تعريف العقل الباطن
العقل الباطن هو المكان الذي تُحفظ به التجارب والخبرات والأفكار وتختفي عن عقلنا الواعي ليبقى أثرها فقط.
العقل الباطن هو من يقوم بتخزين البيانات طيلة حياتنا وعلى مدى اليوم دون أن يستريح، ويضمن العقل الباطن أن يكون سلوكنا متوافقاً مع الأفكار والعواطف والتجارب والآمال والرغبات التي خزَّنها سابقاً، فإذا كان العقل الواعي مزارعاً فإنَّ العقل الباطن هو الحقل الذي يستقبل البذور ويعطينا الثمار، وإذا أعدنا النظر قليلاً بهذا الدور المهم الذي يلعبه العقل الباطن سنفهم أيضاً أهمية الرسائل التي نرسلها إلى العقل الباطن، وتأثير مخاطبة العقل الباطن على حياتنا بمجملها.
تقنيات التواصل مع العقل الباطن والتحكم بالأفكار
تعتبر مخاطبة العقل الباطن من أهم تقنيات العلاج الذاتي والعلاج المعرفي، وذلك يعود للتأثير القوي للرسائل التي نرسلها إلى عقلنا الباطن، والتي قد تتحكم بمسار حياتنا وطريقة تفاعلنا مع المواقف المختلفة.
ومع إدراكنا الزائد لكيفية تشغيل العقل الباطن وطريقة التواصل مع عقلنا الباطن، وإدراكنا لأهمية الحديث مع العقل الباطن وتأثيره على حياتنا؛ استطاع علماء النفس الوصول إلى مجموعة من التقنيات والقواعد التي تسهِّل التواصل مع العقل الباطن، وتساعد الإنسان على فهم ذاته بشكِّل أفضل والتحكّم بقوة عقله الباطن.
كيف أخاطب عقلي الباطن وأتواصل معه؟
وكيف يؤثر الحديث مع العقل الباطن على حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية وقدرتنا على تحقيق الأهداف؟
القواعد الأساسية في التواصل مع العقل الباطن
العقل الباطن لا يتوقف، إنه يعمل على مدار اليوم حتى أثناء النوم، بل أنه ينشط أثناء النوم في عملية معقدة من استرجاع البيانات وترتيبها وربطها معاً.
كما أن العقل الباطن هو المسؤول فعلياً عن تنظيم التنفس وحرارة الجسم وضربات القلب والعمليات الكيميائية وتناسق عمليات الجسم معاً في اليقظة والنوم؛ لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
وهنا تأتي أهمية التواصل مع العقل الباطن بشكل صحيح، حيث أن التواصل مع العقل الباطن هو المدخل الوحيد للاستفادة من ميزات العقل الباطن وتوظيف العقل الباطن ليعمل على تحقيق الأهداف المختلفة.
والتواصل هنا لا يقصد به الحديث فقط على الرغم أن الحديث والرسائل اللفظية بالغة الأهمية، وإنما يقصد به أيضاً ترتيب العادات والتجارب، وغيرها من التقنيات التي تدخل في إطار مخاطبة العقل الباطن.
طرق مخاطبة العقل الباطن
التواصل مع العقل الباطن ليس لغوياً فقط، بل هناك الكثير من الأمور التي تدخل في هذا الإطار، وأهم ما يجب إدراكه هنا أن العقل الباطن لا يفكر بشكل مستقل.
بمعنى أن العقل الواعي هو المدخل إلى العقل الباطن، حيث يتلقى العقل الباطن الأوامر والرسائل من العقل الواعي ويعمل على توظيفها وتنسيقها ليكون سلوكنا ملائماً ومتوافقاً مع هذه الرسائل والمعلومات.
وفي نفس الوقت ليس التواصل مع العقل الباطن سهلاً، لأنَّه لا يستقبل معلومات نخبره بها دون مشاعر سلبية أو إيجابية، وعادةً ما تكون الشحنات السلبية أكثر قوة على العقل الباطن من الإيجابية.
قواعد التواصل مع العقل الباطن والتأثير عليه:
- السيطرة على المشاعر السلبية قدر الإمكان
أول ما يجب فعله في رحلة التواصل مع العقل الباطن هو السيطرة على المشاعر السلبية، والسيطرة على الحديث السلبي مع الذات.
حيث يتأثر العقل الباطن بشكل كبير بالمشاعر القوية والعميقة، ويقوم بتسجيل الخطاب السلبي وترسيخه وجعله أكثر قوَّة وتأثيراً على حياتنا وأفكارنا.
من الأمثلة الجميلة التي يتم طرحها لطريقة تعامل العقل الباطن مع الخطاب السلبي هي أن العقل الباطن يشبه الملاك الحارس الذي يتبعك، فإن قلت له “وظيفتي مملة” يكتب هو “مللٌ في الوظيفة”، وإن قلتَ له “شكلي بشع” يكتب هو “شكلٌ بشع”… إلخ.
ثم يعمل في نهاية اليوم على تحقيق رغباتك التي وصلته على شكل رسائل مشحونة بالعاطفة.
- تكرار مفهوم التأكيدات الإيجابية:
التأكيدات الإيجابية جزء من لغة الدماغ، وهي مجموعة من العبارات والرسائل التي نقوم بتكرارها للتشجيع ورفع الاستحقاق.
التأكيدات الإيجابية لا بد أن تكون إيجابية مطلقة، فالتأكيدات الإيجابية لا تحتوي على أدوات نفي أو ظن مثل “لا، لكن، لن، ربما…إلخ”، بل تحمل كلمات إيجابية بالمطلق.
تستعمل التأكيدات الإيجابية الزمن المضارع، فكل أقوال النية تعتبر تأكيدات ضعيفة (التي تبدأ بـ سوف، قد، سأفعل، سأكون…إلخ).
التأكيدات الإيجابية لا تكون ظنيَّة، فكل العبارات التي تحتوي على ظن أو تردد تضعف من الرسائل الإيجابية للعقل الباطن.
- رفع الاستحقاق الذاتي في مخاطبة العقل الباطن
إن الوصول إلى خطاب صحيح وإيجابي مع العقل الباطن يحتاج ثقة عالية بالنفس ويحتاج إلى رفع الاستحقاق الذاتي، ففي كل مرة تعتقد أنك لا تستحق أو أنك لا تقدر؛ ترسل إلى عقلك الباطن رسالة سلبية تعطله من خلالها عن دفعك للتغيير والبحث عن فرص جديدة.
لذلك عليك العمل على رفع الاستحقاق بشتى الوسائل، من خلال الرسائل الخفية واللفظية والحديث مع الذات، ومن خلال الإنجازات الصغيرة التي تمهّد الطريق أمام الإنجازات الكبيرة، ومن خلال استخدام الكتابة والخيال والتصوُّر.
- الأهداف المحددة في التواصل مع العقل الباطن:
التفكير والتخطيط للأهداف من وظائف الوعي وليست من وظائف العقل الباطن، لذلك عندما تريد مخاطبة عقلك الباطن لا بد أن تقدم له أهدافاً واضحة ودقيقة تريد أن تحققها، وهو بدوره سيساعدك على الانتباه أكثر للفرص الممكنة والتي تساعدك في تحقيق أهدافك، ويساعدك على استثمار جهودك بالشكل الأمثل في سبيل الوصول إلى هدفك، وكلما كنت محدداً في مخاطبة العقل الباطن كلما كنت أكثر نجاحاً في الاستفادة منه.
- الروتين ومنطقة الراحة في العقل الباطن:
العقل الباطن يبحث دائماً عن منطقة الراحة المناسبة لك، والتي تبنى بواسطة الروتين الاعتيادي، فعندما تستيقظ كل يوم وتفكر بالمتاعب التي ستواجهك وتبدأ بموجة التذمر الروتينية؛ يضع عقلك الباطن هذه الأفكار أو الممارسة اليومية إن صح التعبير في خانة منطقة الراحة، يعتقد ببساطة أنك مرتاح للتذمر والشكوى كل صباح!، فيحفزك على تكرار التجربة كل يوم، ويقاوم كل محاولة للتوقف عن التذمر، لأنك أخبرته مراراً أن التذمر مريح لك.
عقلك الباطن يقاوم التغيير بطبيعته، ويساعدك على التمسّك بمنطقة الراحة الخاصة بك، وعندما ترغب بالتغيير لا بد أن تعيد إرسال الرسائل لعقلك الباطن ليغيِّر هو تصوره عن منطقة الراحة، مثلاً عندما تبدأ بنظام غذائي جديد لا بد أن تعاني في البداية، لكن سرعان ما يفهم العقل الباطن أنَّك تنتقل لمنطقة راحة جديدة ويساعدك على ذلك.
- عقلك الباطن يعمل طول الوقت
العقل الباطن يقوم بعمله على أي حال، سواء أرسلت له رسائل أو أهملت الفكرة؛ هو يعمل على كل حال، وكل ما تقوله أو تفكر به يتم تسجيله والاستفادة منه لرسم سلوكك وتفاعلك مع الحياة والعالم من حولك، وهنا تكمن أهمية التواصل مع العقل الباطن لجعله يعمل لمصلحتك.
- عقلك الباطن يتواصل مع العالم من حولك وليس معك فقط:
لست أنت وحدك من تنقل الرسائل إلى العقل الباطن، بل كل ما تسمعه أو تقرأه أو تشاهده، وكل ما يقال لك أو يجري أمامك؛ كلها رسائل تصل إلى العقل الباطن ويستخدمها في “برمجة العقل”، لذلك لا بد أن تكون حذراً بالتعامل مع الانتقادات والأشخاص السلبيين، وحذراً بانتقاء ما تود مشاهدته وقراءته، وأن تكون واعياً لتأثير الرسائل الخارجية على العقل الباطن بشكل سلبي أو إيجابي.
- تقنيات التواصل مع العقل الباطن والتحكم بالأفكار
– أساليب الاتصال بالعقل الباطن والتحكم بالرسائل التي تصل إليه:
مواجهة السلبي بالإيجابي:
لمواجهة التفكير السلبي، عن طريق الرد المباشر، فإذا قلت “لن أتمكن من إقناع الجمهور بأفكاري”، أطلق فكرة إيجابية مباشرةً وحاول أن تكون صادقة ومعبرة، “لا.. سأقنعهم وسيكون العرض مبهراً”.
الكتابة لمواجهة الأفكار السلبية:
تعتبر الكتابة تقنية مهمة لمواجهة الأفكار السلبية خاصة المزمنة والمستديمة، فإذا كنت تفكر أنَّك ستفشل في مقابلة عمل مثلا، قد يكون من المفيد أن تكتب في مكان ظاهر “سأنجح في مقابلة العمل القادمة”، هذا لن يكون سحراً، بل عقلك الباطن سيفتح بصيرتك على أسباب فشلك في المقابلات السابقة وسيساعدك على تجاوز المقابلة القادمة بنجاح، أما التفكير السلبي فهو يدفعك إلى الاستكانة وتكرار الفشل.
العقل الباطن لا يفهم النفي:
تجنب أدوات النفي واستخدام التأكيدات الموجبة، لأن العقل الباطن يتعامل مع النفي وكأنَّه تأكيد على نفس السلوك أو الفكرة.
الخيال والعقل الباطن:
تخيل أنك تقوم بحذف الفكرة السلبية، وتخيل كيف يتم إخراج ملف الفكرة السلبية وإحراقه أو تدميره، وهذا ينطبق على إدخال الأفكار الإيجابية للعقل الباطن، أيضاً تلعب أحلام اليقظة دوراً كبيراً في التواصل مع العقل الباطن، وتمارين اليوغا والتأمل أيضاً تعتبر مدخلاً ممتازاً لعقلنا الباطن.
العقل الباطن والرغبة:
الإصرار والرغبة على تحقيق الأهداف له تأثير على ما يحصل فعلياً أننا عندما ننصرف بشكل كامل نحو هدف ما ونضعه نصب أعيننا؛ يستنفر العقل الباطن بشكل كامل لتحقيق هذه الرغبة.
مراسلة العقل الباطن:
مراسلة العقل الباطن برسالة مكتوبة وكأنك تراسل شخصاً حقيقياً، اكتب الرسالة بصدق وإيجابية مطلقة، واقرأها كأنها وصلتك بالبريد، ويجب أن تتضمن الرسالة عرضاً للمشكلة التي تعاني منها، وعرضاً للحلول التي تفكر بها، ولرغباتك وتطلعاتك.
التكرار والعقل الباطن:
مهما كان الأسلوب الذي ستتبعه في التواصل مع عقلك الباطن، لا بد أن يكون متكرراً، فالإصرار على الفكرة نفسها وتكرار التأكيدات والرسائل الإيجابية يقود العقل الباطن إلى إعادة ترتيب منطقة الراحة الخاصة بك.
أخيراً… الجدير بالذكر أن كل شخص يمكنه ان يكون قادراً على تطوير مهارات وتقنيات خاصة به للتواصل مع العقل الباطن، لكنه بلا شك بحاجة لفهم وإدراك قواعد مخاطبة العقل الباطن وآلية عمله ليتمكن من وضع الآليات المناسبة له.