كتب: أحمد علي
تتمتع مصر بموقع جغرافي مميز، مكنها من أن تكون أحد أهم الأضلع الرئيسية في العالم عبر العصور، وأحد أهم محاور طريق الحرير الجديد، وفي التقرير أدناه نستعرض أحد أهم مشروعات القرن الواحد والعشرين، وهو طريق الحرير، من النشأة حتى الوقت الراهن.
يرى بعض المحللين أن المشروع ” BRI مبادرة الحزام والطريق” والمسمى قديما بطريق الحرير، هو إمتداد مقلق للقوة الصاعدة للصين، وبينما ارتفعت تكاليف العديد من المشاريع بشكل كبير، نمت المعارضة في بعض البلدان الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، خوفاً من أن مبادرة الحزام والطريق يمكن أن تكون حصان طروادة من أجل التنمية الإقليمية والتوسع العسكري بقيادة الصين، الذي سيجعل الصين قوة عظمى فعليًا تهدد الولايات المتحدة وأوربا تجاريًّا وعسكريًّا، فما هو طريق الحرير؟
• طريق الحرير الأصلي:
نشأ طريق الحرير الأصلي خلال التوسع الغربي لأسرة هان الصينية، التي أقامت شبكات تجارية مع دول آسيا الوسطى في أفغانستان وكازاخستان
وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، وكذلك الهند وباكستان المعاصرة إلى الجنوب، وامتدت هذه الطرق أكثر من 4000 ميل إلى أوروبا.
وهكذا كانت آسيا الوسطى مركز واحدة من أولى موجات العولمة، وربطت بين الأسواق الشرقية والغربية، وجمعت ثروة هائلة، واختلطت التقاليد الثقافية والدينية.
انتقل الحرير الصيني والتوابل واليشم وغيرها من السلع إلى الغرب بينما استلمت الصين الذهب والمعادن الثمينة الأخرى والعاج والمنتجات الزجاجية، بلغ استخدام الطريق ذروته خلال الألفية الأولى، تحت قيادة الإمبراطوريات الرومانية ثم البيزنطية الأولى، وسلالة تانغ (618-907 م) في الصين، لكن الحروب الصليبية، وكذلك تقدم المغول في آسيا الوسطى، ضربت التجارة، واليوم أصبحت دول آسيا الوسطى معزولة إقتصاديًا عن بعضها البعض.
• مبادرة الحزام والطريق في الصين (BRI):
والتي يشار إليها أحيانًا بأسم طريق الحرير الجديد، هي واحدة من أكثر مشاريع البنية التحتية طموحًا على الإطلاق.
أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، وستمتد المجموعة الواسعة من مبادرات التنمية والإستثمار من شرق آسيا إلى أوروبا، لتوسيع التأثير الإقتصادي والسياسي للصين بشكل كبير.
أعلن الرئيس شي المبادرة خلال زيارات رسمية لكازاخستان وإندونيسيا في عام 2013، وكانت الخطة ذات شقين: الحزام الاقتصادي للطريق البري وطريق الحرير البحري.
تمت الإشارة إلى الإثنين بشكل جماعي أولاً بأسم مبادرة الحزام الواحد والطريق الواحد ولكن أصبحوا في النهاية مبادرة الحزام والطريق.
إستثمارات الصين ورؤيتها للمبادرة:
تضمنت رؤية شي إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة والطرق السريعة والمعابر الحدودية المبسطة، سواء غربًا عبر الجمهوريات السوفيتية الجبلية السابقة، وجنوبًا إلى باكستان والهند وبقية جنوب شرق آسيا.
ووفقًا للرئيس الصيني فإن مثل هذه الشبكة “ستوسع الإستخدام الدولي للعملة الصينية”، و” تكسر عنق الزجاجة في الإتصال الآسيوي”.
قدر بنك التنمية الآسيوي أن المنطقة تواجه عجزًا سنويًا في تمويل البنية التحتية بما يقرب من 800 مليار دولار في الدول الـ65 المشاركة في مشروع (BRI)، والتي تمثل ثلثي سكان العالم.
بالإضافة إلى البنية التحتية المادية، تخطط الصين لبناء 50 منطقة إقتصادية خاصة، على غرار منطقة شنجن الإقتصادية الخاصة، التي بدأتها الصين في عام 1980 خلال إصلاحاتها الإقتصادية في عهد الزعيم دنغ شياو بينغ.
أعلن شي لاحقًا عن خطط لطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين في قمة عام 2013 لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في إندونيسيا، وذلك لإستيعاب توسيع حركة التجارة البحرية، ستستثمر الصين في تطوير الموانئ على طول المحيط الهندي، من جنوب شرق آسيا إلى شرق أفريقيا وأجزاء من أوروبا.
ويقدر المحللون أن أكبر مشروع حتى الآن هو الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني بقيمة 68 مليار دولار، وهو مجموعة من المشاريع التي تربط الصين بميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب.
وإجمالاً، أنفقت الصين بالفعل ما يقدر بنحو 200 مليار دولار على هذه الجهود، وتوقعت مؤسسة (مورجان ستانلي) أن تصل النفقات الإجمالية للصين على المبادرة من 1.2 إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027، على الرغم من أن تقديرات إجمالي الإستثمارات تختلف.
العوائد السياسية والإقتصادية لمصر من مبادرة الحزام والطريق:
تعتبر مصر مؤثر رئيسى في مبادرة الحزام والطريق بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها قادرة على تقديم الخدمات اللوجيستية للشرق الأوسط وأفريقيا.
وتعد مصر أحد أهم المحاور الرئيسية في مبادرة الحزام والطريق “طريق الحرير الجديد”، حيث أنه سيتم ضخ إستثمارات صينية بكل دولة يمر بها الطريق، وتنفيذ بنية تحتية بشكل يربط الصين بها، وهو بالفعل ما يجري تطبيقه بالمنطقة الإقتصادية لقناة السويس.
تعد قناة السويس أيضًا، الجسر الرابط بين طريقي الحرير البري والبحري بكل من أوروبا وإفريقيا وصولًا إلى الأمريكتين، أي أنها نقطة الوصل بين الصين والعالم، فـ بوجود قناة السويس أصبحت أهمية مصر في مبادرة “الحزام والطريق” كمحور لطريق الحرير بالشرق الأوسط.
محور إقليم قناة السويس سيكون مركزاً لوجيستيًّا للسفن والبضائع يخدم طريق الحرير البحري.
تسعى مصر إلى تعظيم دور الموانئ المصرية المرتبطة بطريق الحرير البحري لتكون محوراً إستثمارياً خصوصًا في تجارة الترانزيت والخدمات اللوجيستية والنقل متعدد الوسائط.
وذلك من خلال إنشاء مناطق إقتصادية مثل المنطقة الإقتصادية الصينية والروسية في منطقة قناة السويس الإقتصادية، وتطوير الموانئ المصرية على البحرين الأحمر والمتوسط وزيادة عددها.
فضلاً عن تحول مصر لمركز أقليمي لتداول الطاقة بإكتشافات الغاز؛ والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، والتداول التجاري من خلال مبادرة (BRI) الصينية.
وفي تقرير بحثي لمعهد “RAND” الأميركي الشهير درس إفرازات المبادرة الصينية في غرب آسيا على أكثر من صعيد، خصوصاً في قطاعات النقل والتجارة والطاقة.
وخلصت دراسة “راند” إلى إحتمال حصول زيادة في التجارة في مصر بنسبة تتجاوز 10 في المئة، في مقابل تأثير شبه معدوم في بقية الدول العربية، بما في ذلك دول شمال أفريقيا.
إضافة لما سبق فذلك سيضيف لمصر ثقل إستراتيجي فوق ثقلها الحالي، وذلك لأنها ستصبح أهم محاور طريق الحرير الجديد، ومركز عالمي وأقليمي لتداول الطاقة ضمن رؤية مصر 2030، وذلك إتساقًا مع مشروع الشام الجديد المنتظر بين مصر وسوريا والعراق والأردن، الذي سيحقق التكامل مع طريق الحرير الجديد.
وفي ظل آلام مخاض ولادة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب ستكون مصر قطب سياسي إقتصادي وعسكري كبير في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.