الابعاد المختلفة للوساطة العمانية للتقريب بين مصر وإيران.. ومن الرابح الأكبر؟
متابعة – فريق مطلع اليوم
مع تزايد المؤشرات على احتمالية استعادة العلاقات بين مصر وإيران زار السلطان هيثم بن طارق إيران بعد أيام على زيارته مصر ولقائه بالرئيس عبدالفتاح السيسي، في زيارة هي الأولى له منذ توليه مقاليد الحكم قبل أكثر من ثلاثة أعوام، وجهد دبلوماسي في فترة عصيبة على المنطقة، تشهد العديد من التغيرات .
هذه الزيارة تأتي وسط موجة مصالحات إقليمية تخييّم على المنطقة، كان أبرزها المصالحة بين السعودية وإيران برعاية صينية، وعودة سوريا لـ”جامعة الدول العربية”، ومؤخرا نجحت عُمان في الوساطة بين بلجيكا وإيران لحل قضية المواطنين المحتجزين في كلا البلدين. إلى جانب تفاؤل بحلحلة ملف الأزمة اليمنية، وأنباء عن تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران بشأن استئناف المفاوضات النووية المتعثرة.
تفاؤل إيراني
ثمة تفاؤل إيراني بإعادة العلاقات مع مصر التي تبدو هادئة في هذه الخطوة، ومع ذلك، أيّدت آراء كثيرة حقيقة أن العلاقات بين البلدين والتي قُطعت قبل عقود، يمكن أن تعود خلال الفترة المقبلة.
من هنا تبرز عدة تساؤلات حول نجاح مبادرة سلطنة عُمان للتقارب بين مصر وإيران، وأسباب رغبة طهران في التقارب مع القاهرة، خاصة في هذا التوقيت لا سيما وسط المتغيرات الإقليمية الدولية، وفرص التحسين الفعلي للعلاقات بينهم والعقبات التي تقف في طريق ذلك، وفي حالة حدوث تقارب حقيقي بين البلدين، فعلى أي مستوى يمكن أن يكون كبداية، وما هي شروط وأهداف كل طرف، وما هي ردود الفعل الإقليمية والدولية، حيال ذلك؟
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، قد أعلن عن دعمه لنهج حكومة إبراهيم رئيسي بالتقارب مع دول الجوار والدول الإسلامية البعيدة، بالإضافة إلى دول تتشارك مع طهران في التوجهات، وأضاف خلال لقائه هيثم بن طارق، ان إيران ترحب بإعادة العلاقات مع مصر، حسب وسائل إعلام رسمية إيرانية.
إيران تسعى منذ وقت طويل لتحقيق اختراق لهذا التصدع في العلاقات مع الدول العربية وخاصة مصر، وهناك حاجة لتحريك الماء الراكد واستعادة العلاقات مع مصر والتّقرب منها لما له من مركزية في الفكر الإيراني، نظرا لاعتبارات خاصة بقوة مصر على المستوى السياسي والثقافي والديني والإقليمي والعربي، وقد شوهد ذلك في العديد من التصريحات على المستوى الرسمي ومن قبل المسؤولين الإيرانيين في فترات زمنية سابقة، خاصة منذ توقيع الاتفاق الإيراني السعودي.
لذلك فإن حديث المرشد الأعلى عن إعادة العلاقات مع مصر باعتباره قوة وذات مكانة دينية وسياسية للثورة الإيرانية، تأكيد لهذا المعنى في أهمية مصر في الفكر الإيراني، وهي حالة إصرار إيراني على فتح علاقات أكثر اتساعا مع القاهرة.
وبالتالي فإن هذه التصريحات في ظل زيارة عُمان تؤكد هذه الأولوية والوساطة العُمانية مهمة في الفترة المقبلة لتحقيق هذا التقارب بسبب العلاقات الجيدة بين عُمان مع كل من مصر وإيران.
في ظل عدد من الرسائل الإيجابية والتصريحات المتتالية، وبالطبع مع إدراك إيران تدرك جيدا بأهمية دور مصر الكبير في المنطقة، وستحقق طهران مكاسب كثيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، إذا ما تم بالفعل عودة للعلاقات بين البلدين، في إطار رغبتها بالتقارب مع القاهرة.
العلاقات بين القاهرة وطهران ظلت مشحونة في أغلب الأحيان خلال العقود الماضية، على الرغم من أن البلدين حافظا على الاتصالات الدبلوماسية، وفقا لـ”رويترز“.
فرص عودة العلاقات
خلال الفترة الماضية كانت هناك اتصالات محدودة بين البلدين، حيث التقى وزير الخارجية سامح شكري مع نائب الرئيس الإيراني علي سلاجقة في نوفمبر الماضي، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لأطراف اتفاق المناخ “كوب 27” الذي أقيم بمدينة شرم الشيخ. وتاليا التقى الرئيس السيسي بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على هامش مؤتمر “بغداد 2” الذي أقيم في الأردن، وأعقب ذلك إعلان الوزير الإيراني أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اقترح إطلاق حوار مصري إيراني.
الفرص
هناك فرصا كثيرة لعودة العلاقات بينهما، وهذه الفرص لها ما يدعمها، ومنها الاتفاق السعودي الإيراني، إلى جانب عدد من المتغيرات في المنطقة ودخولها لمرحلة جديدة، إذ إن هناك العديد من الدول التي تتقارب علاقاتها بعد العداء الشديد فيما بينها، ورغم أن هذه العلاقات في مرحلة التقييم إلا أن هناك الكثير من الأمور والتفاصيل.
وكان قد تأخر التقارب المصري الإيرانى مراعاة لغضب بعض الأطراف مثل السعودية، ولكن منذ الاتفاق السعودي الإيراني أصبح هذا الإحراج معدوما.
وبالتالي فإن هذا سيعزز فرص التقارب المصري الإيراني. هناك أيضا حالة إعادة تشكيل القوة، وهندسة المصالح، أو ربط التوازنات وخيوط العلاقات على المستوى الدولي.
المعوقات
إلا أن الحديث عن حدوث تقارب ليس بالأمر السهل، وذلك لاعتبارات عديدة تتمثل في طبيعة الرؤية المصرية للجانب الإيراني، حيث يعتقد الأول أن طهران دولة أيديولوجية ولها موضوع مهم في سياساتها الخارجية مثل تصدير الثورة وانتشار ميليشياتها في العواصم العربية وتهديد أمنها واستقرارها.
الاستقطاب
كما أن مصر تدرك جيدا من خلال أجهزتها الأمنية أن السفارات الإيرانية ونشاطها الدبلوماسي لا يخلو من محاولات استقطاب ونشر البعد الأيديولوجي واختراق المجتمعات من هذه الزاوية، كما حدث عام 2011 في محاولة لاختراق المجتمع المصري. وبالتالي فإن هذا الارتباط سيكون أحد الخطوط الحمراء للجانب المصري في قراءة وتقييم علاقاته مع الجانب الإيراني
على الرغم من التقارب السعودي والإيراني، إلا أن مصر لها سياستها الخارجية المستقلة، وإن كان ذلك بالتنسيق مع الدول العربية، مع مراعاة المصالح المشتركة، وهناك حالة تفاهم دائمة. فعلى الصعيد الاقتصادي، قد يكون هناك تطور في العلاقات مع طهران، لكنها قد تكون حذرة على المستوى السياسي، وقد لا ترغب في التعامل بشكل كبير مع إيران، تحسبا من تعكير صفو العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، رغم أنها ليست بهذا الشكل الكامل، ولكن على الأقل لن تنحاز لطرف إيران.
الأمل الإيراني
مطلع مايو، أعرب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، عن أمله في أن تشهد العلاقات مع القاهرة تطورا وانفتاحا جديا ومتبادلا، مؤكدا أن العلاقات مع القاهرة بين أولويات سياسات إيران الخارجية، كما كشف عن وجود دول لم يسمها تبذل جهودا وتشجع البلدين على رفع مستويات العلاقات الثنائية.
عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في “مجلس الشورى الإيراني” فدا حسين مالكي، ذكر أن هناك مفاوضات جارية في العراق وستؤدي في المستقبل القريب إلى استئناف العلاقات وفتح سفارتي البلدين، وتوقع أن يعقب تلك الخطوة لقاء بين الرئيس السيسي ونظيره الإيراني.
النفي المصري المتأخر
إلا أن رد مصر جاء هادئا ولم يكن به ترحيب، إذ نفى شكري أن ما تردد في الإعلام عن وجود مسار مصري إيراني، لافتا إلى أنه ليس له أساس من الصحة، وذلك بعد نحو أسبوع من تصريحات الوزير الإيراني، مؤكدا أن علاقات البلدين مستمرة كما هي عليه، وأن بلاده تتابع سياسات طهران وعلاقاتها بدول الخليج، وفي وقت سابق قال شكري إن القاهرة تتابع التطورات بالمنطقة وفي إطار هذا التقييم ستتخذ خطوات إذا رأت أنها تصبّ في مصلحتها ومصلحة أمنها القومي.
وهناك تصور ملموس إقليميا ودوليا بأن مصر ربما تفكر في عودة العلاقات بشكل معين، إذا ما كانت هناك نيّة استراتيجية لدى إيران في استعادة علاقات قوية في مراعاة مصالح وسيادة واستقلال الدول العربية من خلال سحب ميليشياتها من الدول العربية وغيرها من الأمور التي قد تكون مصر متحفّظة عليها.
وبالتالي هذه النّية الكاملة تبدو غير موجودة، فإيران تحاول الحصول على بعض المكاسب المرحلية والتكتيكية، وفي مرحلة ما قد تكون هذه العلاقات ليست في صالح مصر على المستوى الأمن المجتمعي والرهان السياسي.
اختبار نوايا
لذا فإن تقييم العودة والقرار المصري سيتطلب مزيدا من الوقت لاختبار النوايا الإيرانية لإثبات مبدأ حسن النية وأيضا لتحديد أبعاد وضوابط هذه العلاقات، لأنها لن تكون علاقات مفتوحة تماما في رأي سليمان، فقد تسير في مراحل معينة وتدريجية خلال الفترة المقبلة.
إذا ما حدث تقارب بين مصر وإيران، ربما يكون من حيث رفع المستوى الدبلوماسي، من خلال فتح السفارات أو مستوى أعلى من التمثيل بعيدا عن المكتب الخاص بطهران، والمستوى الآخر ربما يكون التعاون اقتصاديا، من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر استعادة “البنك الإيراني” في مصر بحيث تكون عند مستويات معينة وفق مصالح مصر.
أما من ناحية دخول الإيرانيين للمزارات الدينية وبعض الأمور الخاصة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية الكاملة، حيث سيكون محط دراسة وإعادة نظر من الجانب المصري ولن يكون اتخاذه سهلا في الفترة المقبلة.
على اعتبار أنه سبق لسلطنة عُمان أن قامت بوساطة بين طهران وواشنطن في الفترة التي سبقت إبرام الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني لعام 2015 بين طهران وست قوى دولية كبيرة. وغالبا ما يُنظر للدور الإيجابي الذي تلعبه لتقريب وجهات النظر بين إيران ودول خليجية وعربية، كما تضطلع السلطنة بدور الوساطة في الملف النووي الإيراني، وكانت منصة لتبادل الرسائل بين طهران والولايات المتحدة، فإن وساطتها في التقارب بين طهران والقاهرة ربما تأتي بنتائج إيجابية في سبيل إعادة العلاقات بين الجانبين، وفق ما ترنو إليه مصر وتتطلع إليه من إرساء للأمن والاستقرار بالمنطقة.
تصريحات خامينئ
بيد أن تصريحات المرشد الإيراني الأعلى، تأتي في ظل حركة تقاربات في المنطقة، أبرزها الاتفاق الذي رعته الصين بين السعودية وإيران، في العاشر من مارس الماضي، على استئناف العلاقات الدبلوماسية، بجانب عودة سوريا لـ “جامعة الدول العربية”، وتحركات من أجل تقارب بين تركيا مع مصر، ومع الحكومة السورية أيضا.
التطور في الموقف الإيراني تجاه مصر، جاء بعد مباحثات بين سلطان عمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة الأول للقاهرة، للمرة الأولى منذ تسلّمه السلطة في العام 2020، الأسبوع الماضي، حيث شهد التباحث حول قضايا رئيسية، بينها مسار تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية.
إذ باتت سلطنة عُمان تلعب دور الوساطة بشكل أكثر تأثيرا في المنطقة، لاسيما فيما يخص القضايا المرتبطة بإيران، فطالما أدت هذا الدور وآخر مشاهده صفقة تبادل سجناء بين طهران وبروكسل، وأيضا خلال المفاوضات النووية بين إيران وست دول غربية كبرى.
غير أنه لم يبدو واضحا بعد، إذا ما كانت القاهرة مستعدة في الوقت الحالي إلى استئناف علاقاتها مع طهران، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة تبادل السفراء كما حصل بين الرياض وطهران، والذي حافظت عليه مصر بمستوى رمزي طيلة سنوات القطيعة المستمرة حتى الآن، حيث إن التمثيل الدبلوماسي الحالي يقف عند وجود قائم بالأعمال، بدرجة سفير في كلا البلدين.
المرة الأولى
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها إيران عن علاقاتها مع مصر، بل سابقا ما بعد الاتفاق مع السعودية سرعان ما لوحت طهران إلى القاهرة، على الرغم من عدم إبداء القاهرة حماسا من عودة العلاقات بين الرياض وطهران، قبل أن تعرب في الوقت ذاته، عن تطلعها إلى أن يكون لهذا التطور بين الجانبين مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية.
امتدادا لموقف خامنئي، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بـ “مجلس الشورى” الإيراني، عباس كلرو، إن التطور الشامل للتعاون بين إيران ومصر كدولتين إسلاميتين مهمتين يصب في مصلحة المنطقة، وذلك خلال لقائه برئيس مكتب رعاية مصالح مصر في طهران، هيثم جلال، حسبما نقلت وسائل إعلام إيرانية.
المسؤول الإيراني، أشار إلى أن التاريخ الحضاري والثقافي الطويل الأمد، لشعبي إيران ومصر، سيكون منبرا مناسبا لتوطيد العلاقات الودية والشاملة بين البلدين، مضيفا أن طهران تبحث دائما عن التقارب بين المسلمين والدول العربية والإقليمية ودول الجوار، وأنها تسعى جاهدة لتحسين مستوى العلاقات وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، من خلال المبادرة من أجل تنمية التعاون مع الدول العربية والإسلامية.
وسط ذلك، فتحت قضية إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، الباب على تساؤلات عدة، منها ما التأثيرات والانعكاسات التي يمكن أن يتركها عودة العلاقات بين الجانبين، وإذا ما كان بالفعل هناك خطوات متسارعة نحو عودة العلاقات، أم أنها لا تزال قاصرة على تصريحات المسؤولين.
الوساطات
جهود إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، قد بدأت منذ أشهر، حيث كانت بغداد إبان عهد حكومة مصطفى الكاظمي قد بادرت في ذلك، بالتزامن مع وساطات عربية مثل الأردن وعمان، بالتالي أن كل هذه الجهود قد توجت في أكثر من لقاء بين القيادات المصرية الإيرانية.
المعطيات الحالية تشير إلى قرب استئناف العلاقات المصرية الإيرانية، لكن مع ذلك يبقى ذلك متوقفا على إعلان التوصل إلى اتفاق، مبينا أن ذلك مبني على رغبة متبادلة تحكمها الظروف الإقليمية والدولية، لاسيما بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية.
إيران باتت تعامل بشكل براجماتي في سياستها الخارجية، وأن هناك رغبة من قبل تيار الأصوليين المتشددين الذي ينخرط منه الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي، بالانفتاح على محيطهم، وذلك بغية تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية الدولية على بلادهم، مشيرا إلى أن نهج الانفتاح الذي تتبناه إيران حاليا، لا يقتصر على الدول العربية فحسب، بل أن طهران تحاول الانفتاح على الجميع، ومثالا على ذلك، اتفاق تبادل الأسرى الذي حصل مؤخرا مع بلجيكا.
ملفات متفجرة
على الرغم من تحسّن العلاقات بين إيران ومصر، لكن لا تزال هناك العديد من الملفات والقضايا التي تتطلب اتفاقا حولها، بخاصة فيما يتعلق بتوجس مصر من الأبعاد الأمنية وأنشطة الأذرع الإيرانية في المنطقة مثل العراق وسوريا وغيرها التي تحمل أبعادا أمنية بالنسبة للأمن القومي المصري، وذلك بالإضافة إلى قضية علاقة إيران بجماعة “الإخوان المسلمين” المصنفة إرهابيا في مصر.
إيران تدرك جيدا أن هذه الملفات تشكل توجسا لدى مصر، ولذلك في سياق رغبتها في إعادة تشبيك العلاقات مع محيطها، ستعمل مع مصر على التوصل إلى اتفاق بشأنها، كما حدث بين مصر وتركيا وقطر سابقا، ما يعني أن عودة العلاقات ستكون لها انعكاسات على المنطقة، بغض النظر عن أنها لا تبدو إيجابية أو سلبية بعد، وهذه الهواجس المصرية هي من ستمثّل المسار المحدد للعلاقات بين القاهرة وطهران.
النظام الإيراني يعيش تحت العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، ولذلك يحاول بكل ما يملك من جهود التقارب مع الدول العربية، والدليل على ذلك، أن مصدر التصريحات حول العلاقات الإيرانية المصرية، يصدر من جانب واحد فقط، وهو إيران.
الرسائل
الرسائل التي تحملها الرغبة الإيرانية في التقارب مع مصر، هي أن إيران تريد الاستفادة اقتصاديا من الدول التي تبنى معها علاقات، كذلك التمدد بشكل أوسع في المنطقة.
إسرائيل تمكنت من محاوطة إيران من كل الجهات تقريبا وباتت موجودة على حدودها بشكل تام، لذلك تريد إيران التقرب من الحدود الإسرائيلية من خلال إقامتها علاقات مع مصر، وإن كانت هذه العلاقات لا تعني شيء فعليا على هذا المستوى، لكنها فقط تريد أن تقول إنها موجودة على الحدود الإسرائيلية.
الدول التي تقيم علاقات مع إيران لا يمكنها الاستفادة منها اقتصاديا، وذلك لخضوعها للعقوبات الدولية، لكن إيران ومن خلال الالتفاف على العقوبات تحاول الاستفادة من اقتصاديات الدول العربية، وتعلن من خلال إعادة العلاقات، بأنها تمكنت من فك العزلة الدولية المفروض عليها، مؤكدا أن جميع علاقات الدول العربية مع إيران لم تأتي بنتائج إيجابية، لاسيما في ظل مساعي إيران بالتمدد في الدول العربية
أسباب التوتر
التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية يعود إلى أواخر عهد الرئيس السادات، منذ إطاحة “الثورة الإسلامية” بشاه إيران محمد رضا بهلوي، صديق السادات الحميم، ثم اتهامات القاهرة بالتوتر في اغتيال السادات وتمجيد قاتله ، بجانب مواقفها المتعارضة مع السياسات المصرية بملفات إقليمية عدة.
بالتالي، عملت إيران مؤخرا على تعزيز علاقاتها مع عواصم خليجية مثل الإمارات والكويت، بعد فتور خلال السنوات الأخيرة، وعلى هذا النحو، أرادت كسر الجمود بينها وبين القاهرة، تجاوز الخلافات العالقة، أملا في خلق محيط اقتصادي وسياسي لها.
نتيجة لتلك الرغبة، والإلحاح الإيراني، كانت مصر أعلنت في نهاية مارس الماضي، أنها ستسمح للإيرانيين الوافدين ضمن مجموعات سياحية بالحصول على تأشيرات عند الوصول، ولكن إلى جنوب سيناء البعيدة عن القاهرة والمدن الأخرى المكتظة بالسكان فقط، وذلك في خطوة تمهيدية لبحث إمكانية السماح لهم بزيارة أماكن أخرى في البلاد.
على مدار عقود كانت التوترات هي السمة الغالبة للعلاقات بين مصر وإيران، فمع ثورة يوليو 1952 في مصر، سادت علاقة شديدة التوتر بين شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان يمتلك علاقة نسب مع الأسرة المالكة في مصر.
كما كانت علاقة النظام الحاكم في إيران آنذاك قوية بالولايات المتحدة الأميركية، وهو ما سبب شقاقا كبيرا في العلاقة مع مصر جمال عبد الناصر على خلفية الصراعات بالمنطقة، وبعد رحيل عبد الناصر عام 1970، تقلصت التوترات مع وصول السادات إلى الحكم وتوجهه إلى المعسكر الغربي، والبدء في التعاون مع الشاه.
ثورة الخميني
لكن، ومع إطاحة ثورة الخميني بشاه إيران عام 1979 ولجوء الأخير إلى مصر، توترت العلاقات بشدة بين القاهرة والنظام الجديد في طهران، لدرجة تسمية شارع في إيران باسم خالد الإسلامبولي، أبرز منفذي اغتيال السادات في أكتوبر 1981.
وفي عهد الرئيس حسني مبارك، بدأت العلاقات في التحرك نسبيا إلى الأمام، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لكن الأمر لم يصل أبدا إلى الاستئناف الكامل حتى الآن.
مع وصول “الإخوان المسلمين” إلى الحكم في مصر في أعقاب احداث يناير 2011، بدا أن طهران والقاهرة في طريقهما إلى نسج علاقات دافئة أخيرا، خصوصا بعد زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى طهران عام 2013 لحضور القمة الإسلامية، في حين زار الرئيس الإيراني السابق، أحمد نجاد، مصر وتفقد مسجد الحسين في العاصمة المصرية القاهرة، وهو أحد أبرز المزارات التي يقصدها الشيعة في مصر، وواجهت زيارته انتقادات قوية آنذاك من معارضي “الإخوان”، غير أنه سرعان ما انتهت توقعات التقارب الشديد بسقوط نظام الإخوان، ليعود الحذر مرة أخرى إلى العلاقات.