أردوغان وأوغلو.. الطريق إلى الولاية الثالثة رغم كل أزمات الرئيس الإخواني
تحليل: مصطفي فريد ووكالات
ساعات قليلة، تنطلق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، والتي يترقبها العالم كله، لإسقاطاتها المختلفة، خاصة إن الكفة تميل بشكل ما للولاية الثالثة لأردوغان.
في جلسة لسائقي سيارات الأجرة في إسطنبول، لم يكتفوا من خطابه، لقد كان يسيطر على الحشد كقائد أوركسترا. هللوا وصفقوا ورددوا هتافات استهجان ضد المعارضة.
كان المكان الذي يطل على البحر في إسطنبول، مركزاً للمؤتمرات، تم بناؤه عندما كان أردوغان عمدة بلدية المدينة.
بلغ حماس الحشد ذروته عندما ردد الرئيس شعار الأمة التركية:”أمة واحدة، علم واحد، وطن واحد، دولة واحدة”.
بحلول ذلك الوقت، كان العديد من السائقين المسنين يقفون على أقدامهم، يلوحون بأيديهم ويرسلون التحايا.
عائشة أوزدوغان، امرأة محجبة ترتدي ملابس محافظة، أتت مبكراً مع زوجها الذي يعمل سائق سيارة الأجرة لسماع كل كلمة يلقيها قائدها.
استقرت على جانب إحدى الطاولات مستندة على عكازتها، تجد صعوبة في المشي لكنها لم تشأ الغياب عن هذا الحدث.
قالت بابتسامة عريضة: “أردوغان هو كل شيء بالنسبة لي، لم نتمكن من الوصول إلى المستشفيات من قبل، لكن الآن يمكننا التنقل بسهولة، لدينا وسائل نقل، لدينا كل شيء، لقد طور الطرق وبنى المساجد وزود البلاد بقطارات عالية السرعة وخطوط مترو أنفاق”.
استقطبت الرسالة القومية للرئيس الكثيرين ممن كانوا ضمن الحشد، بما في ذلك قادر كافل أوغلو، البالغ من العمر 58 عاماً، والذي يقود حافلة صغيرة منذ 40 عاماً، “بما أننا نحب وطننا وأمتنا، فسنسير بثبات خلف رئيسنا”.
وقال:”نحن معه في كل خطوة على الطريق، سواء ارتفع سعر البطاطس والبصل أم انخفض، رئيسي العزيز هو أملنا”.
عندما توجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في وقت سابق من هذا الشهر، لم يكونوا يصوتون بأموالهم، أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع، وبلغ معدل التضخم 43 في المئة، ومع ذلك، أردوغان – الذي يسيطر على الاقتصاد وأشياء أخرى كثيرة هنا – في المقدمة بنسبة 49.5 في المئة من الأصوات.
بلدٌ مقسّم
حصل منافسه كمال كيليجدار أوغلو، زعيم المعارضة العلمانية، على 44.9 في المئة من الأصوات. لذلك، انقسم الناخبون بينهما في هذا البلد المستقطب، الجانبان متعارضان بشدة ولكن كان هناك 4 في المئة فقط على الحياد.
حصل المرشح القومي المتطرف، سنان أوغان، على نسبة غير متوقعة بلغت 5.2 في المئة، ما دفع المنافسة إلى جولة ثانية
ومن المتوقع أن يفوز أردوغان على الرغم من أن الجولة الأولى قدمت درساً وهو: احذر من استطلاعات الرأي.
والسؤال هو: لماذا تمسك به معظم الناخبين؟ على الرغم من الأزمة الاقتصادية، واستجابة حكومته البطيئة للزلزال المزدوج الذي ترك البلاد في حالة كارثية في فبراير الماضي، وأدوت بحياة 50 ألف شخص على الأقل.
اتخذ زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو موقفا متشددا تجاه اللاجئين السوريين منذ هزيمته في الجولة الأولى.
يقول البروفيسور سولي أوزال، الذي يحاضر في العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس باسطنبول:”أعتقد أنه سياسي محنك لديه قدرة سحرية على التأثير بشكل رهيب”. “لديه أيضاً اللمسة العامة، لا يمكنك إنكار ذلك، إنه ينضح بالقوة. هذا شيء لا تجده عند كليجدار أوغلو”.
اعتاد كليجدار أوغلو، المدعوم من تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب، أن يبث الأمل، ويعد بالحرية والديمقراطية.
ولكن بعد خيبة أمله في الجولة الأولى، اتخذ منعطفاً حاداً نحو اليمين.
الآن لا يظهر جانب الأب الراعي في شخصيته سوى القليل منه وبدأ يميل بقوة إلى إظهار الكثير من جانب التشدد الوطني.
وبحسب صحفي تركي “إنه سباق نحو الحضيض”.
قال كليجدار أوغلو في تجمع انتخابي حديث:”أعلن هنا أنني سأعيد جميع اللاجئين إلى وطنهم بمجرد انتخابي رئيساً”.
ويشمل ذلك أكثر من ثلاثة ملايين سوري فروا من الحرب في بلادهم. إنها رسالة حسنة بالنسبة للأتراك.
بغض النظر عمن سيكون الرئيس القادم لتركيا، فإن القومية هي الفائز بالفعل هنا.
لقد انتخب الأتراك البرلمان الأكثر وطنية ومحافظة على الإطلاق، حيث احتفظ تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان بالسيطرة.
بالنسبة لبعض الناخبين الشباب، يبدو الأمر وكأن الصبغة الوطنية قد ألقيت هنا بالفعل.
اتخذ زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو موقفا متشددا تجاه اللاجئين السوريين منذ هزيمته في الجولة الأولى.
تجلس هنا زينب وصديقها مارت على أريكة حمراء تحت علم قوس قزح الذي يرمز للمثليين، ويحتسيان الشاي. تشعر زينب (21 عاماً) و (مارت 23 عاما) بالقلق من المستقبل.
يدرس كلاهما علم النفس في جامعة بوغازيتشي، وهي مقر تعليمي محترم له تاريخ من الاحتجاجات الطلابية المقموعة الآن.
بدأت صداقتهما في نادي للمثليين تابع للجامعة، والذي تم إغلاقه منذ ذلك الحين.
خلال الحملة الانتخابية، كان الرئيس يستهدف المجتمع. وقال في تجمع حاشد في مدينة إزمير: “لن يخرج أي مثليّ من هذه الأمة”. “لا نشوه هيكل عائلتنا، قفوا وفقة الرجال المستقيمين، هكذا هي عائلاتنا”.
يواجه المجتمع الآن خطراً متزايداً، حسبما يقول مارت، الذي يضع أقراطاً في أذنيه.
وقال:”في كل خطاب وفي كل حدث يحمله أردوغان، يصورنا على أننا أهداف محتملة، يوما بعد يوم، تجعل دولتنا منا عدواً لها”.
“ما تقوله الحكومة له تأثير على الناس، إذ ينعكس ذلك على أفعال أقرب الناس إليك وحتى عائلتك. إذا استمر هذا، فماذا بعد ذلك؟ ينتهي بنا المطاف دائماً في حالة استعداد، شعور دائم بالخوف والتوتر”.
لا تزال زينب – ذات العيون الداكنة التي تتحدث وتعبر عن رأيها مستخدمة يديها، تأمل في حقبة جديدة لكنها تعلم أنها قد لا تأتي.
وتقول:”عمري الآن 21 عاماً، وهم موجودون في السلطة منذ 20 عاماً”.
“أريد التغيير، وإن لم يحدث، سأكون حقاً خائفة وحزينة. سيهاجموننا أكثر، ويسلبوننا حقوقنا أكثر، وسيحظرون الكثير من الأشياء على ما أعتقد. لكننا سنبقى هنا وسنستمر في الكفاح”.
يوم الأحد القادم، سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في أول جولة إعادة رئاسية في تاريخهم مع دخول بلدهم نقطة تحول.
لقد مضى ما يقرب من 100 عام منذ أن أسس مصطفى كمال أتاتورك تركيا كجمهورية علمانية.
يعد رجب طيب أردوغان بـ “قرن تركي” جديد إذا أعيد انتخابه.
ويقول أنصاره إنه سيحقق المزيد من التنمية وتعزيز تركيا. ويقول منتقدوه إنه سيكون أقل علمانية وأكثر إسلامية، وسيكون المستقبل أكثر قتامة.