كتب: أحمد علي
قناة سيزوستريس… أول قناة مائية في التاريخ حفرها المصريين القدماء قبل 4000 عام
هي أول قناة مائية في التاريخ يتم حفرها لإنشاء أول ممر مائي في العالم يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر من خلال نهر النيل، حُفِرت القناة في عهد الملك المصري المُظفر “سونسرت الثالث” الأسرة الثانية عشر، عام 1850 ق.م تقريباً، وسُميت سيزوستريس وهو الأسم الأغريقي للملك سونسرت الثالث.
إمتدت القناة من الفرع البيلوزي من دلتا النيل بالقرب من مدينة باستيت بالزقازيق بالشرقية من أحد أذرع النيل المندثرة بالدلتا، لتصل إلى البحيرات المرة، ثم إمتداد آخر لها سُمي بـ “كبريت” يمتد من البحيرات المرة حتى خليج السويس في مدينة السويس، الذي تم إنشاءه لذلك الغرض، لتصل البحر الأحمر بنهر النيل الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، تمر غرباً بوادي الطميلات ومدينة بيتوم في الإسماعيلية ثم تتجه جنوباً وتتصل بالبحيرات المرة ومنها إلى خليج السويس عبر قناة كبريت المائية.
أدى ذلك إلى إزدياد حركة التجارة مع مصر وبلاد بونت (الصومال حالياً) وبين مصر وجزر البحر المتوسط (كريت وقبرص)، وبين مصر وبلاد الهند والدول الآسيوية وشبه الجزيرة العربية.
تاريخ القناة:
• عصر القدماء المصريين
• الملك “سيتي الأول” إبن الملك “رمسيس الأول” مؤسس الأسرة التاسعة عشر، أعاد حفرها في عهده من 1319 حتى 1300 ق.م تقريباً.
• الملك “نخاو” إبن الملك “أبسماتيك” هو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، أعاد حفر القناة لإستخدامها في التجارة والحملات المصرية.
• العصر الفارسي
في عهد الإحتلال الفارسي لمصر إبان حكـم “شاهنشاه داریوش الکبیر” مـلك الفرس من عام 522 ـ 485 ق.م، أعاد الملاحة في القناة، وتوصيل النيل بالبحيرات المرة، وربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر من جديد.
• العصر اليوناني والروماني
• قناة الإسكندر الأكبر (335 ق.م) عندما إحتل الإسكندر الأكبر مصر عام 332 ق.م؛ أشرف على تخطيط مشروع القناة لنقل سفنه الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر الدلتا والبحيرات المرة، كما بدأ تنفيذ مشروع قناة الشمال، إلا أن المشروعين توقفا لوفاته.
• في القرن الثالث قبل الميلاد قام بطليموس الثاني ” فيلادلفوس 285 ق.م” بإستكمال هذه القناة وأصبحت ممتدة من النيل حتى مدينة “أرسناو” (السويس حالياً) ولكن البيزنطيين أهملوها فطمرتها الرمال.
• أثناء الحكم الروماني لمصر، وفي عهد الإمبراطور الروماني “تراجان” عام 117 ق.م أعاد الملاحة للقناة، وأنشأ فرع جديد للنيل يبدأ من “فم الخليج” بالقاهرة، وينتهي في “منشأة العباسة” بمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية، متصلاً مع الفرع القديم الموصل للبحيرات المرة، استمرت هذه القناة في أداء دورها لمدة 300 عام، ثم أهملت وأصبحت غير صالحة لمرور السفن.
• العهد الإسلامي
في عهد الخليفة “عمر بن الخطاب” على يد الوالي “عمرو بن العاص” عام 640 م أراد توطيد المواصلات مع شبه الجزيرة العربية، فأعاد ترميم وإصلاح وحفر القناة القناة وأطلق عليها قناة “أمير المؤمنين”.
استمرت القناة بالعمل ما بين 100 إلى 150 عاماً حتى أمر الخليفة العباسي “أبو جعفر المنصور” بردم القناة تماماً، وسدها من ناحية السويس، منعاً لأي إمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي في شبه الجزيرة العربية.
عادت للعمل لمدة قصيرة في عهد هارون الرشيد ثم ردمت مجدداً نهائياً.
وهكذا أُغلق أول طريق بحري إلى الهند وبلاد الشرق وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل وظلت القناة مغلقة حتى عام 1820م.
ومع إكتشاف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي وتغيرت معه حركة التجارة وتضررت مصر المملوكية والبندقية ونابولي وجنوة، فأوفدت البندقية أمراءها عام 1501م لمصر لحث السلطان الغوري على حفر قناة تربط البحرين، ولكن رفض السلطان الغوري بسبب عدم تحمل خزينة الدولة المصرية لتكلفة القناة وكانت في صراعات مع الدولة العثمانية التي إنتهت بإحتلال مصر 1517.
ثم أتى وفد من المهندسين الفرنسيين عام 1832 لمصر في عهد محمد علي باشا، وذهبوا لموقع القناة وتبين لهم أن البحرين مستويان عكس حسابات المهندس لوبير الذي أقنع نابليون بالعدول عن المشروع لأنه اكتشف أن مستوى البحر الأحمر أعلى من مستوى البحر الأبيض، مما سيتسبب في غرق مصر كلها،
وأن مهندس نابليون أخطأ الحساب والتقدير.
إلا أن محمد علي رفض فكرة حفر القناة إلا بشرطين:
• ضمان القوى العظمى حيادية القناة، وبالتالي إستقلال مصر.
• أن تمول القناة بالكامل من الخزانة المصرية.
ما أظهر حنكة وبُعد نظر محمد علي باشا في مسألة القناة، إلا أن الشرطين قوبلا بالرفض.
«قناة السويس»
تعد قناة السويس الآن إحدى أهم الممرات البحرية في العالم، حيث بلغت إيرادات القناة في العام المالي 2020/2021 نحو 5.840 مليار دولار أمريكي، ويمر عبر القناة ما بين 8% إلي 12% من حجم التجارة العالمية.
فكرة إنشاء القناة:
عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر، فكر نابليون في شق القناة ولكن فشل بسبب عدم إستطاعتهم تحديد المناسيب المطلوبة لحفر القناة، وفي عام 1854 إستطاع الفرنسي “فيرناند دي لسبس” إقناع الخديوي محمد سعيد باشا بالمشروع وحصل على موافقة الباب العالي في الأستانة، فقام بموجبه بمنح الشركة الفرنسية برئاسة “دي لسبس” إمتياز حفر وتشغيل القناة لمدة 99 عام.
إستغرق بناء القناة 10 سنوات من 1859 حتى عام 1869 م، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف أثناء عملية الحفر نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة.
تم إفتتاح القناة عام 1869 في حفل مهيب وبميزانية ضخمة تحملتها خزينة الدولة المصرية، وفي عام 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الإمتياز 50 عاماً إضافية إلا أن تلك المحاولة لم تنجح.
وفي يوليو عام 1956 قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، والذي تسبب في إعلان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي والذي إنتهى بهزيمتهم على يد القوات المسلحة المصرية وقوات المقاومة الشعبية وإنسحبوا تحت ضغوط دولية ومقاومة شعبية.
شهدت القناة بعد ذلك عدة مشاريع لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها بدأت عام 1980 وكان آخرها في 6 أغسطس 2015 مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
قناة السويس الجديدة 2016
هدف مشروع القناة الجديدة إلى تلافي المشكلات القديمة لقناة السويس من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، ويسمح بإستيعاب قناة السويس للسفن العملاقة بغاطس 65 قدم بتكلفة بلغت 4 مليار دولار، مما سيساهم في زيادة دخل القناة مستقبلاً، تمت عمليات الحفر من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي إستعانت بـ17 شركة وطنية مدنية بالإضافة إلى 81 شركة مدنية أخرى و تحت إشرافها آلاف من العمال المصريين قدر عددهم بأكثر من 47 ألف عامل وكتيبتين من القوات المسلحة لأزالة الألغام ومخلفات الحروب، وتمويل مصري خالص.
مشروعات بعد إفتتاح القناة:
• محور التنمية في منطقة شرق بورسعيد”، يتضمن إقامة محطة للحاويات والصب السائل، ومحطة تموين لوجستية، بالإضافة إلى محطة للحبوب.
• منطقة “الإسماعيلية الجديدة”، ويتضمن إقامة “وادي التكنولوجيا”، ويضم صناعات إلكترونية، وهندسية طبية، وآلات دقيقة، ومعدات إتصال، كما يضم “المنطقة الصناعية لمدينة القنطرة.
• منطقة شمال غرب خليج السويس، ويتضمن مناطق للصناعات الثقيلة، ومركز للمعلومات، ومجمع للخدمات التموينية، ومجمع طبي، ومراكز أبحاث، وجامعة، ومعاهد تعليمية.
• محور قناة السويس والذي يتضمن 4 أنفاق أسفل قناة السويس تتضمن نفقين ببورسعيد ونفقين بالإسماعيلية كل نفق يخدم إتجاه مروري واحد.
• بالإضافة لمناطق لوجيستية أخرى روسية وصينية وتطوير الموانئ التابعة لبورسعيد والإسماعيلية والسويس.
وتعد قناة السويس الآن مصدر دخل للعملة الصعبة في مصر لرفد الإحتياطي النقدي بجانب السياحة والتصدير وتحويلات المصريين بالخارج.
وتتولى إدارة قناة السويس الآن” هيئة قناة السويس” الشركة الوطنية المصرية.