د. محمد شعيب يكتب: الجامعة ليست محطة انتظار أو كوبري
معروف أن التعيين في الجامعة يتم وفقاً لطريقين رسمهما القانون. الطريق الأول وهو التكليف، يقتصر على تكليف المعيدين من الخريجين الأوائل وفق الخطط الخمسية للكليات والأقسام العلمية. والطريق الثاني من خلال الإعلان، وهذا متاح لجميع الوظائف المختلفة من المعيد وحتى الأستاذ وفق ضوابط وإجراءات رسمها القانون لكل درجة وظيفية.
تقوم كليات الحقوق سنوياً بتكليف الأوائل في وظيفة معيد، وتسكينهم على الأقسام العلمية المختلفة، مثلها مثل باقي كليات وأقسام الجامعات الحكومية المختلفة. ويكون التكليف سنة بسنة لآخر دفعة، بعدها يسقط حق الخريج في التعيين بمجرد تخرج دفعة جديدة بعده. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد.
فمعظم خريجي الحقوق سواء المعيدون أو غيرهم يتقدمون لشغل الوظائف القضائية التي ُيعلن عنها بالهيئات القضائية، والتي تستغرق عمليىة التعيين فيها عدة سنوات، بسبب كثافة المتقدين، والوقت المستغرق لفحص ملفاتهم في مراحل التعيين المختلفة، انتهاءً بصدور قرار رئيس الجمهورية بالتعيين.
يظل المعيد طوال سنوات الانتظار متخذاً الجامعة محطة انتظار مؤقتة، وهو قلبه معلق بالوظيفة القضائية، مترقباً صدور قرار تعيينه. وتكون الجامعة قد بدأت مشوارها معه في الماجستير، بل والدكتوراه أحياناً. وتمت تهيئته كعضو هيئة تدريس من خلال الدورات التدريبية. وتم وضع ترتيب البيت داخل الكلية على أساس ذلك. وفور صدور قرار تعيينه بالقضاء يتقدم بالاستقالة دون أدنى تردد، نظراً للمزايا المادية والسلطوية والاجتماعية التي لن يجدها في الوظيفة الجامعية التي لا تبدو براقة لهذا الشاب.
قد يبدو الأمر عادياً عند هذا الحد، ويتساءل البعض ما المشكلة في أن يسعى المرء لتطوير نفسه. لكننا نسينا أن هذا الشاب الذي تم تعيينه معيداً في دفعته، قد حصل على فرصة شاب آخر في نفس الدفعة يليه في الترتيب على الدفعة. ثم اتخذ الجامعة محطة انتظار أو كوبري أو استبن إن جاز التعبير حتى وصوله للمحطة الأخيرة والحلم الكبير في الالتحاق بسلك القضاء. وما إن يترك الجامعة حتى يكون قد أضاع الفرصة على نفسه وحرم زميل دفعته الذي يليه في الترتيب من التعيين في ذات السنة.
لذا أدعو المجلس الأعلى للجامعات باتخاذ قرار … أسوةً بما يتم مع ضباط وزارة الداخلية الذين يلتحقون بسلك القضاء، حيث يقومون بسداد مبلغ يعادل تكلفة الدراسة، كشرط لقبول الاستقالة إذا كانت قبل مضي 10 سنوات من الخدمة. لأن ما يحدث بلغة إدارة الموارد البشرية هو ارتفاع معدل دوران العنصر البشري، وهذا الدوران له تكلفة، يجب أن يتحملها المتسبب فيها وحده. وهذا الأمر سوف يصب في العدالة وتكافؤ الفرص وإعلاء المواطنة. فالشاب الذي يرى زميله يسبح ويتنزه بين الوظائف المرموقة وهو لا يجد واحدةً.. حتماً سيكون ناقماً حاقداً لا يشعر بالانتماء.