نظرة على العلاقات الإسرائيلية الإفريقية
كتبت: د.نيفين أبو حمده
مع توطيد العلاقات الإسرائيلية الإفريقية المتزايد في الفترات الأخيرة ، أصبحت هناك حاجة مُلحة لفهم طبيعتها- خاصة الجانب الأمني منها- لكي نفهم لماذا لايتناوله البحث الأكاديمي الإسرائيلي ( في حدود علمي ) بالشكل الملائم لأهميته، ولماذا بالكاد نرى أخباره في وسائل الإعلام ، ولماذا يُعتبر ذلك اتجاهًا عامًا واضحًا وقديمًا، فيما يتعلق بالجوانب الأمنية لتلك للعلاقات.
واقع العلاقات اليوم وطبيعتها
تقيم إسرائيل حاليًا علاقات دبلوماسية مع 41 دولة إفريقية، ويوجد في 11 منها سفارات لإسرائيل وهي: (إثيوبيا، إريتريا، كينيا، جنوب إفريقيا، أنجولا، رواندا السنغال، ساحل العاج، غانا، نيجيريا والكاميرون) ومؤخرا تطبيع وتوسيع العلاقات مع والمغرب، السودان وجزر القمر على الطريق .
توطدت علاقات إسرائيل بأفريقيا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، من خلال تقديم المساعدات لبعض الدول في بداية طريقها بعد الاستقلال،وإقامة علاقات مع دول غير عربية، لها انتماءات غربية أو مسيحية مثل غانا وإثيوبيا والمسيحيين في جنوب السودان.
قدمت إسرائيل المساعدة في مجالات الزراعة والتعليم والطب والأمن للدول الإفريقية ، وكان “دافيد بن جوريون” و”جولدا مائير” وغيرهم يرون أن هذه المساعدات تمثل ركيزة أساسية لسياسة إسرائيل الخارجية وتساهم في دعم مصالحها الأمنية.
تدهورت العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية بعد حرب (1967)، وصلت العلاقات إلى أسوأ حالتها بعد حرب (1973) إلى حد قطع العلاقات مع إسرائيل، في التسعينيات تحسنت العلاقات بعد اتفاقيات أوسلو، لتشهد تحسنًا آخر ردًا على أنشطة تعزيز الروابط في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك جنوب الصحراء، التي قام بها وزير خارجية إسرائيل” أفيجدور ليبرمان” عام 2009 على خلفية التحديات الأمنية المشتركة، وتصاعد ظاهرة الإرهاب الدولي.
البُعد الأمني للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية
انعكس البعد الأمني كذلك فى إصرار الجانب الإسرائيلى على إقامة علاقات مع إثيوبيا، حيث تعتبر إسرائيل من أهم موردي الأسلحة لها وقد دعمتها أيضًا خلال حربها مع إريتريا وكينيا التي تواجه تحديات الإرهاب في شرق إفريقيا، وقد ساهم ذلك في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، ومع نيجيريا، كونها دولة كبيرة وغنية بالمعادن ولاعبًا رئيسيًا في إفريقيا ودعم وزارة الدفاع الإسرائيلية لإقامة علاقات أمنية معها، وبدأت منذ عام 1961 في اختراق سوق السلاح النيجيري، حتى أصبحت الخبرة الأمنية الإسرائيلية لايمكن الاستغناء عنها حاليًا بالنسبة لنيجيريا، التي تواجه تهديدات إرهابية متنامية في غرب إفريقيا، كما تنعكس في التعاون مع الجيش النيجيري، الذي سبق أن دربه مستشارون عسكريون إسرائيليون وصُنعت معداته الأساسية في إسرائيل.
تهتم كل من غانا وساحل العاج ورواندا وكينيا بقدرات المعرفة والاستخبارات الإسرائيلية ، وتم تجديد العلاقات مع أوغندا في عام 1994 وتحسنت تدريجياً منذ ذلك الحين ، منذ الموافقة على نقل طالبي اللجوء من السودان وإريتريا الذين يعيشون في إسرائيل إلى أراضيها قبل عودتهم إلى بلدانهم الأصلية مقابل إسرائيليين.
يتركز تعميق التعاون بين إسرائيل وأوغندا فى تقديم المساعدة في تجديد طائرات سلاح الجو الأوغندي داخل إسرائيل، إلى جانب مجالات الطب والزراعة وغير ذلك، وأما إريتريا فقد تم تأسيس العلاقات بينها وبين إسرائيل عام 2013 وتوطدت بشكل تدريجي خاصة بعد انقاذ حياة الرئيس الإريتري “أفورقي” بعلاجه في إسرائيل.
و رغم العلاقات المعقدة مع إريتريا على خلفية دعم إسرائيل التاريخي لإثيوبيا في قمع الثورة الإريترية، تعتبر إسرائيل أن إريتريا فرصة لتحقيق مكتسبات اقتصادية تنبع من موقعها شرق السودان ، وساحل البحر الأحمر، وقربها من باب المندب ، وطرق الشحن إلى إيلات ، اليمن والمملكة العربية السعودية، حيث قامت إسرائيل بتشغيل سفن إرساء ومحطة استخبارات في إريتريا بحجة محاولة إحباط تهريب الأسلحة من إيران إلى حماس وحزب الله .
في عام 2011، أقيمت علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وجنوب السودان، رغم ان العلاقات بينهما قائمة منذ أواخر الستينيات، قال السفير الإسرائيلي السابق في جنوب السودان ” حاييم كورين” : أن موقف السودانيين تجاهه إسرائيل حدوده الحب، وأن جنوب السودان هو أحد المؤيدين الدائمين لإسرائيل في المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وأنهم كمسيحيين يدركون أن أرض إسرائيل هي مهد المسيحية.
جهود دبلوماسية وأمن مفقود
منذ عام 1948 (إعلان قيام إسرائيل) ، يتنافس العنصران الدبلوماسي والأمني على المركزية بين مُركِبات الأمن القومي الإسرائيلي؛ بينما يُنظر إلى الأمن على أنه عنصر وجودي ، لم يُنظر إلى الدبلوماسية إلا كعامل مساعد على الوجود، وما ظهر من توغل أو توسع إسرائيلي في إفريقيا وغيرها ما هو إلا تعزيز للبعد الأمني بالدرجة الأولى، وبما يتوافق مع التوجه التاريخي لنشأة إسرائيل المرتبط بتعزيز أذرع نُظمها الدفاعية بشكل عام.
ووضح ذلك الدبلوماسي والسياسي “ألون ليل” المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد والتخطيط الإسرائيلية بقوله: ” أنه على الرغم من الاجتماعات الدورية السياسية، الاقتصادية والتطورات الدبلوماسية في العقود الأخيرة بهدف تجديد، توسع وتعزيز العلاقات الدبلوماسية من جنوب الصحراء الكبرى إلى وسط، غرب وشرق أفريقيا، منذ منتصف التسعينيات (بعد اتفاقيات أوسلو1993)، والزخم الواضح في العلاقات منذ عام 2009 فصاعدًا، في أعقاب مبادرة وزير الخارجية حينها “أفيجدور ليبرمان” نحو علاقات دبلوماسية إفريقية، حين زار كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا ونيجيريا وغانا سبتمبر 2009، ثم زيارته إثيوبيا وكينيا ورواندا وساحل العاج وغانا مرة أخرى عام 2014، وزيارته عام 2018 كل من رواندا وزامبيا وتنزانيا كوزير للدفاع الإسرائيلي، ثم زيارة رئيس الوزراء السابق “نتنياهو” فى 2016 إلى إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا، ومشاركته عام 2017 في مؤتمر “الإيكواس ECOWAS” ، وزيارته لكينيا في نوفمبر من نفس العام، واجتماعاته الدورية مع كبار المسؤولين التشاديين والسودانييين فى يناير 2019، وفبراير ثم سبتمبر 2020، وغير ذلك إلا أن هذه المساع وغيرها فشلت فى إبراز العلاقات الخارجية كعنصر “فائق الأهمية” بالنسبة للأمن القومى الإسرائيلي.
لماذا تتعمد إسرائيل إخفاء تحركاتها في إفريقيا
تتكون الصادرات الإسرائيلية بشكل رئيسي من أسلحة صغيرة غير أولية، ويعتبر حجم الصادرات الدفاعية الإسرائيلية إلى الدول الأفريقية محدود بالمقارنة بالمناطق الأخرى في العالم، ليس إحجامًا من مصنعي وموردى الأسلحة الإسرائيليين عن التوسع التجاري في إفريقيا، ولكن بسبب الميزانيات الضئيلة للدول الأفريقية.
وكشف مسح الأسلحة الصغيرة لعام 2019Small Arms Survey) – مشروع بحثي تابع لمعهد للدراسات الدولية والتنموية العالمي في جنيف)، في تقريره السنوي أن إسرائيل هي الدولة الأقل شفافية من حيث علاقاتها الأمنية ( إلى جانب كوريا الشمالية وإيران والمملكة العربية السعودية).
فيما يتعلق بأفريقيا، تميل السياسة المركزية الإسرائيلية إلى تقليص النقاشات العلنية بشأن القضايا الأمنية وصناعة القرار بأكبر قدر ممكن، خاصة وأن صفقات الأسلحة الصغيرة وأنظمة المدفعية والهاون وأنظمة المراقبة والخدمات الأمنية تهيمن على العلاقات بين إسرائيل ودول القارة الإفريقية .
من ناحية أخرى، تُعتبر صفقات الأسلحة الصغيرة من الحقول التجارية المنتقدة من البعض في إسرائيل نتيجة أسعارها الرخيصة ، وارتفاع تكاليف توزيعها وتشغيلها ، إضافة إلى استخدامها من قبل القوات النظامية للجيوش الوطنية والتنظيمات المتمردة المسؤولون (غالبًا ) عن انتهاكات حقوق الإنسان وسقوط عدد من القتلى والجرحى خلال النزاعات العنيفة المنتشرة هناك وحالة عدم الاستقرار في بعض من جوانب القارة الإفريقية؛ ما يُعرض إسرائيل للانتقاد على المستويين الداخلى والخارجى .
ما هي دوافع إسرائيل والدول الأفريقية في توثيق العلاقات؟
تكمن مصالح الدول الأفريقية في تعزيز العلاقات الأمنية مع إسرائيل، لتأمين جانبها من التدخلات الإرهابية العالمية إلى جانب التعاون الاقتصادي والتكنولوجيا و الاتصالات والصحة والزراعة والبنية التحتية والدفاع والأمن والاستخبارات، كما يُنظر للعلاقات مع إسرائيل باعتبارها وسيلة لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتبر إسرائيل أن تعزيز العلاقات مع دول القارة الأفريقية ضرورة لدعم المصالح الإستراتيجية والاقتصادية (الصادرات العامة والدفاعية وصفقات الأسلحة)، والسياسية كالحصول على أغلبية داعمة فى مؤسسات الأمم المتحدة.
تنبع أهمية القرن الأفريقي من قربه الجغرافي من شواطئ البحر الأحمر، لذا كان توطيد العلاقات مع إثيوبيا وجيرانها هو الوجهة الأكثر أهمية لإسرائيل في إفريقيا، لتأمين حدودها ( حدود إسرائيل لم يتم ترسيمها ولم يتم اقرارها قانونًا بعد، وإنما هي حدود مزعومة بموجب تاريخ وإرث ديني مزعوم ) والطرق المؤدية إلى البحر الأحمر التي تتم من خلالها التجارة مع آسيا، وتأمين طرق الشحن إلى الشرق الأقصى وجنوب إفريقيا عن طريق تعزيز العلاقات مع إثيوبيا وكينيا.
كما تحاول إسرائيل تقليص نفوذ إيران ، التي تسعى إلى تعزيز قبضتها على السودان من خلال مجموعة متنوعة من القنوات كالاستثمار الاقتصادي والمساعدات العسكرية والتأثير الثقافي الفكرى وهو وما يظهر في كلمات “ليبرمان” نهاية عام 2018:
“إذا لم نعمق التعاون، فسوف نفوت فرصة عظيمة فى بلد لدينا معه تحالفات، نحن ندفع إيران إلى الخارج ونعزلها”.