fbpx
مقالات

هشام النجار يكتب: مائة عام من التلاعب بالإسلام والأوطان

بقيت ست سنوات فقط لنطوي قرنًا مع جماعة الإخوان الإرهابية التي تأسست سنة 1928م، وبتأمل المسيرة النكدة يجدر أن نسأل: ماذا كان العالم سيخسر لو لم توجد، وماذا قدمت للإسلام؛ هل حررت أرضًا، وهل يوجد فقه معاصر أسهمت في طرحه؟
مناسبة تلك التساؤلات هي ما أوحت به مستجدات المشهد الإخواني المرتبطة بثلاثة من منظري الجماعة ذوي التأثير الواسع، وهم راشد الغنوشي وطارق رمضان ويوسف القرضاوي.

ثلاثتهم (الغنوشي ورمضان والقرضاوي) يجمعهم تغطية السعي لتحقيق أهداف التنظيم الدولي للإخوان وتمكين أفرعه من السلطة بتنظير مراوغ ماكر حرص على السطو على منتج دعاة الإصلاح والتجديد، ومداهنة الغرب بإدعاء اعتناق القيم الإنسانية المشتركة وزعم احترام الديمقراطية والتعددية.

بالتزامن مع إعلان وفاة القرضاوي الذي أثبتت فتاواه التدميرية حقيقة قناعات الجماعة التكفيرية الدموية بعيدًا عن الزيف الذي كانت تتجمل به أمام الغربيين، كان التحقيق قد بدأ مع الغنوشي في الوقوف خلف تسفير آلاف التونسيين للقتال بجانب الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، وفحوى الاتهام هو غسل الأموال وتمويل الإرهاب والإسهام في تدمير بلدين عربيين وقتل مئات الآلاف من الأبرياء وانتهاك المحرمات وتفجير بقايا حضارات وسبي نساء.

كل هذه الاتهامات التي ستثبت صحتها لا محالة في حق رجل ظل يعزف لسنوات طويلة ألحان الوسطية والتسامح والإسلام الديمقراطي على مسامع الغربيين، الذين طربوا وتسلطنوا من عزفه.
ثالثهم طارق رمضان حفيد مؤسس الجماعة حسن البنا وابن سعيد رمضان داهية الإخوان وصاحب العلاقات الوطيدة بالعديد من أجهزة المخابرات الأجنبية، ومن تآمر مع المخابرات البريطانية للتخلص من الزعيم جمال عبد الناصر فدبر لها ثلاثة عشر محاولة اغتيال.

أعلن قضاة التحقيق الفرنسيون مؤخرًا عن الوصول لدلائل قوية في تهم اغتصاب سيدات الموجهة لطارق رمضان الذي اشتهر في بلاد الغرب بوصف (مفكر إسلامي وسطي معتدل)، ما يمهد الطريق لمحاكمة له ستعقد مطلع العام 2023م.

نفى القرضاوي عن نفسه قبل موته وينفي عنه أتباعه تهم التسبب في تخريب عدد من البلاد العربية وقتل وتشريد الملايين، وحاول طارق رمضان التنصل من جرائمه الشاذة بادعاء أنه يتعرض لمؤامرة سياسية، ويحاول الغنوشي الخروج من مأزقه بأساليبه الماكرة، في مشهد يلخص تاريخ الجماعة التي دأبت على نفاق الغرب وعلى تعبئة المواطن العربي ضد وطنه وأهله.

وفي حين يتشدق دعاة جماعة الإخوان ومنظريها بالعفة وطهارة النفوس والنفع العام تتكشف الحقائق لاحقًا عن فاسدين ومتحرشين ومتآمرين وخونة وعبيد دولارات، مقصدهم تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا والانحراف بالموعظة إلى إجبار.

وإن لم تتحقق أهدافهم بالابتزاز والألعاب السياسية القذرة أُعطت الإشارات بالاغتيالات والعنف، ثم حين تنكشف الخبايا ويضيق الخناق ويحين العقاب يحاولون التبرؤ والتنصل على طريقة كبيرهم حسن البنا حين قال عن شباب تنظيمه الخاص الذي شكله بنفسه: ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين.

هذا هو مختصر مسيرة الإخوان على مدار قرن تقريبًا؛ إدعاء زائف بالورع ونكران جميل للأوطان وارتهان مخز ملوث بالمال الحرام لأجهزة خارجية، والتشدق كذبًا بقيم والإتيان بنقيضها، ومع كل المآسي والمحاكمات والسجون والتشتت يظل قادة الجماعة متمسكين بأحلامهم المستحلية، ساعين لتحقيقها تبعًا للظروف؛ فإذا كانت البيئة مُمَهدة نشطوا وبطشوا، وإذا انهزموا وانكسرت شوكتهم كَمُنوا وتواروا.

تعليقًا على قضية طارق رمضان، تساءل الكاتب الفرنسي إيان هامل بمجلة لو بوان عن سر تشدق بعض رموز الإخوان بالفضيلة، بينما يعيشون حياة أخرى لا تتقيد بضوابط أخلاقية وبعيدة عن شعاراتهم ونصائحهم للمسلمين.

يبدو أن هامل لم يحصل على فرصة معرفة كاملة بالجماعة؛ لأن هذه هي طريقة تصرف قادة الجماعة منذ نشأتها إلى اليوم؛ فإذا كان طارق رمضان مؤلف كتاب “إصلاح راديكالي: الأخلاق الإسلامية والتحرير” دأب على إعطاء دروس في الأخلاق في حين يعيش حياة خاصة منحلة، فالقرضاوي الذي يزعمون أنه رائد الوسطية عاش لسنوات مرجعًا للتكفير والإرهاب، فيما الغنوشي الذي أوهم الغرب بأنه مناضل من أجل الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وذرف الدمع على الأوطان في منفاه أثناء ثورة 2011م، تلاشى كل ذلك بعد هيمنته على السلطة؛ حيث دشن في تونس الخضراء واحدة من أكثر تجارب الإخوان فسادًا واستبدادًا، وبدلًا من حماية شعبه عمل كمقاول أنفار ناشرًا الدمار في البلاد العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى