أسامة كامل يكتب: الحوار الوطني بين الواقع والخيال.. هل يستمر؟!
بقلم: أسامة كامل
حينما أعلن الرئيس السيسي دعوته للحوار الوطني منذ أكثر من عام .. تصور البعض أنه نوع من أنواع الامتصاص للغضب الشعبي و الكدر الجماهيري و دعوات وصيحات قوي عديدة غير محسوبة علي الإخوان أو الجماعات الراديكالية و بعض التيارات المتطرفة.
و رغم أن المنوط به هذه الدعوة أنماط تقليدية ممثلة في بعض الأحزاب المهجنة غير ذي موقف و لا قواعد شعبية مؤثرة .. اللهم إلا تمثيل في البرلمان المصري الذي عليه علامات استفهام كثيرة و كبيرة، فهو محسوب على الحكومة لا عليها، و قد شكل علي عجل من عناصر تقليدية و عائلات معروف انتمائها و توجهها الدائم مع كل قيادة تجلس علي الحكم.
و لذلك سوف تجد بعض هذه العائلات يمتد تاريخها من عهد الملوك فؤاد و فاروق إلي عصر ناصر و السادات و مبارك و السيسي، وهذا ليس مدعاة للمفاجآت السياسية و الاندهاش.
كل هذا وسط ضجة و مظاهرة إعلامية صحفية مشكوك في صدقها و موضوعيتها،أصبحت مدعاة لسخرية البعض برموزها و برامجها الممجوجة.
و لكن لابد من ذكر أن من أوكل إليه هذه المهام هو ضياء رشوان نقيب الصحفيين السابق و مدير مركز الاهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية و رئيس هيئة الاستعلامات، أحد الشخصيات المحايدة والمقبولة و المعقولة و لايزال يستحوذ علي ثقة جمهور ليس بالقليل.
ومعه الخبير و المستشار محمود فوزي وعدد من كوادر الأكاديمية الوطنية للتدريب و طبعا مؤسسة الأهرام وروزاليوسف العريقتين.
و أصبحت أنباء الحوار الوطني روتينية.. في نشرة الأخبار ..و تنظيمات و تخصصات و إجتماعات فرعية و رئيسية.. و كان علينا الانتباه أنها تضم أسماء و شخصيات معروفة، و لا تدور في فلك الحكومة كما يفعل آخرون، أظن أنهم استبعدوا من منظومة الحوار الوطني حتى لا يفقدون المصداقية في عمل تحسن الدولة به صورتها وسط أزمة اقتصادية خانقة و حصار مالي داخليا وخارجي واضطرابات فظيعة على كل حدود مصر، في ليبيا و السودان و فلسطين، وحتى بعيدا في سوريا و اليمن و أحيانا العراق وحتي تونس.
كان لابد من فتح طاقة نور في مفترق الطرق.. بعدما علت صيحات المراجعة.
و لقد وجهت الدعوة لحضور المؤتمر الأول للحوار الوطني لبعض الأحزاب والشخصيات غير المحسوبة على الحكومة و أظن أني شخصيا والحزب الذي أتشرف برئاسته بانتخابات حرة مباشرة، الحزب العريق “مصر الفتاة” تم توجيه الدعوة لنا علي غير العادة، و حينما أعتذرت، لم يكن هذا مقبولًا من أخي و زميلي ضياء رشوان رغم أنني كنت خارج مصر، و دعيت على عجل.
و كان هذا مصدر ترحاب من القليل و غضب و نفير من الكثير، الذين يعرفون موقفي المعلن و رأيي الواضح الصريح في كثير من قضايا الوطن بدون لف و لا دوران و بدون مصلحة أيضا.
و البعض كان يشفق و يخاف علي بجد واعتمدت علي الله و ارتديت بدلة سوداء و حذاء أسود و أيضا كرافيت سوداء والحقيقة كان الإجتماع الأول حدثا لا يتكرر.
ورأيت أسماء و شخصيات قديمة و عريقة و أصحاب مواقف مشرفة و بعض السياسيين التقليديين، و بعض الشباب الذي خرج من السجن و المعتقل طازجا و هو أمر يدعو للتعجب، و أيضا بعض الأسماء و الشخصيات التي عليها علامات استفهام؟!
و بعض أعضاء البرلمان غير المرحب بهم وأيضا بعض رجال الأعمال المتسببين في كوارث و أزمات مصر و لا أعرف هل حضورهم ليسمعوا انتقادهم بآذانهم أم ليدلوا بدلوهم أو استخدامهم كرسي في الكلوب.
و طبعا معظم الإعلاميين حتي البعض الذي فقد مصداقيته، حضروا بمنتهي الغرابة، و رغم التنظيم الذي يحتاج لتنظيم
و كنت أتمنى أن تكون هناك شركة متخصصة في تنظيم المعارض والمؤتمرات الدولية تتولى كل هذه الفرعيات لكن يبدو أن الميزانية لا تتحمل كل هذه الأعباء وبدأت الجلسات بعد حين و تحدث ضياء رشوان و محمود فوزي، واستعرضا أعمال السنة و الفرعيات و الاداريات غير المهمة للحاضرين طبعا، ثم كانت كلمة الرئيس المتلفزة و أمله في هذا المؤتمر و عقل وفكر الحاضرين و الحرية و الديمقراطية و الجمهورية الجديدة، في حضور الدكتور مدبولي رئيس الوزراء و بعض الوزراء، والحقيقة لم يكن هناك أية ضرورة في حضورهم الذي لم يستغرق دقائق معدودة على طريقة “خالتي عندكم لاء ماجتش”!
ووقف عمرو موسي (٨٦ سنة) بهدوء وثبات و شخصية ذات قبول و حضور دبلوماسي مخضرم رجل دولة من الطراز الأول شكلا و موضوعا، و توقعت خطاب مجاملة تقليدي مع بعض “الحبشتاكانات”
و لكن استطاع الرجل الذي شغل مناصب رفيعة في توقيت بالغ الأهمية أن يشد انتباه الجميع.
و سرد كل ما يجول في فكر و رأس أي أحد، و ما لا يستطيع معارض أيا كان أن يفكر فيه بينه و بين نفسه.
و تحدث طويلا عما يشغل بال مصر و المصريين.. منتهى الوضوح و الحماس و الأدب و اللغة العربية السديدة.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، تحدث حديث رجل كان يرأس لجنة الخمسين التي وضعت الدستور الحالي في ٢٠١٤.
قال عن الانتقال السلمي و المدني للسلطة، وهو أمر لو تعلمون خطير و بالغ الدقة والحساسية، وتحدث عن تغيير السياسات و الوجوه والمشاكل و الأزمات التي يعاني منها المصريين، وطلب كشف حساب عن القروض و مصادر الصرف و التمويل و الأقساط و الفوائد.
تحدث عن دور القوات المسلحة في حماية الوطن أولا، و لا يزج بها في خضم الأعمال و المشروعات المدنية.
إن ما قاله عمرو موسي كثير جدا، حتي انتهي و وقف الجميع احترامًا لرجل قدم كشف حساب مشرف في نهاية طريقه مع السياسة و الدنيا.
مما أضطر رئيس الحكومة إلي مغادرة المؤتمر لارتباطه بالتزام عاجل كما أعلن ولكنه لم يتحمل أسئلة عمرو موسى و لم يضع نفسه موضع المضطر.. وبعده غادر كل الوزراء الذي لم يشعر أحد بوجودهم أو غيابهم.
و كذلك بعض أعضاء البرلمان و أظن أيضا بعض الموالين.
و أكمل حسام بدراوي ملاحظات و كلمات مثل الرصاص و توصيات لا تقل رصانة عن ما قاله عمرو موسي.
وأظن أنه ربما تكون هذه أول و آخر جلسة للحوار الوطني، لأن البعض لن يتحمل تنفيذ المطالب المتفق عليها من القوى السياسية المصرية، التي شاركت أغلبها في الحوار الوطنى.
الحوار الوطني عنوان كبير ربما للإصلاح السياسي و التغيير، و محاولة مبشرة لإعادة الثقة لدى قطاع كبير من الجماهير التي فقدت الأمل و الثقة في العديد من الثوابت و الرموز، و أيضا إعادة النظر في الإعلام و الصحافة المصرية، الذين أصبحوا عبئًا على النظام و الحكومة والدولة بشكلهم الحالي.. ربما طاقة أوكسجين لمنافذ و أنظار مصر والمصريين.
أتمني أن يستمر الحوار الوطني، شاملا جامعا حتي لو خرج البعض عن السيناريو المرسوم .
الحرية هي الحافز و هي الدرع الحامي لمجتمع تحمل أعباء الأزمات المتلاحقة، ورغم أن من ضمن المحظورات الدستور الذي تم العبث فيه و تغيير بنود ما كان لها أن تتغير، إلا أنني أطالب بدستور جديد وعصري، كما أطالب باحترام الدستور والقانون، و احترام حقوق الانسان والإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين لم يرتكبوا جرائم في حق الوطن، وإجراء الانتخابات الرئاسية و النيابية بشفافية و طبقا لقواعد القانون.
إن مصر تستحق منا أن نحافظ عليها فعلا لا قولا، مصر كبيرة و عظيمة، و تحيا مصر.
*المقال، يعبر عن رأي كاتبه.