عقوبة الإعدام بين التأني المصري والانحياز الأعمى لـ “العفو الدولية”

د. محمد كمال الجيزاوي

لم يكن أمرًا جديدًا أن تصرح منظمة العفو الدولية، في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، بتصريحات منحازة كعادتها، حيث قصرت حديثها في المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، على دول الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، مع ذكر حالة في السعودية، واتهام مصر بأنها ثالث أكبر دولة منفذة لعقوبة الإعدام في العالم..!

لم تجرؤ المنظمة على أن تذكر أن منظمة الدول الأمريكية قد اعتمدت بروتوكولًا لاتفاقية حقوق الإنسان، يتضمن حظر تطبيق عقوبة الإعدام، مع جواز التحفظ على هذا الحظر، وتضم المنظمة 35 دولة، الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة فيها التي ترفض بشدة إلغاء عقوبة الإعدام..!

كما تجاهلت المنظمة، بمنتهى الوضوح، الاعتراضات الداخلية الكبيرة في الولايات المتحدة على تزايد الإدانات الخاطئة، بشكل مثير للقلق، نتيجة الاعترافات الكاذبة، حيث تصل معدلات الخطأ إلى 7% من الإدانات بعقوبة الإعدام، في بعض الولايات.

وقد أدى الشعور بعدم العدالة، والعنصرية في توقيع العقوبة،  إلى تباين الآراء حول تأييدها، أو رفضها، حيث  تبين أن البيض، الذكور، الأثرياء، والأشخاص الذين يعيشون في المنطقة الغربية من الولايات المتحدة، يميلون إلى دعم عقوبة الإعدام، أكثر من السود، والإناث، والفقراء، والديمقراطيين  والأشخاص الذي لم يكونوا ضحايا للجريمة، والأشخاص الذين كانوا أقل خوفًا من الجريمة، والجنوبيين.

ويؤكد هذا الشعور ما تبرزه الإحصاءات من تفاوت واضح في أحكام الإعدام لأسباب عرقية، في الولايات المتحدة، حيث تشير الإحصاءت إلى أن الأمريكان السود، أو الأفارقة، الذين يرتكبون جريمة القتل، أكثر عرضة لتوقيع عقوبة الإعدام، عن غيرهم، إذ يلعب العِرق دورًا بارزًا في توقيع تلك العقوبة، بغض النظر عن بقية العوامل الأخرى، المحيطة بالحكم بالعقوبة.

ولا يتوقف الأمر على العِرق الذي ينتمي إليه المجرم، بل يمتد الأمر ليشمل المجني عليه، حيث تثبت الدراسات أن المتهمين، من جميع الأعراق، أكثر عُرضة للموت، من ثلاث إلى أربع مرات، للحكم عليهم بالإعدام، عندما تكون الضحية بيضاء، مما هي عليه، عندما تكون من جنس آخر كالسود، وذلك لعدم ثقة المجموعة الأخيرة في نظام العدل الأمريكي.

كما تصل الولايات المتحدة إلى قمة الخروج على الإنسانية، في سماحها بتوقيع عقوبة الإعدام على المجانين، حيث “لا تستثني المتخلفين عقليًا، فقد وافق بيل كلينتون، في العام 1994، علي إعدام مسجون متخلف عقليًا في أركانساس، بعد فوزه مباشرة في الانتخابات الرئاسية، في العام 1992، هو ما تمنعه التشريعات المصرية.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الأمر، بل تعد الولايات المتحدة من الدول القليلة، على مستوى العالم، التي رفضت التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل، التابعة للأمم المتحدة، التي تنص على عدم جواز إعدام القاصرين، بند 37- أ.

أما كثرة عدد حالات تطبيق عقوبة الإعدام، التي تندد المنظمة، في إطارها، بمصر، فقد كان جديرًا بها توقيع هذا اللوم على الولايات المتحدة، فمنذ العام 1990، تم تنفيذ أكثر من نصف عمليات الإعدام المعروفة للمجرمين الأحداث، في جميع أنحاء العالم، بالولايات المتحدة نفسها، على الرغم من اتجاه العديد من الولايات لتعديل قوانينها، وإعفاء الأحداث من عقوبة الإعدام، بينما حدثت الحالات الباقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإيران، ونيجيريا، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، واليمن.

يأتي هذا في الوقت الذي يرجع فيه ارتفاع نسبة من تم تنفيذ عقوبة الإعدام فيهم بمصر، لطول فترة التقاضي، ضمانًا لتحقيق أقصى قدر من العدالة، وتوفير كل الضمانات الممكنة للمتهمين المحكوم عليهم بهذه العقوبة الخطيرة، فيؤخَّر الحكم بها لسنوات، وقد يتم الحكم بشكل نهائي في عدد كبير من القضايا، بالعام نفسه، ما يترتب عليه ارتفاع النسبة فيه، كما حدث في القضايا المرفوعة عن جرائم الإرهاب، التي تمت في مصر، في العام 2013.

ختامًا.. كان على المنظمة، قبل التعرض لمصر، التي تلتزم بالتشريعات السماوية، والقوانين الوضعية، في توقيع، وتنفيذ عقوبة الإعدام، وتضع لها كل الضمانات، من عدم جواز التحقيقات، أو المحاكمة بدون وجود دفاع يمثل المتهم، فاشتراط موافقة جميع قضاة المحكمة على الحكم بالإعدام، إلى الطعن الوجوبي من النيابة في الحكم ذاته، حتى لو قام المحكوم عليه بالطعن، وصولًا إلى إعادة المحاكمة مرة أخرى، ومرورها بجميع الخطوات السابقة، مع استشارة مفتى الجمهورية، وهي الضمانات التي تطيل – كما ذكرنا – أمد المحاكمة، لكنها تقلل لأدنى درجة، إن لم تمنع، تنفيذ العقوبة في متهم برئ، لصعوبة تدارك ما يترتب علي ذلك.

وهذا عكس ما تفعله الولايات المتحدة – كما أوضحنا – في موقف، ينطبق عليه ما جاء في إنجيل لوقا (6: 14) :”لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟”، وما جاء بالقرآن الكريم، أيضًا، من قوله تعالى :” أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ، وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”

(البقرة:44)