fbpx
معرفة

المحافظ غير محافظ

كتب: محمد ماهر

لندن 450 جنيه إسترليني أقصى عدد لفريق التصوير.

نيويورك 300 دولار، والطلاب لا تدفع.

برلين 50 يورو لليوم، و300 يورو لمدة عام.

دبي 2500 درهم لمدة 30 يوم.

هذه الأسعار هي أسعار التصوير في شوارع تلك المدن، عندما تنظر إليها وتقارنها بتلك الأسعار التي خرج علينا بها محافظ القاهرة منذ أيام، وهي تحديد (100000)، نعم مئة ألف جنيه يوميًا للتصوير في شوارع القاهرة، يتبادر إلى ذهنك، السؤال؛ لماذا؟ أيعقل ذلك؟!

ولأقتحم المسألة لك سيادة القارئ مباشرة وبسهولة، فإن المحافظ إما أنه “راجل بركة”، يعني هذه القرارات تأتي إليه ليطبع عليها توقيعه والختم، ودمتم، أو أنه ليس كذلك لكنه أصدر قرارًا لم يدرسه أبدًا ومطلقا.

أريد أن أسأل سؤالًا آخر، أين ستذهب أو أين تذهب مثل تلك الأموال!؟ هل الصناديق الخاصة التابعة للمحافظة هي مخزن تلك الأموال؟! والكل يعلم أن أموال تلك الصناديق تصب في حسابات بضع أشخاص ذوي مناصب عليا في كل محافظة، والقليل جدا منها يذهب للموظفين من باب “اخزي العين”، هنا لابد أن أسأل سؤالًا غير بريء، هل كان القرار – سواء من المحافظ، أو ممن يملكون زمام الأمور في المحافظة– هل كان مقصودًا لتسمين هذه الصناديق، وتلك الحسابات؟!

أليس هذا المحافظ هو من سأله سيادة الرئيس، أتعرف كم ميزانية محافظتك؟ ولم  يجد لديه جوابا

 إذًا أعتقد أن المحافظ “راجل بركة”.  وأنه غير محافظ.

بعيدًا عن ذلك، لكن في السياق نفسه هل تعلم عزيزي القارئ أن

الأفلام التي تجري أحداثها في مصر، أو عنها يجري تصويرها في المغرب؟!

كانت مصر ذات يوم في طليعة صناعة السينما، ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن على الصعيد الدولي، مع ظهور أفلام صامتة تعود إلى عام 1896، على الرغم من أن بعض النقاد يشككون في أن أول فيلم سينمائي قد ظهر لأول مرة في عام 1907. وكانت مصر في ذلك الوقت مؤثرة لدرجة أن أول عرض لهوليوود على الإطلاق، “روبن هود” من بطولة دوجلاس فيربانكس، افتتح في مسرح هوليوود المصري الشهير. ومع إدخال الصوت في السينما، استمرت مصر في التطور مع صناعة السينما من خلال تمويل طلعت حرب لإنشاء أستوديو مصر في عام 1936، والذي كان في ذلك الوقت يوازي مستوى أي من أستوديوهات هوليوود الكبرى. ربما كان إنشاء هذه الصناعة في مصر هو الذي جذب سيسيل بي ديميل Cecil B. Demille للقيام بعمله الملحمي الوصايا العشر The Ten Commandments..

وفقًا لـ Transforming the Screen، فإن قرار ديميل بالتصوير في مصر كان قائمًا على حقيقة أن العمالة، والمواد كانت رخيصة، وأنه من الأفضل تصوير الرواية الملحمية حيث نشأت القصة وتوفير تصوير واسع النطاق في مصر من شأنه أن يخلق مشهدًا بصريًا لوجهة يحلم الكثيرون حول العالم بزيارتها. ومع ذلك جرى تصوير الفيلم بعد الإطاحة بالملك فاروق. وإدراكًا منه لأهمية تصوير هذا المشروع في مصر، تواصل اللواء “نجيب” مع ديميل لتبديد أي مخاوف من التصوير في مصر، وهو القرار الذي أيده أيضًا “جمال عبد الناصر” بعد ذلك بوقت قصير قرر الرئيس “ناصر” تأميم صناعة السينما، والتي يراها بعضهم  اللحظة التي بدأت فيها الصناعة في الانحدار، مما خلق كابوسًا بيروقراطيًا في أي وقت يطلب فيه الأستوديو الإذن بالتصوير في الموقع.

 إن  كل مرة يتم فيها تصوير  فيلم المفترض أن أحداثه تجري  في مصر، وبرغم ذلك  لا يتم تصويره في مصر، هو بمثابة فرصة ضائعة لخلق فرص العمل، والحصول على الموارد من العملة الصعبة التي تحتاجها البلاد.

فمنذ عام 2015، يتطلب إجراء الحصول على إذن التصوير تقدًم صانعو الأفلام إلى غرفة صناعة السينما،ونقابة السينما بأسماء الطاقم، ثم تقوم نقابة المهن السينمائية بعد ذلك بإبلاغ المديرية العامة للرقابة على المصنفات الفنية (GDCAW) أنها وافقت على طاقم العمل. تتطلب الخطوة التالية من كاتب السيناريو التوقيع على النص إلى المنتج في مكتب توثيق الشهر العقاري، والذي يرسل بعد ذلك النص إلى المديرية العامة للرقابة على المصنفات الفنية (GDCAW). بمجرد الحصول على موافقة المديرية، يتم إبلاغ قطاع العلاقات العامة بوزارة الداخلية ما إذا تطلبت تصاريح التصوير الخارجية. للحصول على تصريح لمدة 20 يومًا، يجب إرسال جميع المستندات إلى وزارة الداخلية، ودفع رسوم التصريح. إذا كان أحد المواقع المقترحة للتصوير يقع تحت سيطرة الدولة، فيجب إذن الحصول على تصريح آخر من الوزارة المسؤولة عن الموقع. وبمجرد إنتاج الفيلم، يجب إرساله إلى GDCAW من أجل الحصول على تصريح عرض.

 كلما احتاجت أستوديوهات هوليوود إلى التصوير في صحراء أو بلد عربي، صار المغرب هو الموقع الافتراضي للتصوير مع زيادة ملحوظة في الإنتاج، الذي يحدث منذ أواخر التسعينيات. مثل فيلم المومياء من بطولة بريندان فريزر – تقرر أنه سيكون من الأسهل، والأرخص التصوير في المغرب، وإنشاء مجموعات، واستخدام الصور التي ينشؤها الكمبيوتر CGI لجعلها تبدو مثل مصر.

قد يبدو هذا كأنه كابوس بيروقراطي للأستوديوهات الدولية!لكن في الواقع العملية أكثر تعقيدًا بالنسبة لصانعي الأفلام المصريين الذين يحتاجون أيضًا إلى الالتزام باللوائح التي لا تعد ولا تحصى، والتي وضعتها نقابة المهن السينمائية. حتى لو تمكن الأستوديو الدولي من الحصول على جميع التصاريح، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيتم عرض الفيلم في مصر. مثلما في حالة فيلم “الخروج” لرايدلي سكوت، قررت GDCAW حظر الفيلم لكونه غير دقيق تاريخيًا.

تقول باتريشيا كار المنتجة المشاركة في Mummy لموقع Filmscouts.com: “كان علينا القيام بقدر كبير من العمل في فترة زمنية صغيرة نسبيًا”. وتشرح قائلة: “ولكن بعد الاجتماع مع المسؤولين المحليين في المدينة، تمكنا من الحصول على تغطية طبية، بالإضافة إلى ترتيب جميع خدمات تقديم الطعام، والمواصلات؛ مما يتيح لنا استكمال كل شيء في وقت قياسي”. كان الفيلم ناجحًا للغاية لدرجة أنه تحول إلى ثلاثية، ولم يتم تصوير أي منها في مصر، ويزداد هذا الاتجاه سوءًا، حيث يتم الآن إعداد البرامج التلفزيونية لسرد القصص الشيقة التي حدثت خلال تاريخ مصر الحديث. في المسلسل التلفزيوني الشهير الجديد The Night Manager بطولة هيو لوري، يبدأ العرض، وينتهي في أحد الفنادق المصرية خلال الربيع العربي. يوجد في مصر الكثير من الفنادق المذهلة، ولكن بدلاً من عرضها، تم تصوير المسلسل في فندق مغربي مع مشاهد من الانتفاضة المصرية.

 بعض أسباب جاذبية المغرب للأستوديوهات هو إدراك البلد للطلب، وتبسيط عملية الموافقة، واستقرار الأمن، وتطوير البنية التحتية لدعم تصوير مشاريع متعددة في عام واحد. وتعد مدينة “ورزازات” من قبل المطلعين على السينما هوليوود المغربية برغم انها مدينة مقفرة إلا أنها صارت الوجهة المفضلة للأستوديوهات الرئيسة لتصوير أي فيلم تجري أحداثه في العالم العربي لأن “ورزازات” بها مقر لأستوديوهات سينمائية مثل: CLA Studios Morocco و Atlas Corporation Studios (أكبر أستوديو أفلام في العالم). سواء كنت تصنع فيلمًا عن حرب العراق، أو مصر القديمة، أو أي شيء، توفر هذه الأستوديوهات مشاريع بها جميع الموارد، والمعدات، والممثلين العرب اللازمين لفيلم تجري أحداثه في مثل تلك الأجواء. يُرتب كل شيء من أماكن الإقامة إلى وسائل النقل؛ مما يجعل عملية التصوير أيسر لوجستيًا من التصوير في صحراء عشوائية، ومحاولة معرفة كيفية الحصول على الممثلين، والمعدات هناك.

تتمثل إحدى طرق حل هذه المشكلة المزعجة بشكل متزايد في أن تحذو مصر حذو المغرب، والبدء في إزالة القيود التي وضعتها النقابة، ومجلس الرقابة. كما هو الحال، تتحدث مصر كل يوم عن مشاريع عملاقة مثل بناء عاصمة جديدة ومدينة طبية، وهي أفكار، وأفعال ممتازة. ومع ذلك فإن إنشاء أستوديوهات أفلام دولية تلبي احتياجات تصوير عدد لا يحصى من الملاحم المصرية التي يتم إنتاجها كل عام سيوفر الكثير من الوظائف المحلية، وتدفق العملة الصعبة، ويقلل من ظاهرة الاستعانة بالممثلين ذوي الملامح التي لا تبدو عربية لاستخدامها في الأحداث التي تدور أحداثها في العالم العربي، ويعيد الشغف للسائحين حول العالم بهذه الحضارة ذات الأهمية التاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى