كتب: محمد عبد السميع
تدقيق: ياسر فتحي
في عُرف وكيان القوات المسلحة المصرية هناك احترام شديد ومتبادَل للرتب والأنواط، ولكن هناك رتبة وحيدة يسعى إليها جميع أفراد ورجال وأبطال القوات المسلحة المصرية، وهذا ما نراه اليوم جليًا من حرصٍ وتسابقٍ لأبطال القوات المسلحة لنيل هذا الشرف، فكل فرد في القوات المسلحة على استعداد للتضحية بنفسه من أجل الحفاظ على الأرض وعلى رُتبة ومرتبة “الشهيد” المُضحي من أجل وطنه واستمراره؛ فهي من أعظم المراتب التي اختصها الله عز وجل بعض عباده الذين كتب عليهم أنْ ينالوها في سبيل نُصرة الدين والدفاع عن الأوطان، فلهم مكانة عظيمة سامية عند الله عز وجل مع النبيين والصديقين والشهداء، وهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، ومن أسمىٰ آيات التكريم لهم أنْ تظل أرواحهم حية باقية تغمرها السعادة بما نالهم من أجر عظيم جراء الشهادة، ينتظرون أن يلحق بهم إخوانهم الذين بقوا في الدنيا، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى عليهم.
واختارت مصر التاسع من مارس مِن كل عام ليكون يومًا للشهيد، وذلك منذ عام 1969 اعتزازًا بشهداء مصر، تزامنًا مع إحياء ذكرىٰ الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، والذي كان يُعَد من أشهر القادة العسكريين فى النصف الثاني من القرن العشرين، والذي استشهد في مارس عام 1969، عن عمر يناهز الخمسين عامًا، خلال توجهه إلى الجبهة للوقوف على نتائج المعركة عن قُرب، ومشاركة الجنود مواجهة الموقف، حيث انفجرت إحدىٰ طلقات المدفعية بالقرب منه ولقي مصرعه جراء تبعثر الشظايا القاتلة متأثرًا بجراحه، ليضرب أروع الأمثلة في الشجاعة، تأكيدًا على أنَّ مكان القائد الحقيقي في الصفوف الأمامية وسط الجنود الأبطال، ومنذ ذلك الحين، اتخذت القوات المسلحة هذا التاريخ ذكرىٰ للاحتفال بالشهيد، لتخليد ذكراه، وتحتفل في هذا اليوم مِن كل عام بهذه الذكرىٰ الخالدة لجميع شهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الوطن في جميع الحروب التي خاضتها مصر، والتي تخوضها حاليًا مع الجماعات الإرهابية.
تعددت واختلفت أسماء الشهداء من جنود وأبطال القوات المسلحة، مع اختلاف المعارك والحروب التي شهدتها مصر على مدىٰ الزمان إلى وقتنا، ولكن الثابت مِن التاريخ أنه رغم تغير وتطور أشكال الحروب إلا أنَّ العقيدة العسكرية المصرية لم تتأثر ولم تتغير، بل تزداد قوة وصلابة، وكذلك بالنسبة للجندي المصري، لَمْ ولن تتغير عقيدته منذ نشأة العسكرية المصرية، وهو مؤمن بالحفاظ على أرضه، لأن القضية مرتبطة بشرفه، وهذه غريزة طبيعية تتلخص في أنَّ الأرض عِرض.
ارتوت أرض سيناء المباركة بدماء عطرة لأبطال عظماء مِن حروب خاضتها مصر منذ عام 67، مرورًا بانتصارات حرب أكتوبر 73، إلى العملية الشاملة سيناء 2018، وما تلاها من عمليات عسكرية وضربات استباقية للقوات المسلحة ومن التصدي للعدائيات التي واجهها الجيش المصري، جراء مواجهة الإرهاب الغاشم.
ولا يمكن أنْ تَمُر تلك الذكرىٰ الخالدة بدون أنْ نذكر صاحبها ورامي سهمها الأول مِن أجل الحفاظ على الوطن المصري عزيزًا غاليًا وهو:
- الجنرال الذهبي الفريق عبدالمنعم رياض
محمد عبدالمنعم محمد رياض عبدالله (22 أكتوبر 1919- 9 مارس 1969) فريق أول وقائد عسكرى، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ومن قبلها شغل منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة المصرية، وعين عام 1964 رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة، وفي حرب 1967 عُيِّن قائدًا عامًا للجبهة الأردنية.
ويعتبر الفريق رياض واحدًا من أشهر القادة العسكريين العرب، حيث شارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 و 1942، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف.
وأشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، وفي صباح يوم 8 مارس قرر الفريق أنْ يتوجه بنفسه إلى الجبهة، ليرىٰ عن قرب نتائج المعركة، وقرر أنْ يزور أكثر المواقع تقدمًا، ثم انهالت نيران القوات الإسرائيلية فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده، وانفجرت إحدى دانات المدفعية بالقرب مِن الحفرة وتوفي متأثرًا بجراحه نتيجة للشظايا القاتلة.
الرئيس المصري جمال عبدالناصر كرم عبدالمنعم رياض، بمنحه رتبة فريق أول ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، وهو أرفع وسام عسكري في مصر، وتحول يوم 9 مارس إلى يوم الشهيد في مصر.
وحصل على العديد مِن الأنواط والأوسمة، ومنها ميدالية الخدمة الطويلة، والقدوة الحسنة، ووسام نجمة الشرف، ووسام الجدارة الذهبي، ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان، ووسام الكوكب الأردني طبقة أولىٰ.
حقق عبدالمنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف، مثل معركة رأس العش، التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس، وذلك في آخر يونيو 1967، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967، وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و 1968.
إنَّ يوم 9 مارس رمز تاريخي، لأنه في ذات اليوم في 1969 قررت مصر بدء حرب استنزاف مع إسرائيل على الضفة الشرقية للقناة، لتبعث لها برسالة مهمة، ألا وهي أنَّ كل دقيقة ستقضيها على أرض مصر ستدفع ثمنًا لا يمكنها تحمله.
- “أسطورة الصاعقة” إبراهيم الرفاعي
أحد أساطير الصاعقة المصرية البواسل، مؤسس المجموعة 39 قتال، ولد في 27 يونيو 1931، في عائلة معظمها عسكريون.
كان شابًا رياضيًا وراميًا ماهرًا في الكلية الحربية، وعندما عقدت أول فرقة للصاعقة بمصر عام 1955، كان ترتيبه الأول على الفرقة وأصبح مدرسًا للصاعقة، وفي عام 1956، تسلل إلى بورسعيد ونفذ أكبر عملية قبل الجلاء بتدمير ثلاث دبابات بريطانية.
ومع بداية حرب الاستنزاف اشترك في تنفيذ عمليات مذهلة ضد إسرائيل، وأصبح لمجموعته شهرة مخيفة لدىٰ جنود إسرائيل، وأطلق عليها المجموعة (39 قتال)، لتنفيذها عمليات ناجحة بهذا العدد ضد العدو.
استشهد الرفاعي، في 19 أكتوبر، وسط جنوده وضباطه مِن مقاتلي المجموعة 39 قتال، في المنطقة الواقعة جنوب الإسماعيلية، حيث تمركز فوق التبة الرملية ليرصد دبابات إسرائيلية منتشرة في المنطقة، وفجأة انهالت القذائف حوله، ولكنه لم يتراجع، واختار أنْ يموت ليحيا الوطن، فهو رجل احترف القتال مِن أجل وطنه.
- العقيد رامي حسانين
هو مِن أبرز الضباط الذين قاموا بعمليات مكافحة للإرهاب في شمال سيناء ضد العناصر الإرهابية والمتطرفة، وتم استهدافه يوم 29 أكتوبر2016، بعد مرور المدرعة بين حاجزى السدة والوحشي، جنوب الشيخ زويد، الواقعة بين مدينتي العريش ورفح على الحدود مع قطاع غزة.
ولد رامي حسانين، بمركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، متزوج ولديه طفلتان، وتخرج في الكلية الحربية أول يوليو 1996، وانضم لسلاح المشاة، تخصص في سلاح الصاعقة دُفعة 90، وحصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان، وتدرج في المناصب العسكرية حتى شغل منصب قائد لكتيبة صاعقة، بعد عودته من العمل في قوات حفظ السلام بالكونغو، وسافر في عدة بعثات خارجية شملت عدة دول منها إنجلترا وأوكرانيا وتونس، حصل خلالها على كافة فرق الصاعقة الأساسية والمتقدمة، وبدأ العمل في سيناء أواخر عام 2015.
اتصف الشهيد بصفات عظيمة كثيرة ومنها الشجاعة والتفاني وحب الوطن، وخدمته لأهله وزملائه وجيرانه، وجنوده، قائدًا منذ الصغر، لا يَهاب إلا الله، كما عرف «البطل» بحبه الشديد للأعمال الفنية اليدوية، إلى جانب حبه للزراعة، وتربية الحمام، والكلاب.
وعرف الشهيد «رامي حسانين» بين أصدقائه بالكثير مِن الألقاب من بينها «إمام الشهداء» نظرًا لعطائه المستمر وغيرته على وطنه، كما عرف «بالأسد» نظرًا لدفاعه وقتاله المستميت حفاظًا على تراب بلده ضد كل مَن يحاول تدنيسه أو العبث به.
كان «البطل» دائمًا ما يروي أنهم يحافظون على دماء الأبرياء في شمال سيناء ويعملون على تحري الدقة مع العناصر الإرهابية والمتطرفة، كما عرف بحفظه للقرآن الكريم وتوجيه النصيحة الحسنة إلى كل مَن خالفه الرأي.
ونشر المتحدث العسكري للقوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، عبر صفحته الرسمية بـ «فيس بوك»، قصة الشهيد رامي حسانين، ووصفه بـ «بطل من ذهب».
- الأسطورة العقيد أحمد صابر المنسي
اقترن اسمه بالأسطورة، بحسب ماوصفه الجنود في الأغنية الشهيرة التي نشروها خلال تدريباتهم في الجيش، تمجيدًا للبطولات التي قاموا بها خلال معاركهم.
ولد أحمد صابر منسي في مركز منيا القمح بـمحافظة الشرقية عام 1977، وتخرج المنسي ضمن طلبة الدفعة 92 في الكلية الحربية بمصر، ثم التحق بالعمل في صفوف القوات المسلحة، وتولىٰ منسي قيادة الكتيبة 103 صاعقة بشمال سيناء، وانضم لفريق الكفاءة البدنية بها، وحصل على فرق «مقاومة الإرهاب» لكونه ضابطًا بقوات الصاعقة وتولى منسي قيادة الكتيبة 103 صاعقة، خلفًا للعقيد رامي حسانين، في أكتوبر 2016، كان مشهورًا بالكفاءة بين زملائه منذ أنْ كان طالبًا بالكلية الحربية.
استشهد ومعه عددٌ مِن أفراد الكتيبة ف كمين «مربع البرث»، بمدينة رفح المصرية في 7 يوليو عام 2017، أثناء التصدي لهجوم إرهابي على أفراد القوات المسلحة في سيناء، مقدمين أرواحهم ثمنًا للدفاع عن الوطن مِن أجل اقتلاع جذور الإرهاب من الأراضي المصرية، فكانوا رجالًا لايهابون الموت وقفوا مدافعين بجسارة عن أرض الفيروز، حتى نجحوا في إفشال مخطط الأعداء، ولم يسمحوا لهم بتحقيق أيٍ مِن أهدافهم الدنيئة، ولم يمكنهم الأبطال الذين ضحوا بدمائهم حتى آخر قطرة.
كرمته مصر، وقامت الدولة بإنشاء كوبري باسم (الشهيد أحمد منسي) يقع بمنطقة رقم 6 بمدينة الإسماعيلية، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي.
قبل تسعة أشهر مِن استشهاده كتب على صفحته الشخصية بموقع «فيس بوك» ناعيًا قائده العقيد «رامي حسانين» قائلاً: «في ذمة الله أستاذي ومعلمي تعلمت على يده الكثير، شهيد بإذن الله العقيد رامي حسانين.. إلى اللقاء شئنا أم أبينا قريبًا».
وألتحق الشهيد البطل بأول دورة للقوات الخاصة الاستكشافية المعروفة باسم «SEAL» عام 2001 ثم سافر للحصول على نفس الدورة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006.
وحصل الشهيد على ماجستير العلوم العسكرية دورة أركان حرب، من كلية القادة والأركان عام 2013، وتولى قيادة الكتيبة «103» صاعقة، خلفًا للشهيد العقيد رامي حسانين، وقد كان الشهيد مشهودًا له بالكفاءة والانضباط العسكري، وحَسن الخلق من الجميع، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.