محمد محمود عيسى يكتب: الدرس من سقوط سوريا وأدوات الردع المصرية
ما حدث في سوريا من أحداث ووقائع عسكرية وسياسية كثيرة ومتلاحقة وما ترتب عليها من سقوط المدن السورية الواحدة تلو الأخرى وصولا إلى دخول العناصر والجماعات الإرهابية إلى دمشق وخروج الرئيس السوري بشار الأسد لاجئا إنسانيا إلى روسيا ووصول الدولة السورية إلى مراحل المجهول السياسي والعسكري والذي يجعل كل سيناريوهات التقسيم وتحقيق الأطماع والأحلام التاريخية للأعداء والأصدقاء واقعا يجري تنفيذه على الأرض حاليا وخلال الأسابيع والشهور القادمة ولا يستطيع أحد أن يجزم على وجه الحقيقة بما الذي سوف يتبقى من سوريا وما الذي سوف يضيع وأيا كانت مبررات وأسباب ما حدث سواء من خلال صفقات وترضيات تمت بين جميع الأطراف المعنية بسوريا إلا أن الملفت في هذه الصفقات أن مكاسبها لجميع الأطراف قد تم العمل عليها وصناعتها منذ سنوات طويلة حيث صنعوا الطموح والأزمة والأطماع وتنازع النفوذ وما صنعوه هو ما وضعوا حلوله على مائدة المفاوضات واقتسام الغنائم في سوريا والحرب الروسية الأوكرانية دليل على ذلك فهم من صنعوا الأزمة وساهموا في استمرارها وتوسعها والتحكم في مساراتها وهم من وضعوا الحلول لها على طاولة اقتسام الغنائم في سوريا وكذلك كل الأطراف المعنية والمهتمة والمشاركة في سوريا كل حسب أزمته ومشاكله وأطماعه ونفوذه وما حدث في سوريا من تسارع الأحداث وسقوط دمشق ووصولها إلى هذا المصير والذي كان فوق طموح أعداء المنطقة والعالم ومن يديرون مخططات التدمير والتقسيم حيث تحقق لهم إرث قديم من العداء والكراهية وتحقق لهم تكرار نكسة 67 وإعادة مشاهدها بشكل أكثر قسوة وأشد مرارة تحقق لهم استدعاء الثأر والعداوات القديمة واستكمال معركة اكتوبر 73 وسحق الجبهة السورية وإيصال القدرات العسكرية السورية إلى المستوى صفر وإخراجها تماما من معادلات القوة العسكرية في المنطقة في إشارة واضحة وصريحة أن الحرب والصراع مع إسرائيل لم ينته بعد وأن المخططات مازالت قائمة ويجري تنفيذها على المدى الطويل وما حدث في سوريا من ضعف وتآكل الجبهة الداخلية ممثلة في كل التنوع الشعبي والوطني المكون لقيام الدولة واستمرارها يقرع أجراس الخطر وينبه على ضرورة أن نظرية المواجهة مع الأعداء ليست بالضرورة أن تكون عسكرية فقط وأن تسعى لأن تحقق من خلالها أعلى مستويات الجاهزية والقوة الشاملة والردع الحاسم وإن كان ذلك ضروريا وأساسيا وواجبا ولا يمكن أن يختلف عليه أو يناقشه أحد ولكن ضرورات الأزمة السورية فرضت نوعا من التغيير والشمولية في استراتيجية المواجهة مع الأعداء في أنه يجب أن يكون هناك تغيير كامل وشامل على مستوى عمليات الردع والمواجهة بمعنى أن تكون المواجهة وتحقيق عمليات الردع بجانب العامل العسكري بتقديم جميع ملفات الدولة وعلى جميع المستويات الاقتصادية والثقافية والفنية والإعلامية والسياسية والرياضية والدينية والتعليمية والسلوكية والحياتية بنفس مستوى أداء وجاهزية القوة العسكرية وبشكل جديد ومختلف تماما ويحقق النهضة والقوة الحقيقية على المستوى الداخلي وبما يمكنها من الانضمام إلى عوامل الردع العسكري ومن خلال هذه القوة الحقيقية الداخلية والتي لا تقل في مستوى أدائها ونفوذها عن القوة العسكرية تستطيع أن تواجه بها الأعداء وتضعها بجانب القوة والنفوذ العسكري على طاولة المفاوضات عند حدوث الأزمات والمشاكل كما أن الجبهة الداخلية بإعادة صياغتها من جديد وكل كافة مستوياتها وقطاعاتها تستطيع أن تزيد من مدى قوة الردع وتأثير النفوذ فلا يكفي أن تناور وتستعرض قواتك وأدواتك العسكرية فقط ولكن بجانب ذلك تستعرض وتناور بجبهتك الداخلية وقوة تماسكها وإعادة صياغة جديدة للعلاقات القائمة بين أفرادها تناور وتحقق الردع بتعليم عصري حديث يقضي على الجهل وبنقل فكر الشباب إلى المستقبل تناور وتحقق الردع باقتصاد حقيقي قوي يقوم على العمل والإنتاج ويحقق فوائض مالية ضخمة تمكن الدولة من الاعتماد على مواردها الذاتية في تنفيذ مشروعاتها وتحقيق مستوى رفاهية شعبها تناور وتحقق الردع بثقافة مصرية حقيقية تحقق التأثير في الآخرين تحقق الردع بحياة سياسية حقيقية قائمة على التعدد والممارسة السياسية الشاملة ومعبرة عن الشارع المصري تحقق الردع بشكل متكامل وشامل للدولة المصرية وبما يتناسب مع تحديات العصر ويجهض مخططات الأعداء