تقرير: اتفاقيات إبراهيم.. وأوهام التطبيع مع إسرائيل!
كتبت – نهال مجدي:
شهد العام الماضي تحولًا جوهريًّا في العلاقات العربية الإسرائيلية، وكانت البداية مع اتفاقيات إبراهيم، التي أثار توقيعها بالبيت الأبيض، في 15 سبتمبر من العام 2020، كثيرًا من الجدل.
وفي تلك الاتفاقيات، تعهدت الإمارات، والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وحذا حذوهما، بعد أسابيع، كلٌّ من المغرب، والسودان.
وقد رأى بعض المسؤولين، بإدارة الرئيس الأمريكي ترامب، آنذاك، أن نجاح تلك الاتفاقيات يشير بقوة إلى أن التطبيع لم يعد مرتبطًا بوضع الفلسطينيين، وهي القضية التي جعلت اندماج إسرائيل العميق في المنطقة مستحيلًا لعقود طويلة.
تطبيع بلا مقابل
وما عزز من تلك الرؤية أن المقابل، الذي طلبه الجانب العربي، فى مقابل التطبيع، هو، فقط، أن تمتنع إسرائيل عن احتلال المزيد من الأراضي بالضفة الغربية، لكن الدول الموقِّعة الأربع لم تطلب المزيد من التنازلات، مثل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، أو إقامة دولة فلسطينية.
ويمر الوقت حتى مايو من العام 2021 لتختبر الحرب على قطاع غزة ما إذا كان يمكن فصل عملية التطبيع هذه عن القضية الفلسطينية، وذلك بعد أسابيع من العنف المتصاعد، وطرد الفلسطينيين في القدس من منازلهم، واستخدام قوات الإحتلال الإسرائيلية القوة ضد المصلين المسلمين في المسجد الأقصى، أطلقت حماس،خلالها، صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل، التي ردّت، بدورها، بقصف المباني السكنية، والمكتبية بغزة، ما نتج عنه 260 شهيدًا فلسطينيًّا، ومقتل 13 شخصًا في إسرائيل، ونزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم في غزة.
وملأت صور معاناة الفلسطينيين وسائل الإعلام، كدليل على استمرار عنف، وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الرغم من إدانة مسؤولين إماراتيين العنف الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين، في ذلك الوقت، فإن الإمارات لم تقطع العلاقات مع إسرائيل، أو تجمد خطوات التطبيع بين البلدين، وهو ما أعطى رسالة شديدة الوضوح، مفادها أن المواجهات الإسرائيلية – الفلسطينية لن تؤخر، أو تعرقل عملية التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي.
وفي يونيو من العام نفسه ، أصبح وزير الخارجية يائير لابيد أول وزير إسرائيلي يقوم بزيارة رسمية إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث حضر افتتاح السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي، والقنصلية الإسرائيلية في دبي، كما افتتحت الإمارات سفارتها في تل أبيب، بعدها، بفترة وجيزة.
وفي يوليو، وقع البلدان أولى اتفاقيات التعاون الزراعي بينهما، في الوقت، الذي ظلت فيه العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية متوترة، على الرغم من جهود مصر لتهدئة الموقف، من خلال محادثات غير مباشرة مع حماس، والحكومة الإسرائيلية.
باختصار، تحولت القضية الفلسطينية من صراع عربي – إسرائيلي الى مواجهات فلسطينية – إسرائيلية، ولم تسهم حركة التطبيع المطَّردة بأي قدر، ولا حتى خطوة واحدة فى طريق إيجاد حل سلمي، كما اعتادت قضية العرب الأولي.
نظرة للوراء
وبنظرة سريعة للوراء.. نجد أنه، لعقود من الزمان ، كان مصير فلسطين، هو القضية المركزية للسياسة العربية، ففي العام 1974، أعلنت جامعة الدول العربية أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فيما أرادت إسرائيل أن تحظى باعتراف، من خلال التطبيع مع دول المنطقة، وهو ما اعتبره العرب ورقة المساومة الأهم لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وكان التسلسل المنطقي المهم هو مخاطبة فلسطين أولاً، والوصول لتسوية، ثم النقاش حول الشراكتين الاقتصادية، والدبلوماسية مع إسرائيل.
وبدأت، بالفعل، مفاوضات محدودة متعددة الأطراف في تسعينيات القرن الماضي، مع اتفاقيتي مدريد، وأوسلو ، ولكن لم تتبلور الخطوط العريضة لصفقة أكثر شمولًا، حتى مبادرة السلام العربية في العام 2002، بقيادة المملكة العربية السعودية، التي دعمتها جامعة الدول العربية بأكملها، وكان جوهر هذه المبادرة هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، مقابل إقامة تطبيع عربي شامل مع إسرائيل.
وبينما دفعت الدول العربية باتجاه صفقة، لإيجاد حل عادل، وشامل للقضية الفلسطينية، سعت، أيضًا، لتحقيق مصالحها الوطنية، حتى لو أدى ذلك إلى تعارضها مع سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، أو المصالح الفلسطينية.
نقل السفارة
ثم جاء المسمار الأخير فى نعش القضية الفلسطينة فى مايو 2018 بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس. وبهذه الخطوة خرجت واشنطن إطار سياستها المتبعة لعشرات السنين باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتجاهل ترامب أن هناك قانون صدر عام 1995 يقضي بأن تنقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس تجاهله الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما على ووقعوا مراسيم لتأجيل التنفيذ.
وبالرغم من أثارت استياء العالم العربي والحلفاء الغربيين، ووصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن تلك الخطوة بأنها “صفعة على الوجه” إلا أن الجانب العربي لم يحرك ساكناً يذكر لرد تلك “الصفعة”.
وجدير بالذكر أن الساسة المؤيدون لإسرائيل في واشنطن ضغطوا منذ مدة طويلة لنقل السفارة إلى القدس، هذا بخلاف أن ترامب قطع على نفسه وعدا خلال حملة الدعاية الانتخابية في 2016 بتحقيق ذلك.
اتفاقات ابراهيم
وبحلول العام 2020 ، لم تجد البحرين، والمغرب، والسودان، والإمارات العربية المتحدة، حاجة لإيجاد غطاء سياسي لاتفاقياتها الخاصة مع إسرائيل، وفيما يتعلق بقضية فلسطين، لم تحصل على الكثير من إسرائيل، مقابل التطبيع، فلا تعهد بالتفاوض مع القادة الفلسطينيين، ولا التزام بحقوق الفلسطينيين، أو الاستقلال، ولا شيء بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.. كل ما حصلوا عليه، بالمقابل، هو وعد إسرائيلي بضبط النفس، بشكل مؤقت فقط، في خططها لضم المزيد من أراضي الضفة الغربية، بدعم من إدارة ترامب، وقتئذٍ.
والآن، وعلى الرغم من أن البحرين، والإمارات العربية المتحدة، قد عززتا علاقاتهما بإسرائيل، وخاصة فى مجالي التجارة، والتعليم، فإن القضية الإسرائيلية – الفلسطينية مازالت تراوح مكانها، إن لم تكن تتلاشى.
وإذا كان هناك أي أمل في أن يؤدي التطبيع إلى تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ، فإن أحداث أبريل، ومايو، من العام الحالي، قد أظهرت خلاف ذلك، ففي بداية شهر رمضان ، منعت الشرطة الإسرائيلية الفلسطينيين من التجمع عند باب العامود، في البلدة القديمة بالقدس، وطردت الفلسطينيين من منازلهم بالقوة في حي الشيخ جراح بالقدس، لمصلحة المستوطنين الإسرائيليين.
استمرار العنف الإسرائيلي
وفي محاولة من قوات الأمن الإسرائيلية لقمع الاحتجاجات الفلسطينية، دخل الضباط المسجد الأقصى، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية على المصلين الفلسطينيين.
ومع كل ذلك، فإن تلك الأحداث المتلاحقة أثبتت، أيضًا، أن القضية الفلسطينية لاتزال حية فى قلوب، وعقول أبنائها، ولا تزال تحتفظ بصدى عربي – دولي، إذ اندلعت احتجاجات لدعم الفلسطينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك في لبنان، والأردن، وفي أجزاء أخرى من العالم، وانتشرت صور القمع الإسرائيلي، والمقاومة الفلسطينية، على نطاق واسع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
إذن.. أصبح من الواضح أن اتفاقيات التطبيع، والقمم الاقتصادية، التي تعقدها القوي الإقليمية ليست طريقة فعالة لإسكات صوت القضية، الفلسطينية، وقد يكون اتفاقيات إبراهيم أمرًا واقعًا، مثلما هو وجود إسرائيل ذاته، ولكنه ليس ثابتًا، فإذا زاد نطاق، أو شدة، أو تواتر قمع الفلسطينيين، أو تصاعدت المواجهات بين الجيش الإسرائيلي، وحماس أكثر، فإن حملة التطبيع، وواقع الاحتلال، يمكن أن يتعارضا، ما يجعل الوضع الحالي، وشكل العلاقات، الآن، غير مستدام،ويمكن الترجع عنه، وخاصة أن هناك دولًا عربية مركزية، مثل السعودية، لاتزال رافضة للتطبيع، رغم ضغوط الحكومتين الإسرائيلية، والأمريكية.