كتب: محمد ماهر
تدقيق لثغوي: ياسر فتحي
حجَبَ بايدن عن مصر 130 مليون دولارًا مِن 300 مليون دولار مِن المعونة العسكرية ووضَعَ قيودًا على استخدام الجزء المتبقي بسبب “مخاوف حقوقية”، ويأتي ذلك القرار مباشرة بعد تقرير جماعة هيومن رايتس ووتش الحقوقية والتي أفردنا لنشاطاتها المشبوهة تقريرًا مصحوبا بالأدلة في وقتٍ سابق. ويعلم بايدن، وتعلم تلك الجماعات ويعلم أعضاء الكونجرس ويعلم كل الأطراف المعنية وغير المعنية أنَّ هذا القدر الضئيل جدًا مِن الدولارات لَمْ ولنْ يغير مِن الأمر شئ ولا يرقى لأن يكون حتى وسيلةَ ضغطٍ على بلاد الواق الواق، ولكن كان لِزامًا على بايدن أنْ يرضخ لهذا الكم الرهيب مِنَ الضغوط ويحفظ ماء وجهه أمام الكونجرس والجماعات الحقوقية خاصة بعد وعوده الانتخابية السخية جدًا في القضايا “الحقوقية”.
وكانت جماعة هيومن رايتس ووتش الحقوقية المشبوهة أصدرت تقريرًا ضد مصر ليس به حتى ذلك القدر الضئيل مِن قواعد التحقق والبحث والدراسة، فمنذ أنْ تولى بايدن ولايته كرئيسٍ للولايات المتحدة وهناك ضغوطًا كبيرة تُمارَسُ عليه لِيَفي بوعوده الانتخابية السخية في المسائل الحقوقية عامة وضد الإدارة المصرية خاصة.
لكن بايدن يعلم أيضًا وكل مَنْ سبقَهُ مِن الإدارات أنَّ حجب المعونة يصب في مصلحة المعسكر الشرقي (روسيا والصين) والتي فتحت مصر معهم حسابات كبيرة في شراء الأسلحة المتطورة للغاية وتمردت على الهيمنة الأمريكية في سوق السلاح في الشرق الأوسط، ودخلت روسيا منذ ذلك الحين كمنافسٍ قوي جدًا للولايات المتحدة في سوق الشرق الأوسط، خاصة أنَّ معظم الجيوش في المنطقة بل وفي العالم يثقون في اختيارات الجيش المصري للأسلحة، ودعمت فرنسا هذا التمرد المصري على الهيمنة الأمريكية في سوق السلاح بمنح مصر الكثير مِن الأسلحة النوعية وأهمها صواريخ جو جو خلف مدى الرؤية.
واستغلت مصر هذا الجفاء بين إدارة أوباما السابقة وإدارة السيسي الحالية كفرصة في تعزيز علاقاتها العسكرية مع المعسكر الشرقي والاستحواذ على ما حرمتها منه الولايات المتحدة لعقودٍ مِن أسلحة متطورة لتُعيد التوازن لميزان القوىٰ في المنطقة نوعًا ما.
يُعد قرار بايدن حلًا وسطًا لكنه يأتي مخيبًا لآمال بعض المشرعين والنشطاء القلقين من “الانتهاكات الحقوقية” في مصر. لكن يمكن القول أيضًا أنه موقف أكثر حسمًا في قضية “حقوق الإنسان” مما اتخذته معظم الإدارات السابقة عندما يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.
تمنح الولايات المتحدة مصر 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية سنويًا. ومِن هذا المبلغ، وضع الكونجرس الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان على 300 مليون دولار، لكن يمكن لوزير الخارجية نقض هذه الشروط والسماح بوصول المساعدات إلى القاهرة، وهو ما كان الخطوة المعتادة في السابق.
ومع ذلك، يمكن استخدام مبلغ ال 170 مليون دولار المتبقية في مجالات معينة، مثل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وبعض المجالات الأخرى، ويُعد مبلغ الـ 130 مليون دولار المحتجز هو مبلغ توصلت إليه إدارة بايدن بسبب بعض القيود الموضوعة في القوانين المتعلقة بالأموال.
ومِن الجدير بالذكر أنَّ بايدن كان دائم الوعود وسخيًا جدًا في وعوده الانتخابية المتعلقة بالقضايا الحقوقية، ودائمًا ما انتقد إدارة ترامب أنها تعطي “شيكات على بياض” للإدارة المصرية وأنه عندما يتولى منصب الرئاسة سيوقف كل ذلك. لكن مِن الواضح أنَّ بايدن اختار الحل الوسط الذي يختاره الديمقراطيون دائمًا والذي يكونُ بحجبِ جزءٍ ليس له أهمية على الإطلاق مِن المعونة فقط لحفظ ماء الوجه، وليس مِن المستبعد على الإطلاق أنَّ إدارة بايدن تكون قد تواصلت مع مصر وأفهمَت المسؤولين المصريين موقفهم وأنهم لابد أنْ يتخذوا إجراءً ما، لكنه إجراءٌ لنْ يؤثر على العلاقات الثنائية بأي حالٍ مِن الأحوال.