كتبَت: نيفين أبو حمده
تدقيق لغوي: ياســـــر فتحي
لنْ ينسىٰ التاريخ أنَّ المليونير زعيم المستوطنين “نفتالي بينيت” رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي كان حليف “نتنياهو المُخلِص وقائد حملاته الانتخابية الداخلية لرئاسة حزب الليكود وتلميذه الذي تفوق عليه يمينيةً وتطرفًا، كما لن ينسىٰ التاريخ أنه سارَ أعوامًا بِخُطىً ثابتة – مدروسة نحو إزاحته، ليجلس مكانه على عرش الحكومة الإسرائيلية .
100 يوم علىٰ تولي بينيت منصبه
لَم يحظَ “بينيت” بجماهيريةٍ كنتنياهو ولَم يكن مُقربًا مِن رجل الشارع خلال سنوات صاحَبَهُ فيها، ولَم يتغير الوضع كثيرًا بعد توليه المنصب؛ لايزال الكثير مِن جمهور الناخبين يعتقد أنَّ هذا وهم أو حُلم سينتهي، وسيعود “بيبي نتنياهو” قريبًا، هذا الجمهور أساس شرعية الانتخابات، الذي يرىَّٰ أن “بينيت” يبدو مثل “أليس في بلاد العجائب”، يتعامل معهم وهو في ذهول كما لو كانت المرة الأولىٰ التي يراهم فيها، كما أنه لايملك ذلك الظهور الآسر للقلوب الذي يصرف عنهم التفكير في أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية على الأقل لمدة عامين يخلفه بعدهما “يائير لابيد” شريكه في الائتلاف الحكومي والذي يؤدي عمله كوزيرِ خارجية، وكأنَّ الحكومة الحالية لن تتعامل مع القضايا السياسية الجوهرية، فهو يدعم حَلَّ الدولتين ويحرص على توطيد العلاقات الدولية، ويحرص على الظهور للجماهير وكأنه يبني مُلكه كرئيسٍ للوزراء على المدىٰ البعيد .
ثابت الخُطىٰ ولن يكون ملكًا
سيُحسَب لبينيت ضبط النفس الواضح في التعامل مع التفشي الحاد والموجة الجديدة لكوفيد 19 وتفشي متحوِّر دلتا، فهو لَم يستسلم للنداءات الهستيرية لإعلان الإغلاق الكامل في إسرائيل، وأعلن بوضوح أنَّ القرارات في هذا الشأن سيتم اتخاذها مِن قِبَل الخبراء فقط وليس مِن خلال اجتماعات حكومية مِن النوع الذي اعتاد “نتنياهو” عَقده، كما أعلن أنه سيبدأ قريبًا في وضع خطة اقتصادية منظمة مصممة خصيصًا للتعامل مع أضرار الجائحة وفتح المدارس، وطالب بتقليل فترة الحجر الصحي وقال بحزم: إنَّ إغلاق المدارس سوف يخلق لدينا أجيالًا مِن “الزومييم” ، لايصلح لقيادة المستقبل.
*(زومييم نسبة لتطبيق زوم والذي تتم عبره العملية التعليمية في إسرائيل، وله مواصفات خاصة أبرزها الكسل والاتكالية والتعود على الحصول على أثمن الأشياء دون تعب أو مجهود، أثبتت دراسات تَبعات كورونا على المجتمع الإسرائيلي) .
كما سيُحسب له نجاح اللقاء مع الرئيس “جو بايدن” ووصفه بالصديق بعد فترة ليست بالقليلة مِن توتر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية نتيجة مواقف نتنياهو السابقة تجاه حكومتي ترامب وأوباما، وموقفه الثابت مِن القضية الإيرانية، وحصوله على تعهد بدعم تجديد القبة الحديدية، والترويج لإجراءات إلغاء التأشيرة للإسرائيليين للعديد مِن الدول ومنها أمريكا، لكنه لَم يخلق انطباعًا بأنَّ نتنياهو كانت تنقصه تلك الخطوات أو كان محتاجًا لعبور تلك المناطق.
قد يكون رجل العام، ولن يستمر ذلك طويلًا
استحق بينيت لقب رجل العام “العبري” المُنتهي، فلولاه ما حدث ذلك التغيير البنيوي في تاريخ السياسة الإسرائيلية وهو استبدال نتنياهو، رغم أنَّ “بينيت” كان على استعداد لتشكيل حكومة ائتلافية معه، ورغم لوائح الاتهام الملتصقة به، أي أنَّ سقوط نتنياهو لم يكن لأسباب أيديولوجية أو أخلاقية.
لكن التاريخ لن يتذكر الدوافع وسيذكر التغيير، نتيجة طول فترة حكم نتنياهو وسيطرته على المجتمع الإسرائيلي حتى اكتسب لقب الملك، وسيقترن اسم “بينيت” بإحدى المراحل الانتقالية الكُبرى في إسرائيل.
في نهاية 100 يوم كيف تبدو ملامح الغد !
في أحد أيام عام 2015، توقفت سيارة لجوار شجرة زيتون في حديقةٍ بين روش هاعين وكفر قاسم، وخرج منها نفتالي بينيت وكان وزيرًا للتربية والتعليم آنذاك، وأنزل أعلامًا خضراء عليها كتاباتٌ عربية تشبه أعلام حماس، وعند عودته مِن صلاة الفجر، مع إحدىٰ العائلات التي قُتلت ابنتها مع زوجها الحاخام “إيتام هانكين” في نفس العام على يد جهاديين مِن حركة حماس، أُرسلت له صور “أعلام حماس” التي علقها (سكان كفر قاسم – هكذا أعلنوا كذبًا ) في الحديقة المجاورة، كان بينيت وزيرًا شابًا متحمسًا لإسرائيل فتوجه لمكان الأعلام وأنزلها، ونُشِرَت صور البطل الوزير الشاب خلال جهاده الزائف ضد حماس.
مَرَّت سنوات على هذا الحادث ولَم يتغير الحال .. ما أظهرته وفاة 1000 شخص خلال فترة قصيرة جدًا مِن الموجة الرابعة لفيروس كورونا والأعداد الهائلة للمصابين والتي لَم تشهدها إسرائيل منذ ثم تفشي الجائحة، بينما يخرج “بينيت” للجمهور في منتهى الثبات، ليتحدث عن جلب عقار علاج الكورونا، والنظام الصحي المتميز والجرعات المتوفرة ووجوب انتظام الدراسة في المدارس والعودة للحياة الطبيعية، ما اعتُبِر تضليلًا للإسرائيلين – حتىٰ أنَّ أحدًا لا يستطيع تقدير ما سيحدث في الأسابيع القريبة المقبلة .. ( هذا فى تحدٍ واحد فقط )
أخيرًا ..
اختتم “بينيت” 100 يوم في رئاسة الحكومة الإسرائيلية ، واجتازَ الربع الأول لمدته في التناوب الائتلافي بنتيجة ( ناجح ) فقط دون تميز، لأنه عبر على العقبات الصعبة التي واجهها مِن أول يوم واقفًا على قدميه، لكنه يحمل إرثًا ثقيلًا كان شريكًا فيه، رغم كل القصور الذي يراه رجل الشارع نتيجة ارتباطه “بنتنياهو” وتعوده على سياساته وأسلوبه، إلا أنَّ “بينيت” ليس أمامه إلا أنْ يُكمِل ما بدأه، ولن يجد صعوبة في ذلك فإسرائيل لاتزال منهكة تحت تأثير تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، وجولاتٍ انتخابيةٍ متلاحقة، وعنفٍ يجتاح المجتمع الفلسطيني في الداخل، كما يبدو أنَّ هناك (حارس أسوار) جديد يلوح في الأفق، لكن أحدًا لا يملك إجابةً قاطعة عن سؤال هل سيُكمِل “بينيت” كامِلَ مُدَّتهِ؟
لا أحدَ يستطيع التكَهُّنَ بذلك.