كتبت: نرمين قاسم
تدقيق: ياسر فتحي
يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي أيقونة التطور البشري القادم، فلا يمكن إغفال المميزات التي يقدمها لخدمة البشر على كافة المستويات الشخصية والطبية والصناعية والتجارية، بل إنَّ تطوره في كثير مِن المجالات يهدف في الأساس إلى حماية البشر والحفاظ على أرواحهم، مثل استخدام الإنسان الآلي في الأعمال الشاقة والخطرة وفي ميادين المعارك العسكرية، كما أنه قادرٌ على متابعة الحالة الصحية للمرضىٰ، وتوفير المساعدة لذوي الإعاقة، ومراقبة المنازل والمؤسسات مِن عمليات السرقة والاعتداء، وغير ذلك مِن الاستخدامات الضرورية.
في المُقابل توجد العديد مِن الآثار السلبية المُترتبة على تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكِن ذكرها في الآتي
• آثـــــارٌ اقتصاديـــــة
سوف تؤثر هذه التقنيات على حجم ونوعية الوظائف وفرص العمل المُتاحة، حيث مِن المتوقع أنْ يؤثر الروبوت بالسلب علىٰ الوظائف في مجال الصناعات التحويلية وصناعة السيارات والأدوات الكهربائية، بالإضافة إلىٰ خدمة العملاء.
• آثـــــار أمنيـــــة
أحد التداعيات الخطيرة التي تطرحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، هو تهديد هذه التقنيات لِحَقِّ البشر في الحياة، ويتضح ذلك في حالة الأنظمة القتالية المُستقلة مثل الدرونز التي تحمل أسلحة، أو الروبوتات المقاتلة الموجودة، حيث تكمن الخطورة هُنا في أنَّ هذه الأجهزة مصمَّمةٌ مِن أجل التدمير أساسًا، فماذا يحدث إذا وقعت في يد الشخص الخطأ، أو تم اختراقُها نتيجةً لقصورٍ أو خطأ بشري في إجراءات التأمين وتم التلاعب بالخوارزميات التي تتحكم فيها، فهنا سوف تكون النتائج كارثية.
• آثـــــار اجتماعيـــــة
تؤدي زيادة الاحتكاك مع الآلات إلى انفصال البشر تدريجيًا عن محيطهم الاجتماعي البشري، وهو ما يُفقِد العلاقات الإنسانية مرونتها التقليدية، ويجعلها أكثر صلابة وجمودًا فتتحول طرق التفكير والتفاعلات البشرية مِن التعقيد المُفيد، إلى التنميط ولو كان منتجًا، ويصبح الهدف مِن العلاقات الإنسانية ماديًا بعدما كان معنويًا بالأساس.
يُعرَّف الذكاء الاصطناعي على أنه “عِلم هندسة الآلات الذكية”، وبصورةٍ خاصة “برامج الكمبيوتر”، حيث إنه يقوم على إنشاء أجهزة وبرامج إلكترونية قادرة على التفكير بالطريقة نفسها التي يعمل بها الدماغ البشري، وتحاكي تصرفات البشر.
بهذا المعنىٰ، فإن الذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة الذكاء البشري عبر أنظمة الكمبيوتر، ومحاولة لتقليد سلوك البشر ونمط تفكيرهم وطريقة اتخاذ قراراتهم؛ إذْ تتم دراسة سلوك البشر عبر إجراء تجارب على تصرفاتهم، ووضعهم في مواقف معينة، ومراقبة ردود أفعالهم وأنماط تفكيرهم مع هذه المواقف، ثم محاولة محاكاة طريقة التفكير البشرية عبر أنظمة كمبيوتر معقدة.
ولكي نطلق هذا المصطلح على نظام إلكتروني لابد أنْ يكون قادرًا على التعلُّم وجمع البيانات وتحليلها واتخاذ قرارات بناءً على عملية التحليل، بصورةٍ تُحاكي طريقة تفكير البشر.
• أنواع الذكـــــاء الاصطناعي
يمكن تقسيم أنواع الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1- الذكاء الاصطناعي الضيق أو الضعيف (Narrow AI or Weak AI): وهو أبسط أشكال الذكاء الاصطناعي، حيث تتم برمجة الذكاء الاصطناعي للقيام بوظائف معينة داخل بيئةٍ محددة، مثل الروبوت “ديب بلو”.
2- الذكاء الاصطناعي القوي أو العام (General AI or Strong AI): ويتميز بالقدرة على جمع المعلومات وتحليلها، والاستفادة مِن عملية تراكم الخبرات، والتي تؤهله لأنْ يتخذ قرارات مستقلة وذاتية، ومِن أمثلتهِ السيارات ذاتية القيادة، وروبوتات الدردشة الفورية، وبرامج المساعدة الذاتية الشخصية.
3- الذكاء الاصطناعي الخارق (Super AI): وهي نماذج لاتزال تحت التجربة وتسعىٰ لمُحاكاة الإنسان، ولها نمطين:
– النمط الأول
يحاول فهم الأفكار البشرية، والانفعالات التي تؤثر على سلوك البشر، ويمتلك قدرةً محدودة على التفاعل الاجتماعي.
– النمط الثاني
يستطيع التعبير عن حالته الداخلية، وأنْ يتنبأ بمشاعر الآخرين ومواقفهم، وقادرٌ على التفاعل معهم، ويُتَوقَّع أنْ تكون هي الجيل القادم مِن الآلات فائقة الذكاء.
فالذكاء الاصطناعي مصممٌ للقيام بوظائف مفيدة للبشرية، وسيقوم بها، بغض النظر عن الظروف المحيطة أو المستجدة، فمثلاً إذا قام أحد الأطفال في المنزل بمحاولة إعاقة الروبوت عن القيام بوظائفه في تنظيف المنزل على سبيل الدعابة، فإن الروبوت سيتعامل مع هذا الموقف باعتباره تهديدًا يعوقه عن القيام بوظيفته، وقد يتسبب في مقتل هذا الطفل مِن أجل القيام بوظيفته التي صُمِّمَ مِن أجلها.
أسئلةٌ وقضايا أخلاقية وفلسفية كثيرة، لابد مِن الإجابة عنها أولاً لضمان الحفاظ على هويتنا البشرية.
أوضح تقريرٌ صادر عن شركة ( CO Design) أنَّ الفيس بوك قد أغلق برنامجًا للذكاء الاصطناعي، لأنه طوَّرَ لُغةً جديدةً للتواصل خاصة به غير اللغة الإنجليزية، حيث بدأ الروبوتان “بوب وأليس” في التواصل مع بعضهما، والوصول إلى اتفاق بينهما لإنجاز مهمة معينة باستخدام لغة جديدة لَم يستطع المبرمجون تحديدها.
فقد استطاع الروبوتان تطوير هذه اللغة الجديدة بسبب خطأ بشري مِن المبرمجين، فمن المفترض أنْ يقوم مهندسو الروبوت بوضع قيودٍ أو حدود (Limits) على قدرة الروبوت على التعلُّم حتى يمكن السيطرة عليه، وقد غفل المهندسون عن برمجة الروبوت أنٍ تكون لغة التواصل فقط هي اللغة الإنجليزية، مما جعل الروبوت يقوم بتطوير لغة جديدة خاصة به.
وقد تم تطوير تقنية ذكاء اصطناعي قادرة على “قراءة المشاعر”، فقد استطاع فريق علماءٍ مِن كوريا الجنوبية إنشاء نظام ذكاء اصطناعي يمكنه نظريًا الاستفادة مِن شبكات 5G “لاكتشاف المشاعر البشرية” في مُدن بأكملها.
وأوضح الفريق أنَّ نظام التعرف على المشاعر الافتراضي القائم على الذكاء الاصطناعي والمدمج مع تقنية 5G، حيث يمكنه التعرف على مشاعر الفرح والمتعة والحالة الحيادية والحزن والغضب.
وقال قائد الفريق ، البروفيسور “هيونبوم كيم”، مِن جامعة “إنشيون الوطنية” أنَّ العواطف سِمة حاسمةٌ للبشر وتميزهم عن الآلات، وتحدد النشاط البشري اليومي.
ومع ذلك، يمكن لبعض المشاعر أيضًا أنْ تُعطِّل السير العادي للمجتمع وتعرض حياة الناس للخطر، مثل حياة السائق غير المستقر، وبالتالي فإنَّ تقنية اكتشاف المشاعر لديها إمكاناتٌ كبيرة للتعرف على أيِّ عاطفة مزعجة وبالترادف مع اتصالات 5G، وتحذير الآخرين مِن المخاطر المُحتملة.
العالم اليوم لابد أنْ يشعر بالقلق حيال تضاؤل استقلالية الإنسان، في ظِل ما تتسم به الأنظمة التكنولوجية الحديثة مِن تعقيدٍ مُتزايدٍ ومُضطرد.
لكَ أنْ تتخيل.. وأنت تجلس وتتنقل على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، أنَّ هناك برنامجًا للذكاء الاصطناعي يتحكم في مشاعرك، ويوجهك كما يشاء وليس كما تشاء أنت!!!
حيث تمكنت تقنيات الذكاء الاصطناعي مِن تحديد السِّمات النفسية للأشخاص مِن خلال متابعة بصمتهم الرقمية علىٰ مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث استخدم الباحثون أدواتٍ إلكترونية لتحليل اللغة مِن أجل مُراقبة البصمة الرقمية للمستخدمين، وبالتالي تحديد ما إذا كان مستخدم بعينه يشعر بالسرور أو الحُزن في أي وقتٍ مِن الأوقات، كما استطاعوا مِن خلال معادلةٍ خوارزمية متخصصة إعداد مقطع فيديو يوضح التباينات الشعورية للمُستخدم خلال فترة زمنية معينة.
وهو ما يرتبط بما ذكره “أيلون ماسك” مؤسس شركة (SpaceX) بضرورة التمهُّل في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي حتى يتم تفادي المخاطر الناجمة عن زيادة الاعتماد عليه.
الغريب في الأمر أنَّ “ماسك” ليس وحده الذي يعرب عن قلقه مِن التطوير المُتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بل إنَّ “بيل جيتس” مؤسِّسْ مايكروسوفت، ومِن قبلهم “ستيفن هوكينغ”– عالم الفيزياء الكبير– حذروا أيضًا مِن قُدرة الذكاء الاصطناعي على تدمير الحياة البشرية.
وإذا كان الذكاء الاصطناعي يتعلم مِن البشر وقدراتهم، ويقوم بتطوير نفسه وينشئ منظومته الخاصة التي تتكون مِن لغةٍ للتواصل والمشاعر الحسِّية وقِيَم للبقاء على قيد الحياة وغيرها، فهل سنصل إلى المرحلة التي يخرج فيها الذكاء الاصطناعي عن سيطرة البشر، ونحتاج إلى التفاوض معهم مِن أجل ضمان سلامة البشرية؟