محددات التجربة التنموية في ماليزيا.. دور الدولة في تحقيق التنمية
إعداد: ياسمين حمدي
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت
زمن القراءة: ٦ دقائق ونصف
مقدمة
لعبت الدولة في ماليزيا- متمثلة في قادتها- دورًا عظيمًا في تحقيق التنمية في مختلف المراحل، حيث اختلفت أهداف التنمية ووسائل تحقيقها، بالإضافة إلى الخصائص والسمات الشخصية المختلفة للقادة، ولكن كانت إدارة التنوع العِرقي من أهم ما حرص عليه القادة لتحقيق التنمية فيها.
١- تونكو عبد الرحمن
فبالنسبة لتونكو عبد الرحمن ولقبه (أبو الاستقلال) باعتباره أول رئيس وزراء، وجد أن الاستقلال في ماليزيا لم يتحقق إلا من خلال تحقيق توافق وانسجام بين كل الأعراق المختلفة في المجتمع الماليزي؛ ومن ثم فقد نجح في توطيد العلاقات ما بين الصينيين والهنود من جانب، والملايو من الجانب الآخر، حيث اعترف الصينيون والهنود ببعض المزايا للملايو، وأيضًا اعترف الملايو بحقوق المواطنة الكاملة للصينيين والهنود. كما نجح أيضًا في بناء التحالفات بين الأحزاب الكبرى، وهو ما ساعد بدوره على تحقيق التوافق فيما بين الأعراق المختلفة وإن كان بدرجة محدودة.
٢- تون عبد الرزاق بن حسين
جاء في عام ١٩٧٠ بعد الاضطرابات العِرقية ما بين الملايو والصينيين في ١٣ مايو ١٩٦٩، فقام بإعادة تشكيل التركيبة السياسية الماليزية، وعمل على توسيع التحالف الحاكم، كما أسس الجبهة الوطنية لتشكيل قاعدة حُكم ائتلافي؛ أرسخ وأقوى. وكذلك كما قام بإطلاق السياسة الاقتصادية الجديدة، حيث استهدف من خلالها تحقيق تقدم اقتصادي لجميع الأعراق المكونة للمجتمع الماليزي. فضلًا عن سعيه لتحسين أوضاع الملايو نظرًا للمعاناة من الفقر أكثر من الصينيين والهنود، وذلك لتحقيق قدر من الأمان لهم؛ يضمن الاستقرار ويقلل من تكرار الاضطرابات فيما بينهم.
٣- تون حسين عون
سار تون حسين عون على خُطى تون عبد الرزاق، ونجح في استيعاب مهاتير محمد، وذلك بعدما تم طرده من الحزب وقيادته بعد أحداث ١٩٦٩، كما جعله نائبًا له ووزيرًا للتربية.
٤- مهاتير محمد
تعد فترة قيادة مهاتير محمد من أفضل الفترات في تاريخ ماليزيا، حيث استطاعت ماليزيا في عهده تحقيق درجة عالية من التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، حيث تحولت ماليزيا في عهده من دولة تُعاني من مشكلات عِرقية واجتماعية، وحالة من عدم الاستقرار، إلى دولة تستطيع تحقيق درجة عالية من النمو، وذلك على الرغم من الاختلافات في كل شئ من حيث الدين، العِرق، الثقافة، اللغة، والطبقة الاقتصادية.
ويجب الإشارة إلى أن اهتمام مهاتير محمد بحل مشكلة الاضطرابات العرقية بين الملايو والصينيين والهنود كان سابقًا على توليه رئاسة وزراء البلاد؛ فعِند حدوث الاضطرابات العرقية في ١٩٦٩ أرسل رسالة إلى تكنو عبد الرحمن وانتقد فيها سياساته الاجتماعية في تعامله مع الاضطرابات، وكذلك في عدم تفهُّم الحكومة المؤشرات التي توضح إمكانية اندلاع عنف في ماليزيا، كما انتقده في عدم اتخاذه الإجراءات الضرورية اللازمة لتهدئة الاضطرب العرقي، وكذلك أحداث العنف والتخريب التي حدثت في ماليزيا.
وظهر اهتمامه بالمشكلة قبل توليه رئاسة الوزراء في كتابه “مشكلة المالايا”، والذي حاول فيه أن يفسر أسباب الاضطرابات العرقية، وكذلك أسباب تخلُّف الملايو، واقترح حلا سياسيًا- اقتصاديًا يقوم على الحماية البنَّاءة للملايو، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الوراثية والبيئية، ولكن تكنو عبد الرحمن منع تداول هذا الكتاب، وإن كان تون عبد الرازق- رئيس الوزراء التالي بعد تكنو عبد الرحمن- بدأ في تطبيق أفكار كتاب محاضير محمد، وقد ظهر ذلك في إطار تطبيقه لـ “السياسة الاقتصادية الجديدة”، والتي تركز على ترقية الملايو اقتصاديًا، ومن ثَم محاولة التغلب على عدم التكافؤ بينها والعرقيات الأخرى في المجتمع.
يُرجِع مهاتير محمد تخلف الأوضاع الاقتصادية والثقافية والتعليمية للملايو إلى بعض العوامل؛
– الوراثة والبيئة: حيث يرى أن الجينات الوراثية للملايو، بالإضافة إلى اقتصار الملايو على الزواج من داخل عرقيتهم، أدى إلى عدم تطويرهم بشكل طبيعي كباقي العرقيات، بالإضافة إلى المناخ الحار؛ حيث كان له أثرًا سلبيًا على الملايو، حيث انتشار طابع الكسل والخمول، بالإضافة إلى توطين الأمراض الطفيلية، وهي ما أضرت بصحتهم، كما انتقلت بالوراثة للأجيال التالية.
– العوامل الثقافية: فعلى الرغم من تعلم الملايو للقرآن الكريم، من خلال الاحتكاك المباشر بالتجار العرب وتعلم اللغة العربية، إلا أنهم لم يتعلموا رَوحَ الثقافة والقيم الإسلامية الصحيحة، ومن ذلك انتظارهم لحسن العاقبة بعد الموت دون الاهتمام بالعمل والارتقاء بالذات، وكذلك الخلط ما بين مفهوم التوكل والتواكل، بالإضافة إلى الكرم والتسامح المفرط للملايو مع العرقيات الأخرى، مما أدى إلى استغلالهم بسهولة.
– عدم التعاون من العرقيات الأخرى من غير الملايو مع أبناء الملايو للمشاركة في النشاط الاقتصادي؛ ومن ثم قدَّم محاضير محمد آليتين جوهريتين لمواجهة معضلة الملايو وهما:
أ- الثورة: المقصود بها ثورة إصلاحٍ مُنظَّمة وتدريجية تؤدي لإصلاح المجتمع، ولكن دون أن تؤثر على مكتسبات العرقيات الأخرى، ويتم ذلك من خلال إضفاء حماية تفضيلية بنَّاءة على أساس علمي دقيق حول أبعاد الدور الذي تقوم به الوراثة والبيئة في تكوين الجوانب الفكرية والجسمانية والنفسية للشخصية الملايوية.
ب- التطور: وهو عملية طبيعية لا يمكن التحكم فيها من حيث السرعة أو الهدف، ووُجِد أنها ليست في صالح الملايويين.
وقد دعا محاضير محمد في هذا الإطار أبناء وطنه بالدخول في الحياة الاقتصادية، والاحتكاك بشكل أكبر مع غيرهم من العرقيات الأخرى، وذلك لكسر الحاجز النفسي بينهم، فضلًا عن اكتساب الملايو لمهارات العمل والتجارة من العرقيات الأخرى؛ ومن ثم اعتبر محاضير محمد أن السياسة الاقتصادية الجديدة هي الخُطوة الأولى لتحقيق السلام والتجانس العرقي، وذلك لأن كل من العدالة الاقتصادية والتنمية والتقدم يتطلب توافر عدالة عرقية.
بعد تولي محاضير محمد رئاسة الوزراء كان يشغله كيفية الارتقاء بالملايو، وكان يدرك أن السلام والاستقرار لا يتحقق بدون توزيع عادل للثروة بين عرقيات المجتمع الماليزي، وليس بتفضيل عرقية عن أخرى؛ ومن ثم رأى ضرورة رصد جوانب القوة والضعف للمجتمع الماليزي ككل، ولذلك بعد انتهاء “السياسة الاقتصادية الجديدة” التي وضعتها حكومة تون عبد الرازق من ١٩٧١-١٩٩٠، بدأت حكومة محاضير محمد في تبني “سياسة التنمية القومية” ١٩٩١، والتي تُعد استمرارًا لتحقيق أهداف “السياسة الاقتصادية الجديدة”، وقامت على دعم الملايو في مختلف المجالات دون الإضرار بالعرقيات الأخرى. وقد أطلق عليها رؤية ٢٠٢٠، وتعكس المرحلة التنموية بعد نجاح الخطة السابعة في الارتقاء بالمستوى الاقتصادي للملايويين.
ومن ثم نرى أن الدولة الماليزية متمثلة في قادتها كان لها عظيم الأثر في السعي لتحقيق التنمية فيها، والارتقاء بمستوى المعيشة وظروف الملايو؛ ومن ثم فكان دور الدولة الأساسي لتحقيق التنمية فيها يتركز بشكل أساسي حول النجاح في إدارة التعددية العرقية، والتعامل معها، بل بالاستفادة منها ومحاولة البحث عن إيجابياتها.