fbpx
معرفة

يكفي تَنمُر وتنَطُع!

كتب: د. علاء جراد

السر في بناء الشخصية المتزنة، والموضوعية، يعتمد، بدرجة كبيرة؛ على التربية، في السنوات الأولى، ويشترك في هذه التربية، وبناء الشخصية، بالدرجة الأولى؛ المدرسة الابتدائية، والأهل، وبالتالي إذا كان الأهل، أصلًا، يفتقدون إلى التربية الحسنة، ولديهم رواسب نفسية، وتشوهات فكرية؛ فبالطبع؛ سوف ينقلون هذا التشوه لأبنائهم، وهنا يأتي دور المدرسة، في إصلاح ما أفسده الأهل.

ويبدو أن عدم قيام نظام التعليم في مصر، بدوره الحقيقي، في السنوات الأولى، أدى لوجود الكثير من المصابين بأمراض نفسية، وآفات سلوكية؛ أهمها التَّنمُّو، والتنطُّع، والأنانية، وعدم الاكتراث بالمصلحة العامة، بل تكريس الاهتمام بالذات.

وهناك أمثلة، لا حصر لها، على تلك السلوكيات، لكن؛ لنقف قليلًا عند التنمُّر، وهي قضية كبيرة؛ تحتاج لمجهود جبار، وعمل حقيقي؛ لرفع الوعي بها، ومحاربتها.

ينتشر التنمُّر في المدارس، والشركات، والدوائر الحكومية، بل؛ وفي المساجد أيضًا، ولا أنسى المُدرِّس، الذي طلب من تلميذة؛ إعراب جملة بها اسمها؛ مُتهكِّمًا على لون بشرتها، ومدرس آخر؛ يرد على تِلميذِه؛ الذي أجاب إجابة خاطئة؛ بقوله: “إسكت يا أبوجهل”، والكثير من هذه النوعية.

ثم هؤلاء المرضى؛ الذين يتنمرَّون بذوي الاحتياجات الخاصة، ويتهكمون عليهم، بل يصل الأمر لأذيتهم بدنيًّا؛ لأنهم غير قادرين عن الدفاع عن أنفسهم..!

ولقد ساعدت قنوات التواصل على انتشار هذه الأفة، بطريقة مزعجة؛ فاليوم، قامت كل وسائل التواصل، على رئيس جامعة؛ لأنه كرّم إحدى الفنانات، وتم نعته بأفظع الألفاظ، وكذلك؛ الفنانة نفسها نابها كم هائل من الشتائم، والسِّباب، وأشياء أخرى، كثيرة، صادمة؛ لمجرد تكريم فنانة مصرية..!

وهنا يقترن التنمُّر، بالتنطع؛ فمدعي الفضيلة هؤلاء؛ وخاصة بعض الرجال منهم؛ صفحاتهم مليئة بالصور المشبوهة، والبوستات التي تصل لدرجة الإباحية..!

حالة غريبة من “الشيزوفرينيا” الحادة تعتري مجتمعنا، وللأسف؛ مازال “رجال الدين” بعيدين، كل البُعد؛ عن إحداث تغيير مدروس، وبأساليب علمية، ومازال الباحثون، وعلماء النفس، والاجتماع؛ منشغلين بأمور أخرى، ولا يُلقُون بالًا؛ للوصول لحلول عملية، وعلمية؛ لحل هذه المشكلات الاجتماعية الخطيرة، والتي تصل بالبعض؛ للانتحار، مثلما؛ حدث للطالبة الضحية، التي انتحرت، منذ أيام، أو للمعلمة، التي تركت وظيفتها؛ بسبب موقف يحدث للكثير منّا..!

أتمنى؛ تكاتف جميع الجهات المعنية، والشخصيات المؤثرة، في المجتمع؛ من أجل الوصول، لعلاج ناجع، وفعال، لهذه الآفات المجتمعية، فلا توجد مشكلة دون حل.

ولقد خطت مصر؛ خطوات عظيمة، في طريقها للجمهورية الجديدة، ولكن معظم هذه الخطوات تصب في البنية التحتية، والـ “هاردوير”، ونحن نحتاج، الآن؛ للعمل على الـ “سوفت وير”، وإعادة برمجة، أو تصحيح اتجاه، بوصلة القيم المجتمعية، التي نصبو لها؛ حتى يكون مجتمعنا، قائمًا على الأخلاق، والقيم.

ولنتذكر أن؛ الدين المعاملة، وليس التنظير، والحُكم على الآخرين، والتنطُّع؛ ولنتذكر أبيات أمير الشعراء؛ شاعرنا العظيم أحمد شوقي، التي يقول فيها:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت؛ فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه؛ فقوِّم النفس بالأخلاق تستقمُ
إذا أصيب القومُ في أخلاقهم؛ فأقِمْ عليهم مأتمًا وعويلًا.

لقد عَلّم أجدادنا القدماء، العالم؛ ليس بالمخترعات المادية، ولا بالتقدم العلمي، فقط، ولكن؛ بالقيم والاحترام، والأخلاق، فمن لا يعرف تاريخ بلده، ومدى تقدُّمه الأخلاقي، عليه أن يقرأ، فقط؛ قَسَم المصري القديم؛ ليدرك أن أجدادنا؛ كانوا قدوة في التسامح، واحترام الآخر، سواء كان إنسانًا، أو حيوانًا، أو شجرًا، أو حتى ماء النهر.

لنتعلم قَسَم أجدادنا، يوم الحساب؛ الذي قالوا فيه: “لم أتجسَّس على الآخر، لم أتحدَّث بالبهتان، لم أظلم إنسانًا، لم أتسبَّب فى تعاسةٍ، لم أتسبَّب فى دموعٍ، لم أرتكب ظُلمًا، لم أرتكب حماقةً، لم أكن عدوانيًّا، لم أنشر الخوف، لم أكُن سريعَ الغضب، لم أُفسد، لم أكن أصمَّ عن الحقِّ، لم أتسبَّب فى شجارٍ، لم أُزعج الآخر، لم أُمارس القُبح، لم أكُن مُهملًا، لم أكُن غضُوبًا، لم أكُن مُغتصبًا، لم أكُن حانقًا، ، لم أكن ثِرثارًا، لم أفعل الشر، لم أرفع صوتي، لم أُغضِب الرَّب، لم أُعلِ من مكانتى”.

أين نحن من هذا؟! ومع ذلك؛ فالفرصة مازالت سانحة؛ فلنبدأ، الآن، تعلُّم تاريخ بلدنا، ومن لا يحب القراءة؛ فليشاهد البرامج، والفيديوهات، التي تتحدث عن تاريخنا، وحضارتنا، وقراءة كِتاب “فجر الضمير”، والكثير من تلك الأعمال.

أتمنى أن نستفيق من كبوتنا، ونعود لأخلاق أجدادنا، التي تتناغم، تمامًا، مع الأديان السماوية، وتعاليم المولى، عزوجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى