تغييب العقل جريمة في حق الإنسانية
كتب: محمد محمود عيسى
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت
من حقك أن تختلف مع بلدك ومن حقك أيضًا أن ترفض وتعارض. لكن لا تجعل خلافك يُنسيك أنك إنسانٌ خلقك الله وكرمك بالعقل وبقية الحواس التي ترى من خلالها العالم، وتتعايش معه، وتدركه بها، والعقل الذي وهبه الله لك مِلك لك أنت، وحقوق ملكيته هي لك أنت أيضًا وليست لأحد آخر مهما علا شأنه وزاد قدره، وعقلك هو أرقى وأعظم شيء فيك أنت بذاتك وحقيقتك، لذلك جاءت تلك الكلمات في الكثير من الآيات القرآنية “يتفكرون، يعقلون، يتدبرون، أولي الألباب”. ومن أجل هذا الرقي، العظيم في الخَلق والأعظم في الخطاب، كانت أكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه أنه يسمح ويوافق على احتلال عقله أو بَيعه من الباطن أو تأجيره بعَقد مفتوح غير محدد المدة تحت دعاوي باطلة كاذبة، تنتهك حريته وآدميته وإنسانيته كمبدأ السمع والطاعة الذي تنتهجه الجماعات المتأسلمة الباطلة مع أتباعها، وتغلفه لهم بغلاف حق يُراد به كذب وباطل وضلال.
إن تعطيل العقل وتغييبه مع احتلاله بدعاوي الكذب والضلال يُحوّل الإنسان إلى كائن غريب، يتشبّه بسلوكيات وأفعال أقرانه في الغابات والصحاري في أفعال القتل والوحشية، ومن أجل ذلك كانت أكبر جريمة يرتكبها أئمة الكذب والضلال في حق أتباعهم هي احتلال عقولهم، وتغييبها وتعطيلها عن العمل والتفكير. وتعطيل العقل يجعلك لا تفرق بين جماعتك التي تنتمي إليها ووطنك الذي تعيش فيه، يجعلك لا ترى الحياة و البناء والتعمير، يجعلك تدخل في صراع مع عينيك بين ما تراه على أرض الواقع وبين ما تعتقده من أوهام وأباطيل، يجعلك تعيش في منطقة ضبابية سوداء تأخذك إلى مرحلة عمى البصيرة فتُقدّم نفسك وتحارب في صفوف جماعتك وتخون أهلك ووطنك.
وبعد كل هذا لا يمكن أن يستمر تعطيل عقلك وتغييبه زمنًا طويلًا، أُرفضْ، وتمرَّدْ، وكن ثائرًا على هذا التغييب والإحتلال من قِبَل غيرك، وخُضْ حربًا شرسة، وقدِّم الكثير من وقتك وجهدك وعملك، واستجمِع قواك، وادخُل في حرب مع نفسك وجماعتك الباطلة، واسترِدّ عقلك ممن سرقه منك خلسة أو احتله رغما عنك، تَحرّر من سجن السمع والطاعة، وحطِّم مملكة الولاية والخلافة، واشحِن عقلك بالفكر والرؤية والجدال والنقاش والرفض، ولا تجعل نفسك تابعًا لشيخ أو إمام؛ تنساق خلفه أو تنساق إليه، تَحرّر من خوفك، واغسِل عن جسدك دَنَث الكراهية والحقد والعداء لبلادك ووطنك وللحياة، وتذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما خرج من موطنه مكة مهاجرًا وهو يقول “والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت”.