المخدرات التخليقية.. القاتل الخفي في حوادث العنف والانتحار
كتبت : حياة يحيى
تدقيق : ياسر بهيج
انتشرت، في الآونة الأخيرة، بشكل مُفزع، جرائم عنف مفرط، غريبة على مجتمعنا المتماسك المُحافظ، تنم عن الشذوذ السلوكي، الذي لم تعرفه يومًا أسرنا، أيام الآباء، والأجداد.
ففي الماضي، كان يميز الأسرة المصرية، دومًا، عبر الأجيال؛ التماسك، والحب، والود، بين أفرادها، وتبجيل الكبير، ومراعاة شعور الصغير، والتعامل معه برفق، ورعاية الوالدين عند الشيب، وغيرها من الأخلاقيات الحميدة، النابعة من سماحة ديننا الحنيف، والتي تربينا، وتأسسنا عليها في كل مراحل حياتنا، حتى شببنا، وكبرنا، وأصبحنا آباء، وأجدادًا.
أما الآن، فقد أصبحنا نرى، ونسمع، عن جرائم، يشيب لها الولدان، لم تكن تخطر أبدًا على بال بشر، كزوجة تقتل زوجها، و زوج يحرق زوجته، وأب يقتل أسرته، وأم تبيع أولادها، وآخرها كانت الجريمة الشاذة بكل المقاييس، التي وقعت في الإسماعيلية الهادئة، عندما ذبح بلطجي مواطنًا، أمام أعين المارة، والأغرب أنه ما جرؤ واحد منهم على مقاومة المُجرم، ومنعه من ارتكاب جريمته الشنعاء، ومساعدة القتيل على النجاة من براثن القاتل الشرس..!!
هذا غير حوادث الانتحار العجيبة، التي باتت تسري، بين شباب صغير، وفتيات في عمر الزهور، كالنار في الهشيم، وفي كل حالة يتبين لك وقوع صاحبها، أو صاحبتها، تحت وطأة اليأس القاتل، وانعدام الأمل، مع كثرة الهموم، والمسؤوليات، وتبدُّل الزمان، بسيطرة التكنولوجيا على كل مناحي الحياة.
هذا الانتشار النوعي السريع، لكل جرائم العنف المفرط، والانتحار الأخيرة، وظهور أنواع عديدة من السلوكيات الشاذة، دفعنا للبحث عن أسباب وقوع مثل تلك الجرائم، وحوادث الانتحار، حتى وجدنا أن كلها يرتبط، بشكل مباشر بتعاطي نوع جديد من المخدرات يسمى بـ “التخليقية”، هي التي غيبت عقول مرتكبيها، فأضحت دافعًا لهم لارتكاب جرائمهم، وحوادثهم، بدون شعور بالذنب، أو إحساس بخشية من الخالق، أو وازع من ضمير، لافرق فيها بين فقير، وثري، لأن أصحابها يكونون مغيبين تحت سيطرة هذا المخدر العجيب، لايدرون ما يفعلون؟! ولماذا؟!
“الجمهورية الثانية” بحثت عن إجابات شافية عن ماهية تلك المخدرات التخليقية، والفرق بينها والمخدرات التقليدية، وعلاقتها بكل تلك الجرائم الشاذة، وحوادث الانتحار، لدي الأستاذ الدكتور إبراهيم مجدي أخصائي الطب النفسي، والإدمان، والمخ والأعصاب، بجامعة عين شمس، فكان هذا الحوار؛ تفاصيله في السطور التالية :
* بداية.. ماالمخدرات التخليقية ؟ وما الفرق بينها والمخدرات التقليدية؟
– المخدرات التقليدية هي أنواع طبيعية المصدر، وتستخرج من بعض النباتات؛ مثل القنّل، والخشخاش، وغيرها، أما المخدرات التخليقية، فهي مُصنّعة بالكامل من مركبات كيميائية، وغالبًا ماتتكون من عدة مركبات، أغلبها مجهول المصدر، والتركيب.
* وهل تلك المخدرات منتشرة فى مصر ؟ وما أنواعها، وأماكن انتشارها، والفئات التي تتعاطها؟
– بالفعل، المخدرات التخليقية منتشرة بكثرة فى مصر، خاصة فى الفئات العمرية من 16 إلى 30 سنة، تجدها فى الحفلات، وأماكن السهر، بسبب ماتعطيه من طاقة مفرطة، تلائم تلك الأجواء، وهي نوعان، الأول عالمي يأتينا من دول أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، وروسيا، حيث بدأ تصنيعها فى تلك الدول، لتنتشر منها إلى كل أنحاء العالم، والآخر النوع المحلي، ويجري تركيبه في مصانع بير السلم.
مُركّبات مجهولة
* وما أسباب انتشارها بهذا الشكل وأشهر أنواعها فى مصر؟
– هناك عدة أسباب؛ أهمها على الإطلاق، رُخص سعرها، مقارنة بأنواع المخدرات التقليدية، بالإضافة لتركيزها العالي، وسهولة تداولها، وبيعها، وصعوبة الاشتباه فيها، أو ضبطها، كون مركباتها مجهولة، وتُباع فى أشكال مختلفة؛ كبخور، أو علب أدوية، أو ملح، أو أعشاب، وأكثر الأنواع المنتشرة فى مصر؛ هي الشابو، والفودو، والإستروكس، والترامادول.
إحصاءات غير دقيقة
* وهل كونها مجهولة المكونات، والمصدر، يصعِّب من التعرف عليها فى التحاليل؟ وهل لدينا إحصاءات لأعداد متعاطيها ؟
– بالطبع، لأنها لا تظهر فى التحاليل الخاصة بالمدمنين، كونها مواد غير متعارف عليها، وبالتالي تعطي نتائج تحاليل مُضللة، وغير دقيقة، ما يصعّب علينا تتبع أعداد المتعاطين، وعليه؛ فليس لدينا إحصاءات دقيقة لأعداد المتعاطين.
الوفاة أو أمراض قاتلة
* ماالفرق بينها والمخدرات العادية في التأثير على الجهاز العصبي؟
– تأثيرها شديد الضرر، بمراحل أكثر من المخدرات التقليدية، فهي تدمّر خلايا الدماغ، وتنشّط البؤر الصرعية، وتسبب أمراضًا قاتلة؛ كنزيف الدماغ، وسرطان الرئة، وارتفاع مفرط في الضغط، وغالبًا، ماتسبّب الوفاة، أو الأضرار العصبية، والدماغية الدائمة، لمن يبقى من متعاطيها، على قيد الحياة، حيث تُتلف خلايا مخه.
إدمان وعنف مفرط
* وماعلاقتها بنوعية الجرائم، وزيادة معدلات الجريمة؟
– هي مرتبطة بجرائم العنف المفرط، وزيادة معدلات جرائم الاغتصاب، والقتل، والانتحار، لما تسبّبه من حالة فرط نشاط جنسي، وعصبي، لدرجة تجعل المتعاطي غير قادر على النوم لأيام متتالية، مايسبب له الهياج العصبي، كما أنها تسبب الهلاوس، والرغبة فى العنف، وانعدام الشعور بمحيطه، وتلي تلك الأعراض؛ حالة هبوط مفاجئ فى النشاط، يُسبب اضطرابات عصبية، ونفسية شديدة، لذلك، فمتعاطوها ينتحرون غالبًا، أو ينتهى بهم المطاف؛ قتلة، ومغتصبين.
* ومتى يتحول متعاطو تلك الأنواع لمدمنين؟
– في الحقيقة.. لا توجد إجابة محددة، لأن بعض تلك الأنواع يُدمن عليها، من التعاطي لأول مرة، وبعضها يحتاج إلى مرتين، أو تلاث.
المُمكن والقاتل
* هل يمكن علاج مدمن المخدرات التخليقية؟
– أغلب الأنواع يتم علاجه على المستويين السلوكي، والعصبي، بالإضافة لعلاج أعراض الانسحاب، ولكن هناك بعض الأنواع لا علاج له، وبعضها الآخر يسبب الوفاة، من أول جرعة.
علامات خطيرة
* وكيف يمكن للأسرة معرفة الشخص المتعاطي لهذه المخدرات؟
– أولًا؛ سنلاحظ تغيُّرًا تامًا فى سلوكه، وعنف فى طبعه، ونشاطه الزائد، والسهر، والخروج الكثير، وتبذير الأموال، مع تغيُّر المستوى الدراسي؛ كإهماله لنفسه، ومظهره، ونظافته الشخصية، وعلامات أخرى؛ كفقدان للشهية، وهلاوس، لدرجة أنه قد يعانى نوبات صرعية، لم يسبق أن كان يعانينها من قبل، حتى يصل إلى مرحلة هزال شديد، وتساقط الأسنان، والقروح الجسدية، والشيخوخة المبكرة.
انتهى الحوار.. وأظهرت إجابات المتخصصين، أننا في مواجهة قاتل متلوّن.. غامض.. يصعب التعرف إليه، وينتشر بسرعة البرق، ليسرق منّا أغلى الناس، ويقطف زهرة شبابهم، فيحولهم إلى مسوخ، وآلات للقتل، كما عُرِف عن كثير من الداعشين، تعاطيهم لتلك الأنواع، قبل ارتكابهم عمليات الاغتصاب، والقتل العنيف، لتحولهم من بشر إلى مجرد قتلة، ومغتصبين، وينتهي بهم الأمر إلى منتحرين..!
وفى أفضل الظروف.. قد ينتهي بهؤلاء الأمر إلى أن يصبحوا مرضى بالصرع، أو السرطان الرئوي، أو الإصابات الدماغية الدائمة..!
لذلك.. علينا أن نحذر أشد الحذر من تناول أي عقاقير مجهولة المصدر، والتشديد على أبنائنا بذلك، وعدم تناولها من غرباء، ومتابعة أي سلوك غريب يطرأ عليهم، وعدم تجاهل الإشارات التحذيرية الاي قد تظهر عليهم في يوم من الأيام، لننجو من آتون هذا الموت.