في فيلم ريش فكرة جيدة كانت تحتاج لمعالجة بنفس المستوى
كتب: محمد أبو شادي
بمشهد صادم يبدأ عمر الزهيرى فيلمه – ريش – مواطن يضرم النار فى نفسه فى أجواء غريبة , شاشة مظلمة تماما , وصوت رجل يبكى ثم صوت إشعال ثقاب كبريت , ثم هبةَ نار شديدة أشبه بالأنفجار , وتضئ الشاشة على هذا الرجل الذى يتلوى ويصرخ من شدة النيران , المكان أشبه بمصنع مهجور , ومع نسمات نور الفجر يبدو الرجل كتلة متفحمة من بعيد ويسود الصمت والسكون فى المكان وتبدأ التترات .
من يلجأ لهذا الفعل هو أنسان وصل لمرحلة اليأس أو العجز فلم يعد أمامه سوى هذا , يذكرنا المشهد بمحمد البوعزيزى أيقونة ثورة تونس الذى أشعل النار فى نفسه أمام مقر ولاية سيدى بوزيد فى 17 ديسمبر 2010 أحتجاجا على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفاكهة , وقيام شرطية بصفعه بالقلم على وجهه أمام الناس جميعا .
العجز والفشل
ولكننا فى ريش لانعرف شيئا عن هذا الرجل المحترق وليس هناك أجابة عن أى شئ تخصه , ولكنه جاء كرمز لحالة العجز والفشل التى تتوج شخصيات فيلم ريش
يروى الفيلم حياة أسرة من أب وأم وثلاثة أطفال يعيشون تحت خط الفقر , الأب يعمل فى مصنع – يبدو أنه مصنع أسمنت – ويعيش فى شقة تتبع هذا المصنع وتقع فى نطاقه , ويقرر الأب الأحتفال بعيد ميلاد أبنه الكبير , ويدعو بعض زملائه ورئيسه فى العمل وجيرانه , وتكون مفاجأة الحفل فقرة الساحر , الذى يدعو الأب لدخول صندوق كبير ويغلقه عليه ولما يعيد فتحه تظهر لنا دجاجة , ولما يعيدها للصندوق لأستعادة الأب وإنهاء هذه الفقرة المدهشة يفشل الساحر ويعجز عن أستعادة الأب مرة أخرى !
وتحاول الأم البحث عن الساحر ليعيد لها زوجها ولكنه تبخر وكأنه لم يكن , وتبدأ فى البحث عن مصدر للكسب لتستمر الحياة فى البيت الذى كاد أن ينهار بعد تحول الأب الى دجاجة , وحلت محله وأصبحت تعيش على سرير الزوجية , ولما مرضت ذهبت بها الأم الى المستشفى البيطرى لعلاجها .
فتذهب للمصنع الذى كان يعمل فيه زوجها فيرفضون عملها لأنهم لا يقومون بتشغيل نساء كما أنهم يرفضون أى مستحقات للزوج لأنه لم يكن مؤمنا عليه , ويقترح الموظف المسئول ان يعمل أبنها – الطفل – مكان أبيه بشرط أستقطاع جزء من الفلوس لتسديد الديون التى عليهم لإدارة الأسكان , والتى جاء موظفوها وأستولوا على الأجهزة الكهربائية المتهالكة لديهم , كرهن حتى تسديد الديون !
وتحاول الأم البحث عن عمل بمساعدة مدير زوجها فى المصنع , والذى يحاول ان يتحرش بها فتهرب منه .
ظهور الأب
ووسط هذه الأجواء التى تعيشها هذه الأسرة المنكوبة يظهر الأب , عندما ذهبت الأم للشرطة لعمل محضر بتغيب الأب , وقال لها قبض عليه بمعرفتهم ضمن مجموعة من المشردين الذين يعيشون فى الشوارع .
وتستلم الأم رجل فى شبه غيبوبة وتبدأ معه رحلة العلاج , ولكنها احيانا تصل للحظة يأس من هذا الوضع وتضربه بالقلم على وجهه وتطلب منه أن يتكلم !
مقتل الأب والدجاجة
تتصاعد حالة اليأس عند الأم , فنرى من جديد المشهد المتكرر عندما تمر سيارة تصنع ضجيجا شديدا وتدخل عاصفة ترابية من الشباك المفتوح فتحيل النهار لأظلام تام داخل الشقة فتجرى الأم لأغلاق الشباك .
ويأتى عبر شاشة التليفزيون لحن بليغ حمدى حكايتى مع الزمان – الذى كتب كلماته محمد حمزة وغناء وردة , مع الزمان من الكوبليه الذى تقول كلماته : وأنا أنا اللى بينكم هنا / مش عارفة رايحة فين / ولافاكرة جاية منين /جابنى الطريق هنا أنا / وأنا ياما اتحملت أنا / دموع متنتهيش والآم متتنسيش / لوفات مليون سنة أنا/ لاعتاب هيشفى جراح / ولا هيجيب اللى راح / دى حكايتى مع الزمان /
وتقوم الأم برفع صوت التليفزيون وتتجه للغرفة التى ينام فيها الزوج ومعه الدجاجة , وظهرها للكاميرا نراها ووجهها للسرير الممدعليه الزوج وهى تضغط بكلتا يديها , ثم تعطى ظهرها للسرير وتمسك الدجاجة , ثم نراها وهى تغسل يديها من آثار الدم .
ثم تجلس وسط أولادها وهم مشغولين فى تناول وجبة خارجية لأول مرة ويشاهدون أغنيه مبهجه تدعو لحب الحياة وتتحدث عن زقزقة العصافير وتنزل التترات .
الزوج الحالم
رغم العجرفة التى يبدو عليها الزوج وهو يعطى زوجته بضع جنيهات من الحصالة المغلقة بمفتاح ويطلب منها أن يكون الأكل باذنجان لمدة يومين , وهى واقفة أمامه مطأطاة الرأس وتجيبه بحاضر فقط , هذا الزوج الحالم الذى يوعد أطفاله ببيت كبير فيه حمام سباحة وترابيزة بلياردو ويحدث زوجته عن البقرة الصغيرة التى كانت تقدم لهم اللبن طازجا وساخنا أيضاَ , هذا الزوج الذى قدمه الفيلم يحب المظاهر فيقيم حفل عيد ميلاد لأبنه ويشترى نافورة مياه تعمل بالكهرباء لتجميل البيت !هذا الزوج الحنون الذى يلاعب أطفاله ويحمل طفله الرضيع ( فى حجره ) أثناء تناولهم الطعام , هذا الزوج الذى كان يداهن رئيسه فى المصنع , وعندما دعاه لحفل عيد الميلاد قال لأبنه وهو يناوله مبلغ مالى هدية عيد ميلاده : متبقاش ( رمة ) زى أبوك , وبلع الأب الأهانة.
كل هذه الصفات التى ظهر عليها الأب والتى تبدو متناقضة تجعلنى أقول أن شخصية الأب من أكثر شخصيات الفيلم تشويشا رغم أنه محور الفيلم .
الوجوه المحايدة
أراد عمر الزهيرى بأختياره أبطاله والذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة أن يحتفظ بتلقائية الأداء , ولكن القضية أننى أمام شخصيات حيادية فى مشاهد تحتاج ردود فعل تتناسب مع الحدث , مثل مشهد أختفاء الزوج وتحوله لدجاجة وفشل الساحر فى أعادته لانرى أى رد فعل مثلا من الزوجة , ولم يقدم لنا الفيلم أى مشهد يقوم فيه الزوج بضرب زوجته أو أهانتها لنخلق مبرر لرد فعلها , أو حتى مبرر قيامها بقتله خلاف أنها أرادت التخلص نهائيا من حياتها القديمة بكل مافيها .
المخرج المؤلف
أنا شخصيا لا أعرف ماهى حدود كل من السيناريست أحمد عامر والمخرج عمر الزهيرى , ويذكرن هذا بورش السيناريو فى الدراما والتى أصبحت هى القاعدة السائدة , وهذا فى الغالب يخلق عمل مشوه , ويجعل الرؤية غير واضحة .
لكن نجح عمر الزهيرى فى لفت أنتباهنا بفكرة جديدة غير مطروقة ولكن تبقى قضية المعالجة لهذه الفكرة هى أساس العمل الناجح .
كما نجح المخرج ومعه مدير التصوير فى خلق كادرات رائعة مثل المشهد الأفتتاحى, لكن تبقى مشكلة فيلم ريش فى عدم وجود الهارمونى فى تتابع المشاهد وهناك الكثير كان الأستغناء عنها حتمى مثل مشاهد مدير الزوج ( المتحرش )
أيضا الموسيقى التصويرية كانت ضعيفة جدا ولم تقدم لنا خط موازى للسرد السينمائى .
وأخيرا علينا عدم تحميل الفيلم بما لايحتمل أو أدلجته ونسبه لعصر أو زمن ما , معنا مخرج ومؤلف وفريق عمل أجتهد وقدموا عملهم وهذا قابل للنقاش بموضوعية .