا، ورغم الشكوك المتصاعدة كل فترة فى جدوى وجود جامعة الدول العربية، فإن سيناريو عودة سوريا إلى الحضن العربى من جديد يؤكد أنه مازالت هناك أدوار يمكن للجامعة أن تقوم بها.
نعم، الجامعة العربية لم تحقق الكثير من النجاحات، وذلك لضعف رئيسى فى آلية اتخاذ القرار فيها وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات ملزمة، لكن فى نفس الوقت يمكن تطوير آلياتها، ومنحها صلاحيات أكثر وأكثر فى اتخاذ القرارات، شرط أن تعِى الدول نفسها دور الجامعة، والذى من جانب ربما يقيها حرج اتخاذ مواقف قوية معلنة، ومن جانب آخر ينفى صفة السكرتارية عنها.
الجامعة منذ نشأتها مرت بسنوات صعبة، وهوجمت بالقدر الكافى، لكن ربما لم يفكر أحد فى تطوير ممارساتها وتفعيل أدوارها المنصوص عليها فى ميثاق الإطلاق.
الكاتب ، إعلامى ومحلل سياسي معروف
*المقالات تعبر عن آراء كتابها..نشر أول مرة في الجريدة الزميلة، المصرى اليوم