السيسي: يجب العمل على نظام تجاري متعدد الأطراف وأكثر عدالة
ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمته أثناء مشاركته في القمة العربية الصينية الأولى، والمنعقدة بالعاصمة السعودية الرياض بمشاركة قادة الدول العربية والرئيس الصيني شى جين بينج.
وجاءت كلمته كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي صاحب السمو الملكي / الأمير محمد بن سلمان
ولى عهد ورئيس وزراء المملكة العربية السعودية الشقيقة،
فخامة الرئيس/ شي جين بينج..
رئيس جمهورية الصــين الشعبية،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو..
ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية الشقيقة،
معالي السيد/ أحمد أبو الغيط..
أمين عام جامعة الدول العربية،
السيدات والسادة أعضاء الوفود،
الحضور الكريم،
﴿السلام عليكم ورحمة الله وبركاته﴾
اسمحوا لي، في مستهل كلمتي، أن أعبر عن الشكر والامتنان والتقدير للمملكة العربية السعودية، لكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وتهنئة المملكة العربية السعودية الشقيقة، باستضافة القمة الأولى، بين الدول العربية والصين.
الإخوة والأخوات،
نعلم جميعًا، ما يجمع دولنا وشعوبنا، من روابط ممتدة عبر التاريخ فدولنا المجتمعة اليوم، أسست الحضارة الإنسانية الحديثة التي نعيشها حين ترافقت الحضارات الفرعونية، وحضارة بلاد ما بين النهرين، وغيرها من حضارات منطقتنا العربية، مع الحضارة الصينية القديمة لتمثل شموسًا بازغة، لترشد الإنسانية في مهدها، وتساعدها على أن تخطو خطواتها الأولى.
وقد تعززت الشراكة بين شعوبنا وبلادنا، مع نهوض الحضارتين العربية والإسلامية فتلاقتا مع الحضارة الصينية العريقة، على قاعدة متينة وراسخة، من التواصل الإنساني والثقافي والتجاري بما كفل تبادل الأفكار، وتلاقي الثقافات فقدمت بلداننا، منذ فجر التاريخ إلى العالم، مفهوم الدولة الوطنية بكامل أركانها وتمسكت في سعيها نحو التقدم الحضاري، بالتوازن بين الجانبين المادي والروحي للوجـود الإنساني ثم خضنا معًا في التاريخ الحديث، معارك متعددة، من أجل التحرر والاستقلال السياسي، ومن أجل التنمية وبناء الاقتصاد ومازلنا نعمل، على إقرار نظام عالمي أكثر عدالة، يتأسس على القيم الإنسانية وقواعد القانون الدولي وصولًا إلى التعاون “العربي – الصيني” المثمر، من خلال “المنتدى العربي – الصيني” وآلياته المختلفة، الذي يجمعنا اليوم.
ولقد تأسس التعاون العربي الصيني، على تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية، وتعزيز التعاون “جنوب/ جنوب” وتقديم أولويات حفظ الأمن والسلم الدوليين وصيانة النظام الدولي، المرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات الدولية والإقليمية واحترام خصوصية الشعوب وحقها في الاختيار، دون وصاية أو تدخلات خارجية ورفض التسييس لقضايا حقوق الإنسان وتعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات والتعاون في مواجهة تحديات التغير المناخي وتفشي الأوبئة وانتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة، كلما وجدت.. وأينما كانت.
على تلك الأسس، يكتسب اجتماعنا اليوم، رمزية وأهمية خاصة لاسيما في هذا التوقيت الدقيق، الذي يشهد متغيرات دولية، وأزمات عالمية متعاقبة، تلقي بتحديات بالغة الخطورة.
فأمام التحديات الجسام، ترتفع أهمية استدعاء كافة قدرات التعاون الكامنة، بين الأصدقاء والأشقاء لاسيما إذا كانت قائمة، على أسس صلبة للتفاهم والتنسيق، كتلك القائمة بين العالم العربي والصين.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لعل من أخطر ما يواجهه العالم – وبخاصة الدول النامية – اليوم، هو أزمة الغذاء وتبعاتها وهو ما يدفعنا لتوثيق الشراكة “العربية / الصينية”، في مواجهة هذا التحدي عبر تعزيز أطر التعاون متعدد الأطراف، لتطوير الاستجابة الدولية السريعة والفعالة، لحاجات الدول النامية والعمل في إطار التعاون “جنوب – جنوب”، لتطوير الزراعة والصناعات الغذائية ونقل وتوطين التكنولوجيا، وبناء القدرات وتحسين البنية التحتية في المناطق الريفية ونقل تكنولوجيا الزراعة ونظم الري الحديثة المستدامة.
ولقد أثقلت هذه الأزمات كذلك، كاهل دولنا وموازناتها الحكومية وهو ما يتطلب دفع المجتمع الدولي، لتخفيف عبء الديون على الدول، التي تعاني من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة مع العمل على تعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف، القائم على القواعد وإعادة صياغة أطر حوكمة الاقتصاد الدولي، والمؤسسات الماليـة الدوليـة، لتكون أكثر عدالـة وشفافيـة فتشمل الجميع، ولا تستبعد الدول النامية وتكون أكثر استجابة، للتحديات التي تواجهها تلك الدول وأن يعاد تركيز مهامها، على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفى القلب منها “القضــاء علــى الفـقـر”.
ورغم التحديات العالمية التي أشرت لبعضها، والاستقطاب الدولي الحاد، نجحت الرئاسة المصرية للقمة العالمية للمناخ COP-٢٧”” في إقناع المجتمع الدولي، بالتوصل إلى توافق حول عدد كبير من الأمور الحيوية على رأسها إنشاء صندوق الخسائر والأضرار والاتفاق على خطوات جادة، لتفعيل وتنفيذ التعهدات الدولية الخاصة بالتمويل إضافة إلى إجراءات التكيف والتخفيف، وذلك على نحو متوازن.
وإنني أثق في أن تعاوننا جميعًا، طوال فترة الرئاسة المصرية – سواء ثنائيًا أو من خلال “منتدى التعاون العربي الصيني” – سيكفل تنفيذ التعهدات الدولية الخاصة بالمناخ وعلى رأسها، تلك المتعلقة بالتمويل من جانب الدول المتقدمة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لقد تجسدت إرادتنا، في تعزيز التعاون المؤسسي المشترك، مع تدشين “منتدى التعاون العربي الصيني” عام ٢٠٠٤ وتبلغ اليوم تلك الإرادة ذروتها، باجتماع القمة العربية الصينية الأولى.
ولا شك أننا جميعًا، لن ندخر جهدًا، من أجل تعزيز ودعم الشراكات القائمة بيننا وعلى رأسها، الشراكة في إطار مبادرات “الحزام والطريق” و”التنمية الدولية”، وما تحمله من فرص، لتعميق التعاون العربي الصيني وزيادة فرص الاستثمار في مختلف المجالات.
وإنني أدعو الجميع اليوم، إلى اعتبار انعقاد هذه القمة، بمثابة علامة انطلاق جديدة، للتعاون الاقتصادي بين العالم العربي والصين حيث إن الصين، ورغم كونها بالفعل الشريك التجاري الرئيسي، لعدد كبير من دولنا العربية فضلًا عما يجمعنا، من تعاون استثماري جوهري إلا أن آفاق التعاون بين بلداننا، لازالت رحبة وبإمكاننا تحقيق المزيد والمزيد، في مجالات اقتصادية وتنموية وتكنولوجية عدة.
وإن آفاق التعاون العربي الصيني، وفرص تطويره لا تقتصر فقط على الشق الاقتصادي والتنموي بل تمتد إلى الآفاق السياسية والثقافية، فقد كانت السياسات الصينية المتوازنة، تجاه مختلف القضايا العربية بشكل عام وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص ودعم الجانب الصيني للحق الفلسطيني المشروع، في إقامة الدولة الفلسطينية، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها “القدس الشرقية” محل تقدير واحترام بالغين في العالم العربي.
ولقد بادلت الدول العربية تلك المواقف الصينية المتزنة والداعمة بمواقف مساندة للصين، ومتفهمة لقضاياها وشواغلها.
وإن هذا التقارب في الرؤى والمنطلقات، يشجعنا على المزيد من التنسيق، إزاء مختلف القضايا الدولية والإقليمية، ذات الأولوية لكل منا واستنادًا على قاعدة احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشئون الداخلية يمكننا التعاون لبحث سبل معالجة الأزمات، في سوريا وليبيا واليمن، وغيرها من الملفات وفى مواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وإنهاء معاناة الشعوب، وإحلال الأمن والسلام، وتقديم أولويات التنمية على الصراع والتنازع.
الإخوة والأخوات،
اسمحوا لي أن أعيد التأكيد مرة أخرى، على قضية، أثق أنها تؤرقنا جميعًا لما تحمله من قيود على التنمية وتفرضه من مخاطر، ترقى إلى حد التهديدات الوجودية ألا وهي قضية “الأمن المائي العربي”.
وإنني لهذا، أدعو إلى وضع هذه المسألة، على رأس أولويات تعاوننا المستقبلي، ضمن منتدى “التعاون العربي الصيني” وبحث كيفية التعاون لمواجهة هذا التحدي بمختلف الأدوات التكنولوجية والاقتصادية، والسياسية.
كما أنني أود، أن أجدد الدعوة للأشقاء في إثيوبيا، إلى الانخراط بحسن النية الواجب مع مصر والسودان، للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يؤمن للأجيال الحالية والمستقبلية حقها في التنمية ويجنبها ما يهدد استقرارها وأمنها وسلامتها.
وختامًا، أقول إنه بهذا التاريخ الفريد، الذي تميز به التواصل “العربي- الصيني” الإنساني والحضاري الدافق وبتعدد القواسم المشتركة في الرؤى والمفاهيم وبما يضمه “منتدى التعاون العربي – الصيني” من آليات، وبرامج ومقترحات فكلي ثقة، أن انعقاد قمتنا الحالية، سيعطي دفعة ملموسة للتعاون “العربي/ الصيني” بكافة صوره وأننا حين نجتمع مجددًا في المستقبل القريب، سنكون قد أنجزنا الكثير وقطعنا أشواطًا إضافية، في مسارات التعاون بيننا.
وفقنا الله جميعًا لما فيه الخير..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته