أحمد صبري شلبي يكتب: الجهاد From Home
شهد العالم تحولاً جذرياً في أنماط العمل والعلاقات الاجتماعية بفضل التطور التكنولوجي المتسارع. فبعد أن فرضت جائحة كورونا “” واقعاً جديداً، أصبح العمل من المنزل هو القاعدة وليس الاستثناء في بعض القطاعات. ويبدو أن “مجاهدي الكيبورد” قد ظنوا أنه أيضا يمكنهم الجهاد From Home.
ونحن هنا لا نقيم مدى إمكانية الجهاد من المنزل، ومدى الجدوى من تلك الأفعال الحنجورية، لكنه ما يثير الدهشة أن هؤلاء المجاهدين دائما ما يضعوا مصر في جملة مفيدة كي يظهروا بطولاتهم “الكيبوردية” على منصات التواصل الاجتماعي، فدائما نجدهم اعتادوا التنظير على مصر وجيشها وسياستها، مدفوعين بأيديولوجيات متطرفة أو أجندات خارجية، ظناً منهم أنهم أكثر حرصاً على القضايا الإقليمية والعربية من مصر التي قدمت تضحيات جسام من أجل هذه القضايا.
لا يقتصر الأمر على تقييم مدى إمكانية الجهاد من وراء شاشات الحاسوب أو الموبايل، بل يتجاوز ذلك إلى تحليل الدوافع والأهداف الكامنة وراء هذه الأفعال.
فبينما يتستر بعض الأفراد وراء لقب “مجاهدي الكيبورد”، يمارسون المزايدة على دور مصر التاريخي وهم يتحدثون عن الشجاعة والتضحية، يختبئون وراء الشاشات أو من داخل الأنفاق، ولا يحدثوا أي تغيير سوى تضخيم أصواتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، مستغلين سهولة انتشار تلك السلعة الرائجة داخل أوساط جمهورهم القابعين في بحار الدونية.
وعلى النقيض من ذلك، يقف المجاهد الحقيقي في الصفوف الأولى، يواجه التحديات بكل شجاعة، ويقدم التضحيات من أجل وطنه وأمته. و الفرق شاسع بين من يتحدثون عن الجهاد وهم جالسون خلف شاشاتهم، وبين من يمارسونه بالفعل على أرض الواقع.
وأكثر ما يساعد أنصار الجهاد From Home في سرعة انتشار بطولاتهم الزائفة هو استغلالهم المتكرر لاسم مصر. فبمجرد نشر أي شائعة أو أخبار سلبية سواء تخص مصر أو لا، نجد هؤلاء المجاهدين يزايدون على مواقف مصر التاريخية، مطالبين مصر وجيشها بالتدخل في أي صراع بالمنطقة. وبهذا، يروجون لأنفسهم على أنهم أكثر وطنية من المصريين أنفسهم.
هذا التناقض الصارخ بين ادعاءاتهم وأفعالهم يكشف الحقائق، فهم لا يسعون إلا إلى تحقيق مكاسب شخصية أو خدمة أجندات خارجية. مستغلين معاناة الشعوب العربية للفت الانتباه إلى أنفسهم، متناسين أن مصر كانت ولا تزال في طليعة الدول الداعمة للقضايا العربية.
ولا يسع المجال هنا للحديث عن دور مصر في خدمة القضايا العربية والإقليمية، فيوم واحد من تاريخ مصر من البطولات يحتاج لمجلدات للحديث عنه، وصفحات التاريخ حافلة بأمثلة لا تحصى على تضحيات مصر وشعبها من أجل هذه القضايا، فمصر كانت وما زالت في طليعة الدول الداعمة لقضايا أمتها، وقد قدمت تضحيات جسيمة من أجلها، ومصر لا تنتظر من أحدا مقابلا لذلك.
لذا علينا جميعًا أن نكون حذرين من هذه المحاولات البائسة، وأن ندافع عن سمعة مصر وحماية أمنها واستقرارها. فمصر ليست ساحة للصراع، ولا مجالًا لتجارب الآخرين الفاشلة.