وأنا أراجع هذا التحليل، الذى هو الأكثر والأشمل تفصيليا منذ بداية أزمة “حادث العوجة”، كانت وسائل الإعلام والصحافة الإسرائيلية المراقبة من المخابرات الحربية لا العامة هناك، تفضح أكاذيب الروايات الإسرائيلية، عن تفاصيل تواجد وتحركات حرسه الحدودي، والمفاجأة أن هذا الكشف جاء على ألسنة زملاء القتلى الثلاثة من حراس الحدود الإسرائيلية ناحية مصر.
ومن المهم أن يراجع ممثلو مصر في لجنة التحقيق في الحادث، تكذيبات الجنود هذه للروايات الرسمية الإسرائيلية، فبالتأكيد ستؤثر على النتيجة النهائية للتحقيق، الذي طال لمطلع الأسبوع، وفق المروج له.
نقطة نظام للتفكير
لنتركهم يأكلون في بعضهم البعض، واسمحوا لي بنقطة نظام للتفكير دون تهويل أو تهوين، وأعرف أن كلامي فى بعضه لن يرضى الكثيرين من كل الأطراف.
المجند محمد صلاح إبراهيم الدسوقي، هو وفق البيان المصري الرسمي، عنصر تأمين اخترق الحدود في مطاردة لمهربي مخدرات، إذا.. لماذا لم يتم دفنه والعزاء فيه بشكل لائق؟
نطاق الدفن والعزاء.. هل هو مطلب إسرائيلي.. أم تقدير موقف مصري؟
هل هذا مطلب إسرائيلي، كما روج بعض الإعلام الإسرائيلي؟
أم إنه عدم تلميع متعمد، لخطأ ما اقترفه المجند، وهو تجاوز الحدود لمدة ومسافة طويلة، ولم يعد بعد التعامل الأول مع العنصرين، الذي لم يتضحا له، كما هو مفروض، إنهما مجندين إسرائيليين أو عنصري تهريب مخدرات؟.. وتمجيد هذه الأجواء يدفع أخرين لتقليده، بالذات بين أقارنه من البسطاء.. وأتمنى تقدير كلماتي، بالقدر المعني والمستهدف منها، لا تحميلها أبعاد أخرى.
في المنحى الأول، أنا أتحفظ عليه بالطبع، خاصة إن الكل يقارن بجنازات القتلى الثلاثة على الطرف الآخر..
وفي المنحى الثاني، أنا معه جدا، لأن محمد صلاح ، عنصر في منظومة، أي خطأ، يتعلق في رقبة المؤسسة، وبالتالي يجب التعامل معه بمنتهى الحسم، لكن بدفنة مقبولة وعزاء مقبول طبعا.
الرواية المصرية تدعمه.. وبقاء محمد هناك بعد التعامل غامض
ومهما كانت الرواية المصرية الرسمية، التي دافعت عنه، وعن المنظومة، إلا إنه يظل هناك علامات استفهام كثيرة، لن يجيب عنها إلا محمد، رحمه الله.
لماذا لم يعد بعد قنص المجندة والمجند! وقتها كان الأمر سينتهي بتحقيق ومحاكمة سريعة، تنتهي بحكم مع إيقاف التنفيذ، وفق أقرب تقدير للموقف فقط، والنظام والتنظيم والمنظومة، لأن مصر دولة كبيرة، وهناك قوانين دولية، ولسنا كيانا معربدا كإسرائيل، خاصة أن تل أبيب نفسها، أعلنت عن عملية التهريب وإحباطها قبل حادث محمد بوقت وجيز، وبالتالي فالرواية المصرية مسندة، وعودتك وقتها يا محمد بعد التعامل الأول، كانت ستختلف تماما.. رحمك الله.
بالمناسبة، داعش أعلن مسئوليته عن الحادث بعد أربعة أيام من وقوعه، وكان مشهدا هزليا مفضوحا، وإسرائيل نفسها لم تستغله، لأنها تعرف إنها قضية خاسرة، فمحمد ليست له ميولا.. لا دينية ولا سياسية، وإلا لماذا انتظر التنظيم الإرهابي، كل هذا الوقت ليعلن مسئوليته.. وبالتالي فهذه النقطة منتهية.
تخاريف صهاينة اليهود والإسلام وداعش
وتخاريف صهاينة إسرائيل من نوعية إيدي كوهين ومهدي قطب ورونا وأفخاي أدرعي ومائير مصري وروعي كيس وغيرهم، مفضوحة هي الأخرى لا تقل عن أكاذيب داعش فجاجة.
وأيضا تخاريف صهاينة الإسلام ، الإخوان، حول دخول جنود وقطع ومقاتلات إسرائيلية لسيناء للتمشيط، دون حتى تنسيق، كله كلام للتهييج، ومحمد نفسه كان يكرههم، وفق المقربين له.
بالتالي، كل هذه القصص المختلقة المهيجة، التي للأسف كالعادة تركنا لهم الميدان ليحتلوه، ليروجوا لها، دون أي تدخل نوعي مصري، لم يتفاعل معها الرأي العام المصري، إلا بشكل إيجابي، لكن من المزعج أن يتحول كلام الصهاينة من كل أنواعهم المسلمين واليهود، لتريندات في مصر، لأننا تركنا الساحة لهم، والرأي العام هو الذي كان يرد فقط، فهل هذا البعد كان مقصودا، لأغراض ما؟.
أمور إيجابية وسلبية
عموما، هذا جلب لنا أمور إيجابية وسلبية، منها أن محمد صلاح تحول لبطل قومي، ومن غير المستبعد أن يكون قد أهل البعض لتقليده، وبالتالي هذا أمر سلبي تماما، خاصة مع رواية غير مسندة، مروج لها من كل الأطراف الإسرائيلية والإخوانية، حتى وصلت أهالي قريته البسطاء، حول أنه كان ينتقم لزميل له.
وبالتالي، كان هناك انتقادا شعبيا واسع النطاق لفكرة الدفن السريع في المساء بحضور قليل من أهالي القرية والأقارب، بخلاف منع أي عزاء له عند منزله في منطقة عين شمس، وهى مواقف استغلها الإخوان والأعداء عموما، والإعلام العربي والغربي للترويج ضدنا، فخسرنا في هذه النقطة كثيرا، وكان يجب التعامل معها بشكل أكثر احترافية على صعوبتها بالتأكيد، فالسيطرة على مواقف عاطفية بشعور وطني قومي وأمور أخرى، صعب جدا.
دهاءنا الذي لم نستفد منه
لكني فقط أذكركم إننا عندما تعاملنا معهم بمنتهى الدهاء، من خلال البيان الأول للمتحدث العسكري، وبعده بيان مكالمة وزير الدفاع، وبعده بيان اتصال نتنياهو بالرئيس السيسي، كسبنا كثيرا على الأرض، وفي مواجهتهم.
فهذه السطور القليلة التي تتجاوز ثلاثين سطر تقريبا، أكسبتنا مساحات جيدة، حتى إنهم تخبطوا من عبارة، “نقدم التعزية للطرفين”، التي قالها بيان اتصال وزير الدفاع المصري لنظيره الإسرائيلي، وتساءلوا في تل أبيب عن المساواة بين القتلى والمنفذ، لكن الفكرة وفق تحليلي، إن مصر لا تتهرب من الاعتراف بالخطأ لكنها أيضا، لن تترك رجلها مهما كانت فعلته وخطأه، في تجاوز الحدود بشكل غامض كهذا، لمسافة كبيرة ووقت طويل، حتى بعد الإعلان عن القبض على مهربي المخدرات.
سر التعزية المصرية للطرفين
وبالتالي كانت التعزية للطرفين، وكانت هذه عبارة احترافية جدا، توقفت عندها طويلا، فور الاطلاع عليها، وقبل حتى إثارة الجدل حولها.
وأتصور ، لو كنا أكملنا على هذا المنوال الاحترافي، كان النجاح سيكون أكبر بكثير لنا، مقارنة بترك الساحة لهم.
وبالمناسبة، نحن تطورنا في صياغة البيانات بدهاء على قلتها أساسا، وكان دليلا على ذلك، صياغة البيان الرئاسي، الذي كان منتبها لكل كلمة، ومنها نقطة العزاء، فلم يتضمن البيان أي شيء عنه، لكن الإسرائيليين ادعو ذلك، ليقولوا ما يحلوا لهم، خاصة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو المبادر بالاتصال وليس نحن.
نجاح مصر الصعب.. وإعادة الجثة بسرعة
القصة وما فيها، إجمالا أن مصر على دقة الموقف وصعوبة الحادث وفق القوانين الدولية والموقف السياسي وتطورات ما بعد، فإنها نجحت بشكل كبير، وظهر ذلك في إنهم لم يستطيعوا مناطحتنا.
مهما كانت الكواليس ففي النهاية حصلنا على جثة عنصر التأمين المصري خلال أقل من ٤٨ ساعة، ولو كان هذا في إطار مصلحة متبادلة، أن أكرم إبني مقابل أن أحد من مظاهر دفنه وعزاءه، فهذا أعز له بالتأكيد، وبالطبع لنا.
أنا هنا لا أبرر، ولا أريد تمرير موقف ما، بل أحلل بشكل اجتهادي لما فيه صالح محمد وصالح مصر، وهو أمر واحد في العموم بالطبع، فالحصول على جثة محمد قبل التمثيل بها، بحجج واهية، أمر ضروري وأهم من أي شيء أخر، حيث بدأوا في معاملة غير لائقة وفق الواضح في صورة وزعوها فور الحادث، حيث خلعوا ثيابه، وابقوه شبه عار بملابس داخلية، وطبعا ستكون حجتهم التحقيق.
لماذا لم يعد محمد؟
فهل من الأكرم لمحمد ولنا جميعا أن نقتنص منهم جثته، أم لا؟ مقابل تحجيم الدفنة والعزاء، حتى لو كان هذا صحيحا، فليست عندي معلومة كاملة في هذا الإطار، ومن الممكن أن يكون التحجيم تنظيميا، حتى لا تخرج الأمور عن السياق في أجواء عاطفية وطنية.
ومن المهم ألا يتحول محمد لمصدر فخر إلا في إطار الرواية الرسمية المصرية، لأننا جيش نظامي، ومحمد كان يقوم بدوره وفق البيان الذي دافع عنه وعنا، لكن لماذا استمر محمد كل هذا الوقت هناك وسار كل هذه المسافة، ولماذا لم يعد فور انهاء مهمته، وقتل اثنين لا يعرف إن كانا عنصري تهريب أم لا ؟.
مناورة “اللكمة القاضية” والحادث
في سياق أخر، وبعيدا عن الأزمة الداخلية المتصاعدة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية على مختلف الأنحاء، فيكفي أن تعلموا، وأشرت إلى ذلك في عدة ظهورات ومداخلات تلفزيونية وإذاعية لي مصرية وعربية ودولية وخاصة بعرب ٤٨، إن هذا الحادث جاء خلال تنفيذ الجيش الإسرائيلي لمناورة يتباهى بها دوليا، أسمها “الضربة القاضية”، وتستهدف مواجهة حرب متعددة الجبهات متزامنة، لم تشر للجبهة المصرية منها صراحة، وكانت تركز على عزل الجبهات، في عملية مشابهة لمواجهة أي حرب متعددة كما حدث لهم في أكتوبر ٧٣ من المصريين والسوريين.
هذا هو فخري بمحمد في إطار دوره
فتصوروا، أن محمد صلاح جاء ليقتل كل هذا لهم بشكل مباشر، ببندقية آلية قديمة، أكبر من سنه هو شخصيا، وبحوالي ١٠٠ رصاصة، وبتدريب متوسط، لكن نتائجه هائلة، وما بالكم لو تكمن محمد من قنص العميد الذي أصابه بالفعل في ذراعه قبل أن يحيده هذا العميد، ليستشهد محمد!
الربط بين الأحداث والزيرو ردع
وبالتالي، وسط كل هذه التعقيدات، التي لم نذكر إلا القليل منها، لكنه الأكثر تأثيرا، خاصة لو ربطناها بحادث اختراق لعنصر لبناني انتهى بتفجير في مستوطنة بالشمال منذ شهرين تقريبا، بخلاف طبعا عدم سيطرتهم على الفلسطينيين في غزة والضفة والعمق في القدس المحتلة وحتى تل أبيب، رغم كل هذا العنف والدموية، وكل هذه التكنولوجيا والعتاد.. بالتالي فهم “زيرو” ردع.
وسط هذا كله، إسرائيل لم تستطع مناطحة مصر، وكانت كل تصريحاتها هادئة، وتؤكد على أن الحادث على بشاعته وقوته، لن يؤثر على العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتنسيق الأمني المصري الإسرائيلي المتكامل منذ فترة طويلة.
الخروج عن النص
لم تكن سوى بعض الخروج عن النص، بالإصرار على محمد بإنه مخرب أو إرهابي، رغم الرواية الرسمية المصرية، وهذا ضد التنسيق المتبادل، مع بعض التجاوزات في التصريحات من قبل نائبين بالليكود، والإعلام الذى ركز على ترجمة ردود الفعل على السوشيال ميديا المصرية، واعتبروها مؤشر لعدم وجود سلام حقيقي بين مصر وإسرائيل طوال هذه الفترة!
التنسيق الإسرائيلي معنا
ولا يمكن أن ننكر إنه لولا التنسيق الإسرائيلي بتوافق أمريكي، والذى ضرب عرض الحائط بالترتيبات الضيقة في كامب ديفيد في هذه المنطقة، لأثر ذلك على حربنا ضد الإرهاب في سيناء، فمقاتلاتنا الأف ١٦ ومروحيات الأباتشي والدبابات والمدرعات، كانت تدخل في هذه المناطق بسهولة، والتى تحجمها المعاهدة في هذه المنطقة المدعوة “ج”، حتى أن إسرائيل اشتكت في بعض المواقف من تجاوز المقاتلات المصرية للحدود.. وكان هذا مرعبا بالنسبة لهم.
وعندما، كانت تحاول إسرائيل العودة للترتيبات القديمة عدة مرات، بعد الانتهاء من حربنا ضد الإرهاب، كنا نطالب بالإبقاء على المكتسبات في إطار حربنا ضد الإرهاب، الذي مهما قلت مؤشراته، فمن الممكن أن يطل برأسه من جديد.
روايات غير أخلاقية
ما يثير الدهشة والريبة، بالنسبة لي أن إسرائيل قبلت أن تروج قصص غير أخلاقية عن مجنديها، وهم قتلى، حيث كان لموفد قناة ١٤ الإسرائيلية ،ايماءات حول أن المجندة القتيلة ليلة بن نون، كانت في وضع جنسي مع صديقها المجند، الذى قنصهما محمد في البداية.
وطبعا إسرائيل أخفت أي تفاصيل عن نوع إصابتهما إلا إنها كانت في الجزء العلوى ولم يردا عليه لأنهما لم يرياه أساسا، فلماذا قبلت إسرائيل التي تقدر جنودها جدا لحد مبالغ فيه، وفق ترويجاتها، هذه الترديدات غير الأخلاقية، خاصة أنهما في وقت الخدمة، وبعد وقت وجيز من الإعلان عن القبض على شحنة مخدرات كان يتم تهريبها بحوالي 2.5 مليون شيكل، أي حوالى 300ألف دولار، وفق الرواية الإسرائيلية، فهل كان هذا أسلوب احتفالهما؟.
إذا وماذا عن الأموال التي تردد أنها كانت في سيارات الدورية.. وبالمناسبة، مراسل القناة الإسرائيلية اعتذر عن هذا التصور ونفاه بالمرة فيما بعد، عقب أن قاد المتدينون ضد المجندة حملة ساخنة لدرجة أنهم أخفوا صورها، وتساءلوا عن مغبة خدمة المجندات مع المجندين، ولمدة 12 ساعة، والغريب إنهم تساءلوا فقط الآن، رغم أن جيش الاحتلال مشهور بحالات الاغتصاب والتحرش والابتزاز الجنسي.
حالة من الغموض
هناك حالة من الغموض في هذه التفاصيل، ولماذا رغم كل التكنولوجيا والنجاح المروج له إسرائيليا في نطاق إحباط عمليات تهريب المخدرات، فهم يعلنون تقريبا عن خبر إحباط أسبوعي، فلماذا لم يتم رصد غياب مجنديهما ولماذا انتظروا على انقطاع التواصل معهما كل هذا الوقت، وأين أساسا المهربون الذين أعلنوا عنهم والشحنة، التي كانت سبب الحادث من البداية، كل هذه تفاصيل نريد أن نعرفها، ويسلموا لنا تفاصيلها، كما طلبوا منا تفاصيل ما منها ما هو عن محمد وأسرته، وفق ما روجوا، في إطار التنسيق والتحقيق المتبادل.
مصالح إسرائيل المتضاربة
إجمالا، إسرائيل من مصلحتها أن تنهي الأمر بشكل أو آخر، وأتصور إنها تزيد أنشطتها الداخلية والسياسية وضد الفلسطينيين، لتوجيه الأنظار عن الحادث، حتى أن نتنياهو هدد المعارضة بنهاية إسرائيل في خضم المظاهرات المتواصلة على خلفية “مذبحة القضاء” لديهم بحرب أهلية غير مستبعدة، فقط في إطار توجيه الأنظار لملف آخر، وفق رؤيتي.
النتائج النهائية
لكننا نترقب النتيجة النهائية للتحقيقات، التي أمدوها لمطلع الأسبوع، بعدما كان المقرر لها الخميس، وهم لا يزالوا مصرون على إدانتهم لمحمد بالتخطيط والتعمد والتربص، ولا يعتبروه عملا عملياتي بالصدفة تفاعل فيه مع عملية تهريب المخدرات المعلنة، والتي أخفت تفاصيلها إسرائيل بعد ذلك، رغم البيان الرسمي المصري، وهذا في حد ذاته ضرب للتنسيق الأمني المتبادل، يجب الوقوف أمامه.
سرك معك يا محمد .. رحمك الله
رحمك الله يا محمد، وأتمنى آلا يكون بيننا محمد جديد، إلا وقت الحرب، كلنا سنكون أكثر من محمد بأضعاف أضعاف، لكن في وقته ومكانه.
ويجب أن يتيقظ أبناؤنا على الحدود، لأن هؤلاء المختلون الصهاينة لا شرف ولا أمان لهم، وكثيرا ما ارتكبوا جرائم على الحدود ضدنا، بالأسلحة وبالدبابات.
سرك معك يامحمد، الله يسامحك ويرحمك، ويقبلك بين الشهداء.