ما هي المادة المظلمة؟
مادة مراوغة تتخلل أرجاء الكون وتتسبب في تأثيرات تجاذبية عديدة قابلة للرصد، لكنها تستعصي على الرؤية المباشرة.
ما المقصود بالمادة المظلمة؟ وهل لها وجود حقيقي؟
عندما ننظر إلى السماء في ليلة مظلمة، فإننا نلاحظ أنها مليئة بآلاف النجوم. وتشمل هذه الأجرام السماوية كواكب مجموعتنا الشمسية، والنجوم في مجرتنا، فضلًا عن جميع المجرات التي تبعد عنا مسافات بعيدة جدًا.
تُكوّن هذه الأجرام جميعا المادة الباعثة للضوء في العالم، ويمكننا من خلال استخدام أنواعٍ عديدة من التليسكوبات أن نرصد هذه الأجرام السماوية من خلال الضوء المنبعث منها.
يمكن لبعض التليسكوبات اكتشاف الضوء ورصده من على مسافة تقدر بملايين السنين الضوئية.
وتعمل جميع التليسكوبات عن طريق رصد الضوء واكتشافه في نطاق الطيف الكهرومغناطيسي، بداية من الضوء المرئي ووصولًا إلى الأشعة السينية، والذي ينبعث من هذه الأجرام السماوية.
يستخدم العلماء الأطوال الموجية المختلفة للضوء المرصود لتحديد معلومات أساسية عن الأجرام السماوية في عالمنا، مثل المسافات التي تبعدها عنا هذه الأجرام وأعمارها وأحجامها وأشكالها. بل ويستطيع العلماء أيضًا استخدام هذه المعلومات لفهم القوانين الكونية.
ومع ذلك، فهناك مادة في الكون لا ينبعث منها الضوء ضمن أي نطاق من الطيف الكهرومغناطيسي، وهو ما يعني أنه ليس بمقدورنا رصدها بتليسكوباتنا، وتجعلنا هذه الخاصية الفريدة من نوعها غير قادرين بالمرة على رصد هذه الأنواع من المادة، ولهذا السبب يطلق عليها العلماء المادة المظلمة.
المادة المظلمة لا ينبعث منها أي ضوء ضمن أي جزء في نطاق طيفها الكهرومغناطيسي، ولكن العلماء قد رصدوا وجودها عن طريق التأثير الواقع عليها بفعل الجاذبية.
ولا يزال علماء الفيزياء الفلكية غير متأكدين من ماهية المادة المظلمة، ولكنهم في الوقت ذاته يعلمون الكثير عن المواد التقليدية من خلال رصد سلوك المادة المظلمة مقارنة بغيرها من المواد.
فنحن نعلم أن المادة المظلمة تمثل نسبة 80% من الكتلة الكلية للمجرات، وهو ما يعني أن كمية هذه المادة الموجودة في الكون تعادل أربع مرات كمية المادة العادية، إن لم تزد عن ذلك.
ولكن، إذا كان من الصعب للغاية رصد المادة المظلمة، فلماذا يعتقد العلماء أنها موجودة في الحقيقة؟
الأدلة التي تدعم فرضية وجود المادة المظلمة:
المادة المظلمة تؤثر على حركة الأجرام السماوية.
تدور الكواكب الأقرب من الشمس مثل المشترى والزهرة حولها أسرع من غيرها من كواكب المجموعة الشمسية، وكلما زادت المسافة بين الكوكب والشمس، تقل السرعة التي يتحرك بها الكوكب.
وهذا بسبب انخفاض قوة الجاذبية التي تؤثر بها الشمس على هذه الكواكب. ومن ثم، تتحرك هذه الكواكب ببطء؛ حتى لا تدور بشكل حلزوني على نحو يجعلها تقترب من الشمس أو تبتعد عنها.
المادة المظلمة تعبث بحسابات كتلة المجرة
إن الدليل على وجود المادة المظلمة ليس جديدًا بالكامل، ففي عام 1933، كان عالم الفلك السويسري، فريتز زويكي، أول من اكتشف وجود هذه المادة في الكون. درس زويكي الضوء المنبعث من أكثر من ألف مجرة تمثل جزءًا من عنقود مجرات “كوما”، حيث حدد كتلة هذا العنقود من المجرات باستخدام طريقتين:
الأولى: استخدم سرعات المجرات، والتي حددها عن طريق قياس التغيرات التي تطرأ على الضوء المنبعث منها.
الثانية: حساب الكتلة على استخدام السطوع الكلي للعنقود.
وبمقارنة النتيجتين المحتملتين لكتلة هذا العنقود، وجد أن قياس الكتلة باستخدام سرعة المجرة يدلل على وجود كتلة أكبر بمئات المرات مقارنة بالكتلة التي وصل إليها باستخدام سطوع المجرة.
وحيث إن المادة الزائدة لم تكن تشع الضوء، قال زويكي: “لو تأكدنا من صحة هذا الأمر، فسنحصل على النتيجة المذهلة، وهي أن المادة المظلمة موجودة بكميات أكبر بكثير من المادة المضيئة” .
وبعد فترة زمنية وجيزة من هذا الاكتشاف، توصل العلماء إلى نتيجة مشابهة من مجرات عنقود العذراء.
ومع ذلك، فإن تقنيات القياس في تلك الفترة الزمنية، والتي لم تكن بنفس دقة نظيرتها الحديثة الموجودة حاليًا، إلى جانب الطبيعة المثيرة للجدل للنتائج، والتي تفيد بأن العالم تسيطر عليه مادة مظلمة غير معروفة، دفعت العلماء إلى رفض هذه النظرية، واستمر هذا الرفض حتى 50 عامًا تقريبًا.
المادة المظلمة تحني الضوء
اكتشف علماء الفلك طريقة لحساب كتلة الأجرام السماوية، مثل المجرات، وذلك باستخدام تقنية عرفت باسم تأثير عدسة الجاذبية.
تقوم هذه التقنية على حقيقة أن كتلة جسم ما تؤثر على كثافة الفضاء من حوله. عندما يسافر الضوء عبر هذا الفضاء الكثيف، ينحني.
ولتوضيح هذا الأمر، دعونا نتخيل ورقة مسطحة مفرودة. تمثل هذه الورقة الفضاء حينما لا تكون هناك أي كتلة بالقرب منه الآن، تخيل أننا وضعنا كرة بولينج على هذه الورقة.. نعلم أن الورقة ستغوص إلى أسفل بسبب الكرة، وستتسبب الكرة في انحناء الورقة على نحوٍ يماثل الكيفية التي تحني بها الكتل نسيج الزمان والمكان في الفضاء.
عندما يمر الضوء بالقرب من جرم في الفضاء، فإنه يسافر عبر السطح المنحني، وهو ما يتسبب في انحناء الموجات الضوئية، وكلما كانت الكتلة أكبر، كان انحناء الضوء أكثر، وبمساعدة هذه النظرية، يمكننا تحديد كتلة أي جرم سماوي عن طريق مراقبة كمية الضوء المنبعثة منه مباشرة قبل الانحناء.
تمكن العلماء باستخدام تأثير عدسة الجاذبية من تحديد الكتلة الكلية لعنقود “تجمع الطلقة”، شاملة المادة المظلمة. أن معظم كتلة هذا العنقود لا تتمركز في المكان الذي تصدر منه انبعاثات الأشعة السينية، وهو ما يعني أن معظم الكتلة ليست من المادة التي نراها.
ومن ثم، تتألف هذه المجرات من كميات كبيرة من المادة المظلمة أكبر بكثيرٍ مقارنة بمحتواها من المادة العادية.
ما الطبيعة المحتملة للمادة المظلمة؟
اكتشف العلماء بالفعل أحد أنواع الجسيمات التي تكون المادة المظلمة، ويعرف باسم النيوترينوات.
وهي جسيمات غير باعثة للضوء، على غرار المادة المظلمة، إلا أن هذه النيوترينوات لا تشكل إلا جزءًا من الكمية الكلية للمادة المظلمة، لأنها خفيفة جدًا، كما أنها كانت تتحرك بسرعة كبيرة جدًا عندما خُلّقت في بداية ميلاد الكون. ومن ثم، فيجب أن تكون هناك جسيمات أخرى لم تكتشف بعد ولكنها تدخل في تكوين المادة المظلمة.
ومن بين أكثر الجسيمات المرشحة في هذا الصدد جسيمان يعرفان باسم الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل وجسيمات الأكسيونات.
ولم يرصد العلماء أيًّا من هذين النوعين من الجسيمات حتى الآن، علمًا بأن الكثير من التجارب تُجرى في جميع أرجاء العالم بحثًا عنهما.
تشكل المادة المظلمة جزء كبير جدا من إجمالي المادة الموجودة في الكون.
يجري العلماء حول العالم الكثير من التجارب، مثل تلك التي تحدث في مصادم الهدرونات الكبير في سويسرا لتحديد طبيعة الجسيمات الصغيرة التي يمكن أن تدلنا على الظروف التي تكونت فيها المادة المظلمة.