الوقت الشبحي بين الحقيقة والخرافة.. “حقيقة قصة 3 قرون اختفت من التاريخ”..
سنة 1986 في مدينة ميونيخ الألمانية، اتعمل مؤتمر دولي عن علوم الآثار، والمؤتمر ده أثار الجدل في العالم وقتها لإنه كان بيناقش التزوير التاريخي اللي عملته الي حصل في وثائق القرون الوسطى، واتعرض فيه وثائق ومستندات كتير جدًا، وظهر ما يعرف باسم فرضية الوقت الشبحي التي تدعي بأننا لسنا فعليًا في القرن الواحد والعشرين.
فرضية الوقت الشبحي هي الفرضية التي تعتقد أن الفترة في العصور الوسطى بين 614-911 ميلادي هي فترة لم تحدث على الإطلاق، بل تمت إضافتها إلى التقويم السنوي إما عبر المصادفة، أو بسبب التفسير الخاطئ للوثائق أو عن طريق التزوير المتعمد من قبل الأشخاص المتآمرين في التقويم.
مؤسس هذه الفرضية هو المؤرخ الألماني الذي يدعى هربرت أليغ، وروج لهذه الفرضية في ثمانينات القرن الماضي، ويعتقد أن الملك شارلمان ليس حقيقيًا وهو من الأمور الكثيرة التي تمت فبركتها أثناء إعداد التقويم.
يعتقد هربرت أليغ أن هذه الفبركة تمت من قبل الإمبراطور الروماني أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني وقسطنطين السابع، ويعتقد هربرت اليت أن أوتو الثالث والبابا سلفستر الثاني كانا يعيشان في العام 700 ميلادي، لكنهم أرادا أن يعيشا في عام 1000 ميلادي، وذلك لأن أوتو الثالث أراد أن يكون عهده عام 1000 بعد الميلاد بسبب اعتقادات خاصة بالدين المسيحي، فقاما نتيجة لذلك بفبركة التوقيت وأضافا بطولات وهمية للملك شارلمان، إمبراطور الامبراطورية الرومانية، والذي عاش بين عامي 742 و814 ميلادي بالإضافة إلى شخصية الفريد العظيم الذي عاش بين 849 و899 ميلادي الذي حكم مملكة ويسيكس، ويعد كل منهم محض افتراء وخيال ولا وجود لهم في الحقيقة.
الأدلة التي استندت إليها فرضية الوقت الشبحي
استند هربرت أليغ في دعم فرضية الوقت الشبحي الى عدة ادلة، وهي أن الآثار التي تعود للحقبة الزمنية الواقعة بين عامي 614 و911 ميلادي قليلة للغاية، واستمرار العمارة الرومانية الأوروبية الغربية في القرن العاشر، مع أن الإمبراطورية الرومانية سقطت عام 475 بعد الميلاد، وهي فترة تمتد لأكثر من 400 عام.
ويعتقد المؤرخ الألماني، هربرت أن المؤامرة التي تمت حياكتها لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت حتى عام 1582 عندما قام البابا غريغور الثالث عشر بإصلاح التقويم اليوياني الذي فرضه يوليوس قيصر سنة 45 قبل الميلاد بالتقويم الغريغوري.
كان التقويم يزيد كل سنة بـ 10.8 دقيقة عن السنة السابقة، وقام البابا غريغوري بتعديل التقويم لأنه أراد التأكد من أن يتم الاحتفال بعيد الفصح في وقت الاعتدال في فصل الربيع، وبسبب ذلك، تمت إضافة 10 أيام للتاريخ والانتقال من 4 أكتوبر عام 1582 إلى 15 أكتوبر، ورأى هربرت أن الفرق كان 13 يومًا وليس 10 أيام كما اعتقد البابا غريغوري، وقد تراكمت على مدى 1600 سنة من التقويم اليوياني.
وفي عام 1986 تم عقد مؤتمر تاريخي في ميونخ، وكشف عن التزوير في وثائق تعود إلى مخطوطات القرون الوسطى من طرف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
كما بحث أليغ عن أدلة أخرى تدعم فرضيته، ووجد البعض منها مثل فجوة البناء في القسطنطينية بين عامي 558 و908 ميلادي، نتيجة لذلك يعتقد هربرت أن هناك 297 سنة ملفقة ولا وجود لها من الأساس.
اتباع فرضية الوقت الشبحي
ومن المؤيدين الآخرين لفرضية الوقت الشبحي جان هاردوين، الذي يعتقد أن المخطوطات الرومانية والآثار الرومانية تم تزويرها من قبل الرهبان البينديكتيين، ولكن حتى وفاته عام 1729 م، لم يقدم أدلة كافية تظهر ما الذي دفع الرهبان البينديكتيين للقيام بعملية تزوير كبيرة إلى هذا الحد، ولم يقدم أدلة علمية كافية تدعم هذه الاتهامات.
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد، بل دفعت فرضية الوقت الشبحي عالم الرياضيات الروسي أناتولي فومينكو إلى ابتكار نظرية جديدة وهي التسلسل الزمني الجديد، هذه النظرية شككت في التاريخ، ورأت أن الأمجاد البريطانية كانت لصالح روسيا.
وتدعي هذه النظرية ببساطة أن كل شيء حدث قبل عام 800 ميلادي (وحتى قبل عام 1000 ميلادي) غير حقيقي.. هل تعي حجم الاتهامات في هذه النظرية؟
والأمر الأكثر غرابة من هذه النظرية (التي يمكن إبطالها بسهولة من خلال دراسة علم الآثار) أن الشعب الروسي يميل إلى تصديقها، حيث أظهرت الإحصائيات أن 30% من الشعب الروسي يميل لتصديق التسلسل الزمني الجديد، والسبب ببساطة هو أن هذه النظرية تضيف أمجادًا أكثر إلى تاريخ روسيا مما هو عليه الحال في الحقيقة.
ومع الوقت في علماء ومؤرخين كتير انضموا للنظرية دي، منهم العالم الألماني “هانز أولريتش نيميتز” اللي نشر ورقة بحثية سنة 1995، قال فيها إن العصور الوسطى المظلمة دي محصلتش أصلًا، واستند في أبحاثه لدلائل كتير،
منها مثلًا إن الآثار اللي وصلتنا من الفترة المفقودة دي اللي هي بين سنة 600 لسنة 900 ميلادية، تعتبر شبه معدومة، وعشان كده أصلًا المؤرخين كانوا بيسموها “العصور المظلمة“.
وحتى أساليب البناء المعماري في الفترة التاريخية اللي جت بعدها، اللي هي حوالي سنة 1000 ميلادية، كانت هي هي تقريبًا نفس أساليب البناء بتاعت الإمبراطورية الرومانية اللي انتهت في القرن الخامس الميلادي!
فطبعًا مفيش سبب يخلي أساليب البناء دي تفضل موجودة وبتستعمل لفترة قريبة من الـ 4 قرون، ما بين نهاية الإمبراطورية الرومانية، وما بين القرن العاشر الميلادي، إلا لو كانت الفترة دي كلها أصلًا مزيفة، ومحصلتش من الأساس! وساعتها هيكون السبب المنطقي هو إن أساليب البناء الرومانية مكانتش لسه لحقت تختفي!
دحض فرضية الوقت الشبحي
لنعد إلى فرضية الوقت الشبحي، فعلى الرغم من أن هذه الفرضية مسلية، وغالبًا ما تكون الفرضيات التي تثير الجدل إلى حدٍّ بعيد مثيرة للاهتمام، وبالأخص في حال تلفيق بعض الأدلة التي تدعم هذه النظرية، لكن النظريات الخارجة عن المألوف تتطلب أدلة قوية للغاية وخارجة عن المألوف أيضًا، كما أن هربرت قفز إلى استنتاجه بسرعة واتبع نهجًا غير علمي في إثبات فرضيته.
إلا أن أغلب العلماء الذين درسوا العصور الوسطى يعد هذه الفرضية سخيفة ولا أساس لها من الصحة، لأن إليغ لا يملك معلومات كافية حول علم الآثار أو علم تحديد أعمار الأشجار، والذي يوفر أدلة قوية على أن هذه الفترة الزمنية موجودة وليست مفبركة كما يعتقد.
كما أن إليغ لا يقدم أدلةً كافية مثلًا على تطور الحضارات الأخرى مثل حضارة الصين، والهند وبلاد فارس في هذه الفترة الزمنية التي يعدها مزورة، كما أنه لا يملك إجابة ولا يستطيع تفسير العديد من الأمور الأخرى مثل انطلاقة وتطور البلدان الإسلامية وانتشارها عبر الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية.
لكن لا يمكننا أن ننكر أن فرضية الوقت الشبحي من الفرضيات المثيرة للاهتمام والمسلية للقراءة والاطلاع، أو يمكن القول بأنها من الفرضيات المجنونة التي ظهرت في وقت من الأوقات وأثارت ضجةً كبيرة، لكن من خلال الأبحاث يمكن إثبات أن هذه الفرضية خاطئة ولا يمكن الوثوق بها على الإطلاق.
وبرغم إن إثبات أو نفي النظرية محتاج دراسة أكاديمية كبيرة ومقارنة أديان وتواريخ، لكن يبدو الأمر سهل زمان على أي شخص إنه يزيف التاريخ والوعي الجمعي البشري كله، بمجرد شوية تزوير في الوثائق والتقويمات.
لو النظرية دي طلعت صح، فمعنى كده إننا هنكون عايشين في أكبر مؤامرة عرفها التاريخ البشري، من ساعة ما بدأ تسجيله!