أخلاقيات الأزمات وتغيير العادات
كتبت: نرمين قاسم
تدقيق: ياسر فتحي
تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد العالمى، وانعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي المصري، و الإجراءات المختلفة التي اتخذتها الدولة للتعامل مع تلك التداعيات، وخاصة ما يتعلق بارتفاع مستوى الأسعار عالمياً، تخفيفاً من وطأتها على المواطنين.
وللأزمات أيضًا أخلاقيات يجب أن نتحلى بها، فمعرفة حجم الأزمة التي تواجهها البلاد وأبعادها، وعدم إلقاء التهم على الحكومة دون معرفة الصورة كاملة.
شغلت الأزمة بال الجميع، والخسائر فادحة، وبأرقام خيالية، يتعرض لها العالم أجمع، كما تذكر وسائل الإعلام أن العالم يتغير وأن الأزمة لَم تبلغ ذروتها بعد، وهذه الأخبار تصيب الكل بقلق طبيعي، جعل الأُسر تصاب بنفس القلق.
والكثير منا أصحاب أُسَر وعائلات، ولانعرف ماالذي ينبغي علينا فعله لمواجهة الأزمة العالمية المحيطة بنا، وربما لا يدرك بعض الناس أن عليهم تغيير الكثير من عاداتهم الشرائية وتقنين ميزانياتهم بطريقة مختلفة تجعلنا نبتعد عن المشاكل الاقتصادية والمطبات المالية المفاجئة.
وأقدم لكم بعض النصائح في كيفية التعامل مع الأزمات المالية عمومًا، وكيفية تنظيم الميزانية، لنتجنب آثار الأزمات الاقتصادية التي تحيط بنا.
إن العالم حتى الآن لايعرف نتائج تلك الأزمة، ومدىٰ الضرر في القطاعات الاقتصادية، لذا يجب مراجعة الإنفاق على السلع الأساسية.
وأجد الحلول في الاقتصاد الاجتماعي الذي يهتم بتداعيات الأزمة على المجتمع، فالأزمة المالية تؤدي إلى استغناء الشركات عن موظفيها لتقليل النفقات، وبالتالي فإن رب الأسرة لابد أنْ يفكر بنفس الطريقة عن طريق تقليل المصروفات في السلع الكمالية، وإعادة جدولة الإنفاق، والابتعاد عن السلوك النمطي الاستهلاكي، فعلى كل شخص أن يراجع نفسه في احتياجاته بهذه الكمية، وهل تستحق السلع المعروضة هذه القيمة المادية؟ لأن تلك التساؤلات تساعد الإنسان على تقنين ميزانيته وتوفير المال بدلاً من إنفاقه دون حساب.
التحكم بتداعيات الأزمة المالية محدود جدًا، وعلى الأسر التي لم تتعرض بشكل مباشر للأزمة التصدي لأي طارئ بتقليص المصاريف في النواحي الترفيهية، لأن مصاريف الأسرة تنقسم إلى قسمين:
– مصروفات إجبارية لا مفر منها مثل مصاريف السكن والكهرباء والمدارس.
– مصاريف اختيارية والتي يمكن الاستغناء عنها، وتغيير العادات الشرائية لدى كثير من الأشخاص و البحث عن البدائل للسلع مرتفعة الثمن، إضافة إلى اعتماد طرق مختلفة للتسوق إذ يمكن للعائلات الكبيرة أنْ تتسوق مِن سوق الجملة لتوفر في الأسعار.
كما يمكنكم مشاركة الأصدقاء أو الأقارب في النقل لتوفير مصاريف استهلاك السيارة فيكون النقل متبادلاً.
ومن الأمور المهمة أيضًا التدبير، فيجب أنْ تنتبه إليها المرأة، فتكون حريصة على أنْ تغطي جميع احتياجات الأسرة بأقل تكلفة ممكنة، وترشيد المصروفات والاستغناء عن المواد التي لاتوجد منها حاجة فعلية.
ومِن الطبيعي أن تؤثر الأزمة على الأسرة، لذا يكون الوعي مهمًا لمعرفة كيفية مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، فالتوفير هو أول سبل الحماية المادية للأسرة و يجب تقنين المصروفات ووضع ميزانيات محددة لكل شيء، وتخفيض الإنفاق سواء في التسوق أو حتى التقليل من نفقات الكهرباء عن طريق إطفاء الأجهزة والإنارة في حال عدم الحاجة إليها.
الابتعاد عن الماركات العالمية، فهناك سلع بديلة لا تقل جودة عنها، خاصة أن تلك الأزمة لم تظهر لها ملامح عن انخفاض أسعار السلع، فما زال ارتفاع الأسعار موجودًا ولا يمكن التوفير مالم تتغير السياسة الشرائية للفرد والأسرة، إضافة إلى تشجيع الأطفال على التوفير، فالمبالغ الصغيرة التي تُستَقطع شهريًا من أجل التوفير قد تمثل الضمانة لمواجهة الأزمات والظروف الصعبة التي قد تمر بها الأسرة.
ويمكن كذلك البحث عن البدائل حتى في الإنفاق الإجباري كالبحث عن سكن أقل كلفة في حالة الإيجار، واقتناء سيارة أصغر، وفي حالة الاضطرار البحث عن مدارس أقل تكلفة ومضاعفة جهود الأسرة في مساعدة الأطفال في تحصيلهم الدراسي لتعويض ما تعجز عنه المدرسة، فكل هذه الأمور هي من باب الحرص، وينبغي أنْ يلتفت إليها الناس سواء في حال وجود الأزمات أو عدم وجودها، لأن الأمان المادي وسيلة مهمة للاستقرار الأسري والمحافظة على مستقبل الأبناء.
فعلى الأسر أنْ تكون أكثر تحفظًا في تلك المرحلة، لأن المبالغ النقدية التي تحتفظ بها تمثل سلاحًا مهمًا في وجه الأزمات، والمطلوب الآن ترشيد الانفاق وتأجيل قرارات شراء السلع الكبيرة كشراء السيارات أو المنازل أو حتى قطع الأثاث والسلع مرتفعة الثمن.
كما يجب زيادة وعي ربات البيوت وتحديد الأولويات للمساهمة في تقنين الاستهلاك وتغيير طرق الشراء ومحاولة تلبية احتياجات الأسرة من المشتريات بأفضل الطرق، وهو أمر يعتمد بالدرجة الأولى على ذكاء ربة البيت ووعيها، وكل ما يقال الآن هو اجتهادات، لأن الصورة لا تزال غير واضحة ولا توجد مدة محددة لانتهاء الأزمة العالمية لذا ليس لنا إلا توجيه الأسر إلى الالتزام بميزانيات محددة.
واخيرًا.. البعد عن فكرة تخزين السلع، فتخزين السلع في وقت الأزمات يخلق أزمة أكبر؛ لأن المعروض من السلع يكفي الجميع باستهلاكه العادي فإذا خزَّن أحدنا السلع بزيادة عن حاجته، فبالتالي سينقص المعروض من تلك السلع على الآخرين، ونخلق بذلك أزمة جديدة بخلاف الأزمة الموجودة أصلاً.
وهناك مبادرات حكومية جادة لدعم الأسر الأكثر احتياجًا، ومع ذلك نحن نقول أننا في بلد خير والحمد لله، ولدينا أهل وأصحاب وتكافل اجتماعي، ولكن علينا أن نعي جميعًا أننا في قارب واحد، ويجب أن نحافظ عليه بنشر الوعي الاقتصادي وتعريف الأسرة بمسئولياتها، وعدم الانسياق وراء الاستعراض والإنفاق غير المبرر.
تمثل الأزمات اختبارًا لأخلاق الإنسان وقيم المجتمع، وغالبًا ما تخرج هذه الأزمات جوهر حقيقة الإنسان؛ فيظهر منه ما كانت إرادته الحرة الواثقة المطمئنة تخفيه، لذلك عادة ما تُخرج الأزمات أفضل ما في الإنسان والمجتمع، أو أسوأ ما فيهما.
وتحت وقع هذه الأزمة ظهرت المنظومات الأخلاقية الحقيقية للعديد من السياسيين ورجال الأعمال، وقادة الدول؛ بصورة تعكس الطبيعة الأخلاقية للإنسان.
وأثبتت الدولة المصرية للعالم أن الفطرة الإنسانية خيِّرَة بطبيعتها، وأعلت البعد الإنساني فوق كل اعتبار، وقدمت حزمة من الإجراءات والقرارات لتقديم الدعم للشعب، وفي المقابل هناك من استغل الأزمة برفع الأسعار دون مبرر.
والدور الأهم في أي أزمة هو دور الإعلام الواعي في التعاطي الأخلاقي مع الأزمات، وشرح الأزمة للناس بالصورة الصحيحة دون تهويلٍ أو تهوينْ.