هشام النجار يكتب: خمستاشر/خمستاشر.. الإخوان قادمون!!
قرأت للصديق العزيز إبراهيم عكاشة على حسابه الخاص على الفيسبوك بوستًا يندرج تحت تصنيف الكوميديا السوداء أو المُضحك المُبكي.
البوست عبارة عن صور لشخصيات إخوانية ومحسوبة على الإخوان من الهاربين للخارج، ويعلق عليها الصديق بقوله “قادة مصر يا جماعة.. إختارولهم وزارات”!
للوهلة الأولى ضحكت بمرارة من السخرية المُرة، بل طفقت أرشح كل إسم للوزارة القريبة لميوله؛ فبلال فضل المتمرس في الأدب الأيروتيكي وصاحب رواية (أم ميمي) لوزارة الثقافة، وعبدالله الشريف الذي منحته إحدى ضحاياه لقب (ابن الحرام الفاجر) لوزارة الأوقاف، والمقاول الفاشل محمد علي لوزارة التخطيط، وبهجت صابر لوزارة الإعلام.. الخ إلخ.
لكنني سرعان ما توقفت لأقرأ ما وراء السخرية المُرة من حقائق ووقائع مؤلمة؛ فما نتعامل نحن معه بسخرية ونجده بعيدًا عن التصور ومن المستحيل تحققه على الأرض الواقع، يتعامل معه الطامعون في الخارج والقوى التي تحرك هذه الأراجوزات لحسابها الخاص بشكل جدي، مصممة على مواصلة استخدام تلك الأدوات وهي تعلم تمامًا أنها بلا قيمة ولا تملك القدرة والخبرات والملكات الإدارية والحس السياسي، لأن الهدف هو أن يتصدر المشهد الفاشلون العاجزون أرباع الموهوبين ليتحكم من في الخارج فيه.
لهذا المخطط تاريخ ممتد فليس وليد اللحظة؛ والمعادلة كالتالي:
قوى خارجية (دولية وإقليمية) طامعة تخطط لإيقاف أو إفشال مسيرة النهضة الوطنية المصرية، تزج بأدوات فاشلة وتمولها جيدًا لضرب المشروع الوطني المصري ورموزه ولتفكيك الوحدة المصرية وبث الشائعات وإشاعة الإحباط، وهي الخطة المستمرة مذ ثورة 1919م إلى اليوم والتي تُوجت بتأسيس جماعة الإخوان الخائنة بتمويل بريطاني 1928م، وتضاعف نشاطها بعد أن كشفها عبد الناصر منتصف الخمسينيات فدبروا لاغتياله 13 مرة، وصولًا لذروة المخطط خلال أحداث الربيع التدميري العربي وما بعده.
ذكرني بوست صديقي إبراهيم عكاشة بتساؤل تاريخي دقيق طرحه الكاتب المصري الكبير مأمون الشناوي؛ قائلًا: ماذا كان سيحدث ومن كان سيتولى الحكم والوزارات في مصر لو لم تهتز يد من أطلق النار على الزعيم جمال عبد الناصر في حادث المنشية بالإسكندرية منتصف ستينيات القرن الماضي، لافتًا النظر إلى مؤهلات ومستويات تعليم وتخصصات مرتكبي الجريمة ومن وراءهم من حرفيين عاديين.
بمفهوم المخالفة أنهم لو كانوا نجحوا في اغتيال عبد الناصر واكتملت المؤامرة، لكان هؤلاء هم من يحكمون مصر.
أجزم بنسبة مائة في المائة من خلال خبرتي الطويلة بهذا الملف (ربع قرن تقريبًا) أن أي شخص تولى قيادة جماعة من تلك الجماعات إلا ويتخيل ليل نهار وينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يتولى فيه رئاسة مصر، حتى لو كان حاصلًا على دبلوم فوق المتوسط؛ وتتوزع الأوهام بين مجموعة من المضطربين نفسيًا فمنهم من يطمع في تولي حقيبة الداخلية والآخر الخارجية والآخر منصب محافظ.. الخ.
كما أجزم متيقنًا مائة بالمائة بأنهم جميعًا غير مؤهلين للنهوض بمسئوليات سياسية علي مستوى الدول، بل يعجز أحدهم عن إدارة مركز شباب بإحدى القرى بمحافظة مطروح، وغاية ما يقدمونه هو تصورهم البدائي غير الصحيح لطبيعة الحكم الإسلامي؛ حيث قاموا بتجميدها داخل نموذج مرحلة تاريخية دون أدني تطوير يناسب العصر، لذا يرهنون أنفسهم للحرب الدائمة بالوكالة وللخيانة مقابل أجر، ولا يعثرون علي ضالتهم في الشهرة والمال والزعامات الوهمية سوي في أحضان مشاريع القوي الخارجية صاحبة المصالح.
لا يختلف توصيف المشهد الحالي كثيرًا عن المشهد ما بعد ثورة 1919م ولا مشهد ما بعد ما عُرف بالربيع العربي 2011م؛ فهناك قوى خارجية مستفيدة تدفع بما جرى الاصطلاح عليه في الأدبيات الغربية بعد أن استخدمه الشيوعيون (الأحمق المفيد أو المغفل النافع) الذي لا يعرف شيئًا عما حدث في التاريخ وما يجري في الواقع وليس لديه أي خبرات في مجال إدارة الدول ولا حتى كيفية ممارسة معارضة وطنية لكنه يفيد أجهزة الاستخبارات الأجنبية.
المصريون بتصديهم لهذا العبث لا يواجهون فحسب تلك الشخصيات الهزيلة المأجورة عديمة المواهب والقدرات من المضطربين نفسيًا؛ إنما يتصدون لمن يمولهم ويحركهم لأهداف ومصالح في البحر والبر والجو قد لا يدرون عنها شيئًا.
المصريون الذين رفضوا الإخوان في كل التواريخ المُلَحنة في السابق اتناشر اتناشر وتسعة تسعة وستة ستة.. الخ سيرفضونهم في حداشر حداشر بل وفي خمستاشر خمستاشر؛ لأنهم ببساطة شديدة أذكياء يفهمونها وهي طائرة وليسوا سذجًا، ولديهم خبرة طويلة في التعامل مع تلك الحيل العبيطة.
المصريون في 2012م (عام حكم الإخوان البائس) يشبهون جحا عندما سكن دارًا قديمة كان سقفها يحدث قرقعة وحينما اشتكى إلى صاحبها قال له لا تخف إن السقف يسبح الله! إذ ذاك قال جحا؛ هذا الذي أخشاه أن تدركه رقة فيسجد علينا.
هذا احتمال يضعه في حسابه رجل يسكن دارًا قديمة أو مواطن يسكن وطنًا منهارًا أصبحت السياسة فيه عدوًا مميتًا متنكرًا وراء لغة الدين، إن جحا -كما نحن- ليس ضد الذكر والتسبيح، بل ضد مرشد وزعيم جماعة معلق فوق رؤوسنا في سقف إدارة منهارة فاشلة بحجة أنه خليفة شرعي يحكم باسم الله.
الحمد لله الذي خلصنا وحررنا من هذا البؤس وهذا العبث بفضل تضحيات أبطال حفروا أسماءهم عن جدارة واستحقاق في تاريخ مصر الحديث؛ فإذا كان الإسلام أداء شعائر فان عدد المسلمين الذين يؤدون هذه الشعائر الآن في مصر فقط يزيد على عددهم في عصر هارون الرشيد بالدول الإسلامية مجتمعة.
أما إذا كان الإسلام هو تحييد الفاشلين، والإدارة الجماعية وتمكين القوي الأمين والزعيم المُلهَم لاجتياز المراحل الاستثنائية وإنقاذ الحرث والنسل وتحقيق مصالح العباد والبلاد، فقد فعلها المصريون في يونيو 2013م، وسيظلون على العهد حتى تنكسر المؤامرة تمامًا وتنزاح الغُمة.
للمرة الأخيرة أصف المعادلة وهذه المرة على لسان عمنا صلاح جاهين؛ فالمسألة واضحة وضوح الشمس؛ وهذا هو ما جرى منذ فجر تاريخ مصر إلى اليوم؛ حيث هناك من يبني وهناك من يهدم….
كان عمرها ستلاف سنة.. كلها سنين خضر
بس الزمان يختلف زي اختلاف الناس
ناس تبني مجد وحضارة وناس بلا إحساس
نعرف جيدًا من هم الذين يبنون المجد والحضارة ولذلك يغتاظ الطامعون والقوى التي لا تريد لمصر النهضة والتقدم، ولا شك أن الإخوان ومن لف لفهم كانوا ولا يزالون من أولئك الذين وصفهم جاهين بأنهم “ناس بلا إحساس”.. جبلات فاشلون يدعون ما لا يملكون من قدرات، ويطلبون ما لا يستحقون.