سيناريو السقوط السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية كُتب له فصل جديد، محله الجغرافي المملكة المغربية، الانتخابات البرلمانية أتت محملةً برياح الهزيمة التي اقتلعت أغلبية حزب “العدالة والتنمية” من مقاعد البرلمان.
منذ انتخابات عام 2011 وجماعة الإخوان المرتدية- سياسيًا- رداء حزب “العدالة والتنمية” قد أعلنت سيطرتها على الحياة السياسية بعدما حصدت 107 مقعد من أصل 395 من مقاعد البرلمان، وشكلت الحكومة برغم المنافسة الشرسة من ائتلافين للأحزاب.
أما في انتخابات عام 2016 فقد تفوقت الجماعة على نفسها، واستكملت سيطرتها بعد الحصول على 125 مقعد من أصل 395، كي يحافظ “عبد الإله بنكيران” على منصب رئيس الوزراء معلنا عن استمرار السيطرة السياسية القوية لجماعة الإخوان في المغرب.
رياح الهزيمة لم تهُب بين ليلة وضحاها، بل ظهرت بوادرها منذ مارس 2017 عندما فشل “عبد الإله بنكيران”، ولم يستطع تشكيل الحكومة رغم مشاورات دامت 5 أشهر، فما كان من “محمد السادس” ملك المغرب إلا إعفاء “بنكيران” من منصبه.
طبقا للدستور وقع الاختيار على قطب إخواني آخر؛ لتشكيل الحكومة بديلًا عن “بنكيران’، هو “سعد الدين العثماني” الأمين العام الأسبق، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ووزير الشئون الخارجية في حكومة بنكيران الأولى.
على ما يبدو أن كل ما هو عثماني لا يأتي بخير، الحكومة الائتلافية التي شكلها العثماني فشلت في إرضاء طموحات مواطني المغرب بعد وعود خلابة سمعوها مرارًا وتكرارًا من قادة جماعة الإخوان المسلمين خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد المستشري في بدن الدولة المغربية.
دستور عام 2011 خصص بابًا كاملًا عن الفساد ومحاربته، وبرلماني 2011، و2016 ذي الأغلبية الإخوانية لم يتفاعلا كثيرًا مع هذا الباب وكأنه نسيًا منسيًا، مماطلة على مدار 10 سنوات في سن القوانين، والتشريعات اللازمة، قوانين صدرت ولم تفعّل، حتى تحولت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلى حبر عطن الرائحة على ورق خشن الملمس.
القشة التي قسمت ظهر بعير العدالة والتنمية (من وجهة نظري)، هي تعامل حكومة العثماني مع المظاهرات والإضرابات المنادية بالحد الأدنى من المعيشة الكريمة بعد فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي أقرته الحكومة؛ لإنهاء الإضرابات تفتق ذهن الحكومة عن الخصم من مرتبات، ومعاشات الموظفين كنوع من أنواع العقاب.
هنا سقطت ورقة التوت الأخيرة عن جماعة الإخوان المغربية، الجماعة التي نظمت المظاهرات، والإضرابات قبل 2011 لمواجهة الفساد والمطالبة بالمعيشة الكريمة، هي نفسها الجماعة التي رفضت تنظيم المعارضين لها للمظاهرات، والإضرابات للأسباب القديمة نفسها.
10 سنوات عجاف هو الوصف الأدق لفترة حكم جماعة الإخوان في المغرب، ظهرت بوادرها في انتخابات النقابات الأخيرة، وسقوط كل من له علاقة بالإسلام السياسي، وجاءت “القاضية ممكن” في انتخابات البرلمان التي أجريت أمس بعدما انخفض تمثيل الجماعة من 125 مقعد إلى 12 مقعد فقط.
أن تأتي متأخرًا خيرُ من ألا تأتي أبدًا، وبعد 8 سنوات تلحق المغرب بالقطار المصري، الذي انطلق عام 2013 مارًا على السودان، وليبيا، وتونس، وفلسطين، لا يهم هنا نوع الشعار المرفوع، أو الوصف المستخدم، أو الآلية المتَبعة، ما يهم فقط أن القطار “صُنع في مصر”.