زهران جلال يكتب: احترام الدستور.. حماية للمنظومة القضائية
شكلت قضية تحديث واستكمال البنية التشريعية توجها أساسيا للدستور المصري في جميع مواده وبنوده، وتبوأت المواد الخاصة بالعدالة القضائية مكانة كبيرة في دستور ٢٠١٤ وتعد من تشريعات الضرورة.
ولأن التشريع هو حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، ولأن القانون يحكم كل شيء ويرتفع فوق الأشخاص مهما علا قدرهم وارتفع شأنهم، فهو الفيصل بين الحق والباطل، والمباح والمحرم، والمصلحة والضرر والصحيح والباطل، وهو المعيار الذي يصنعه المجتمع على هدى معتقداته وقيمه وتقاليده لصيانة حركته للأمام، وحمايته من الفتن ومعاول الهدم والضلال وهو الأساس الصلب الذي تقوم عليه عملية الإصلاح الاجتماعي في شتى صورها.
ومن ثم يجب أن تعطى عملية سن القوانين أهمية بالغة وينظر إليها بأنها قمة الواجبات الوطنية التي تتطلب بحثا مضنيا ودراسة مستفيضة وتستوجب العمل لوجه الله سبحانه وتعالى من أجل الوطن، ولتحقيق الاستقرار في البنيان الاجتماعي والبعد عن الهوى والغرض.
ولذلك نصت المادة 186 من الدستور أن “القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان في عملهم لغير القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات ويحدد القانون شروط إجراءات تعيينهم وإعارتهم وتقاعدهم وينظم مساءلتهم تأديبياً، ولا يجوز ندبهم كلياً أو جزئياً إلا للجهات وفي الأعمال التي يحددها القانون، وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيدتهم ويحول دون تعارض المصالح ويبين القانون الحقوق والواجبات والضمانات المقررة لهم”.
وفي المادة 239 من الدستور المصري باب الأحكام الانتقالية “يصدر مجلس النواب قانوناً بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب الكلي أو الجزئي لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائي أو لإدارة شؤون العدالة أو الإشراف على الانتخابات، خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور”.
وتعني المواد الدستورية على أن انتداب القضاة سواء الكلي أو الجزئي إلا في حالات محددة، مثل وجودهم في الهيئة الوطنية للانتخابات الخاصة بالإشراف على الانتخابات أو في إدارة شؤون التشريع وما يتعلق بها أو في إدارة شؤون العدالة أو التفتيش القضائي أو في بعض الحالات مثل العنصر القضائي في المزايدات والمناقصات ،كما أن الدستور منح مهلة للمنتدبين الحاليين بتصفية وإنهاء انتدابهم وأعمالهم خارج القضاء في مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ إقرار الدستور أي منذ ثلاثة أعوام أي في نهاية عام ٢٠١٩ كان لزاما أن يتم إنهاء ندب القضاة إلا في الجهات التي حددها القانون.
وأراد المشرع بهذه النصوص الحفاظ على استقلال القضاء وتفرغ القاضي للعمل في القضايا المتداولة في المحاكم والفصل فيها.
ولما لهذا التشريع من أولوية قصوى وضرورة حتمية فكان لزاما على مجلس النواب سن مشروع قانون تنظيم ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية ” وخاصة بعد أن انتهت وزارة العدل في مارس الماضي من إعداده ومهيأ لاتخاذ إجراءات استصداره، بغض النظر عن تجاوز مدة الخمس سنوات المحددة لإصدار القانون.
وأصبح النص الدستوري مهملا خلال الأعوام الماضية، بالرغم من توجيهات وتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي وجه بها مع القرارات التاريخية لتنظيم المنظومة القضائية التي اتخذها في اجتماع المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية في أواخر عام 2021، وبدلا من تنظيم الندب من خلال كتاب دوري من رئيس مجلس الوزراء وتفويض وزير العدل بالموافقة على الندب، لتقليص إعداد أعضاء الجهات والهيئات القضائية المنتدبين لدى الوزارات والمصالح الحكومية ولأكثر من جهة مما أدي الي تكبد خزانة الدولة مكافآت مالية كبيرة يتقاضاها المنتدبين، بالإضافة إلى مخالفة النص الدستوري.
وتعطيل الفصل في القضايا المتداولة بأروقة العدالة، وعدم الالتزام بالقرارات الصادرة من المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم ندب العضو القضائي في أكثر من جهة ووضع سقف زمني.
ومما لاشك فيه أن الحكومة تسلمت مشروع القانون المعد من وزارة العدل تنفيذ لتوجيهات الرئاسية والكتاب المرسل من رئاسة الجمهورية رقم 26242 بتاريخ 29/11/2022 بشأن مشروع قانون تنظيم ندب أعضاء الجهات والهيئات القضائية، إلا أن مشروع القانون ترك بعض النصوص في المشروع غير واضحة مما أفقد المشروع أهدافه في حال صدوره ولم تتحقق غاية المشرع الأصيل في تنظيم الندب فلم يعرف مشروع قانون ” الحكومة” معني الندب الكلي أو الندب الجزئي الواردتين في المشروع ،و لم ينص على إلغاء الندب الكلي والجزئي كما الزم الدستور في مواده.
وكذلك عبارة “إنهاء الأمور القانونية” وكذلك “إدارة شئون العدالة”، وكأن هذه الجمل جاءت لتقنين الوضع القائم والاستمرار في ما هو كائن منذ زمن بعيد إذ أن العديد من أعمال ندب بعض أعضاء الجهات والهيئات الحاليين كمستشارين قانونيين في الوزارات والمحافظات والجهات الحكومية والجامعات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام وشركات القطاع العام والاتحادات والنقابات يمكن تصنيفها كأنشطة لإنهاء الأمور القانونية، لأن تلك الأعمال تهدف لتقديم الاستشارات القانونية بجانب ندب بعض الأعضاء لأكثر من جهة واستمراره في العديد من هذه الجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية دون سقف زمني محدد.
وأخيرا وليس اخرا احترام الدستور وتكليفات رئيس الجمهورية وتنفيذها التزام علي الجميع، فاحترام الدستور والقانون وقرارات الرئيس حماية للمنظومة القضائية.