fbpx
مقالات

حياة يحيى تكتب: هل أصبحنا مجتمع محتشم الأفكار ومتعري السلوك

 

حياة يحيى
حياة يحيى

كلما نظرت لحال مجتمعنا المصري وتسائلت ماذا حدث له، يقفز إلىٰ ذهني ذلك السؤال ماذا يريد منا الله وماذا يريد منا الشيطان؟

الله يريد منا أن نعبده هكذا ببساطة وبسهولة وبحب ولين، يريد لنا أن نحيا بكرامة وسعادة يريد لنا الفرح وفي كل أوامره لنا فرح ونشر للسرور، فجعل من تبسمنا لبعضنا البعض صدقة و رزقنا بالأعياد لنلهو ونفرح، وبشرنا بالنعيم والمغفرة وفتح لنا آلاف أبواب التوبة ليتوب علينا لا ليعذبنا ويغفر لنا ويدخلنا جناته، يريدنا الله من عباده الأقوياء العاقلين المتفكرين الساعين المجتهدين، يريدنا الله أن نحبه وسهل لنا العبادة ورزقنا بالرُخص فيها وبالإعفاء منها في حالة العجز عن القيام بها لأنه رب رحيم لطيف خبير بعباده الذين فطرهم على فطرة الإيمان به فجند لنا رسله ليعلمونا طرق الوصول إليه، بينما وعدنا الشيطان الفقر والخوف والحزن والتطير والتشاؤم، يريد لنا الشيطان البعد عن الله فجند رسله ليصعبوا علينا الوصول إلىٰ الله وإغلاق كل طريق يؤدي للوصول إلى الله، وفتحوا كل أبواب جهنم، نكسوا فطرة الناس المؤمنة المحبة للجمال وحولوها لأرواح ميتة تخاف الإبتهاج، تشعر بالذنب كلما فرحت أو غنت أو إستمتعت بفن، فكيف وصلنا لهذا الحال.

سنوات طويلة وأنا أشاهد المجتمع المصري وهو يتحول من مجتمع متمسك بروح الدين لمجتمع متمسك بمظهر الدين مفتقد لروحه، من مجتمع متحرر في ملابسه وأفكاره، محتشم في سلوكه وأخلاقياته ومفرداته، لمجتمع يبالغ في حشمة ملبسه و إنغلاق أفكاره، بينما يمارس التعري سلوكياً، ومفرداته أبعد ماتكون عن الحشمة، والأسباب وراء ذلك كثيرة تمت عن سبق إصرار وبشكل ممنهج لتفريغ هذا المجتمع من طبيعته وهويته، بإختراق المؤسسات الدينية والإعلامية لتغذي العقول بما يتماشى مع أجندات متشددة لجماعات متطرفة دينياً ويفتح لها البيوت، و المساجد بتوجيه صوت الفكر الواحد، ورفع سوط التكفير والتهديد بالآخرة لكل من تسول له نفسه مناقشتهم أو مخالفتهم أو إعمال فكره.

أغلقوا باب التساؤل والنقد، فحرّموا لحومهم على الناس بحجة أن لحوم العلماء مسمومة، وكأن من دونهم لحمهم مباح حلال، أشاعوا أن للمجتهد أجر وإن أخطأ، وللمجتهد أجران إن اصاب، ومقولة ضعها برقبة عالم وأخرج منها سالم، أحتكروا لأنفسهم حق إعمال العقل والتفكير، بينما نزعوا عن المسلمين حق المسؤلية عن اختياراتهم وإيمانهم، الحق الذي منحه الله لكافة عباده، ونسوا اننا سنقف أمام الله فرادىٰ، سنقف أمام إله منحنا الحرية الكاملة، وأمرنا بالتفكر وإعمال العقل والتدبر، صدروا لنا وجه قبيح من فكرهم الخاص على أنه هو الدين، فأشاعوا فتاوى عن إرضاع الكبير والتداوي ببول الإبل وقتل المرتد وضرب المرأة، وأغلقوا باب تعدد الآراء وتحديثها والإجتهاد طبقاً لمستجدات العلم والزمن.

فتحوا أبواب محاكم التفتيش عن الدين والنوايا، ويستحضرني هنا كلمات الراحل الدكتور فرج فودة في إحدى مقالاته ( سواء إتفقنا أو إختلفنا معه): إن الصحوة الإسلامية لا تتحقق بضربة خنجر هنا أو ارتفاع جنزير هناك، ولن تتحقق أبدًا بالانعزال داخل سجن التراث والبحث عن أكثر ما فيه تجمدًا أو تطرفًا أو عفًا، وإنما تتحقق إن كنا جادين حقًا في الانفتاح على العالم، ومعرفة رأي الآخرين في عقائدنا ومراجعة ما استندوا إليه، وتوضيح الحقائق وكشف الشبهات، وتفسير أسباب الخلاف والرد على الأخطاء في النقل أو الاستدلال.

من خلال هذا وحده تصفو الأذهان، ويعود الاجتهاد إلى موقعه الصحيح، ولنا أسوة فيما حدث في العصر العباسي الأول، من خلفاء على رأسهم المأمون، شجعوا الترجمات وانفتحوا على العالم، فتفتح الفكر الديني وانتعش الاجتهاد، وظهر أئمة الدين الذين نتعلم منهم إلى اليوم.

ليس منطقيًا أن نردد صباح مساء أن الإسلام دين عالمي ثم ننغلق على ذواتنا ونتجاهل ما يكتبه العالم عنا، ونهمل جهودًا يمكن أن تثرى الفكر الإسلامي، سواءً بالتأييد أو المخالفة، ولو لم نفعل لظن الآخرون أن الديانة الإسلامية اختصت أبناء عدنان وقحطان بالرسالة دونًا عن العالمين، دليلهم على ذلك انعزال علماء الإسلام بفكرهم وجهدهم داخل هذه الدائرة الضيقة.

أرصدوا الميزانيات أو أجمعوا التبرعات للترجمة إلى العربية ومن العربية، واستوثقوا من أمانة المترجمين وانشروا ذلك علينا وعليهم أثابكم الله..

لا تتغنوا بالصحوة وإنما وثقوها بالعلم، ولا تكتفوا باللعنات، وإنما تجاوزوا ذلك إلى رد الشبهات، ولا تنطلقوا من سوء الظن، وإنما قدروا الجهد وردوا على أخطاء المجتهدين..

فهل نحن بحاجة لتجديد الخطاب الديني أم أننا نحتاج أولاً إلى تجديد فكري يقوم على الإنفتاح على قراءات العالم والعلوم المختلفة والقراءة التاريخية الصحيحة لكثير من الأحاديث والفقه وإستبعاد المنكر منها،
إن أردنا فعلينا الوقوف أمام مرآة ضمائرنا وفتح عقولنا لإستقبال كل الأراء حتى مانرفضه، لا لنتقبلها لكن لنناقشها ونفكر ونطرح التساؤلات، لذلك قررت أن اكون حجراً ضمن كثير من الأحجار التى تُلقى في بركة الفكر الراكدة التي تغطت بالفطريات والطحالب السامة، ولوثها التشدد والتعصب للآراء وتقديس الأشخاص، قررت تكسير تلك الأصنام، يكفينا خوفاً من مواجهة الحقائق وخوفاً من ردة فعل المجتمع والخوف من كثير من رجال الدين الذين تخلوا عن مسؤولياتهم وضلوا الطريق،
نحن بحاجة لنماذج شابة فكرياً تجمع مابين القدرة علي مخاطبة عقول الجماهير والتخصص العلمي والفكر المنفتح المثقف المستنير.

ولسنا هنا بصدد دعوة لأن يخلع عالم الدين عبائته الأزهرية، لكننا نرجوا أن تخلع عباءة الأزهر عنها كل من يسيئ لها، من أصحاب التشدد والجمود، وأن نفتح باب التساؤلات على مصراعيه، فلايمكننا أن نجدد الخطاب بفكر رث مهلهل فقد بريقه وإنفض عنه جمهوره،
فاللسان هو ترجمة الفكر وتبيان مايدور بالعقل، نريد فهماً لاحفظاً، كفانا حفظة للأحاديث والقرآن، نريد فهماً متعمقا، ينتج مجتمعاً مؤمناً قوياً كما يحبه الله مسؤول عن أفكاره ودينه وإختياره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى