fbpx
تقارير

تقنية كريسبر.. يعتبرونها تصميمًا أحدث للبشر

كتبت: نرمين قاسم
تدقيق: ياسر فتحي

“المقص الجيني” أو تقنية كريسبر أحد أهم التطورات التي حدثت في البيوتكنولوجيا خلال الأربعين عامًا الماضية، ويتيح للعلماء والباحثين والمطورين تعديل جينوم خلية حية بدقة، وبعبارة أبسط “إمكانية تعديل البرنامج الذي يجعلنا أحياءً”.

• الاكتشاف القديم الجديد

بالرغم من التغطية الإعلامية المكثفة التي ألقت الضوء على تقنية كريسبر مؤخرًا، إلا أن العلماء كانوا يدرسون هذه التقنية في البكتيريا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

– نُشِر أول تقرير عن كريسبر عام 1987، عندما اكتشف علماء يابانيون وجودها في الحمض النووي في بكتيريا E.Coli.
– في عام 2012، وضع العلماء مصطلح “كريسبر” ولمدة 10 سنوات، عمل العلماء على كشف تفاصيل كريسبر.
– في 7 أكتوبر 2020، مُنِحَت جائزة نوبل في الكيمياء للبروفيسور إيمانويل شاربنتييه، مديرة وحدة ماكس بلانك لعلوم مسببات الأمراض، في برلين، ألمانيا، وللبروفيسور جينيفر دودنا، من جامعة كاليفورنيا، بيركيلي، الولايات المتحدة الأمريكية “لتطوير طريقة للتحرير الجيني” حيث أن اكتشافهما لتقنية كريسبر-كاس9 “المقص الجيني” أحد أهم التطورات العلمية في القرن الحالي حتى الآن.

• التحرير الجيني.. وكيف تعمل تقنية كريسبر-كاس9؟

بشكل بسيط، تعمل تقنية كريسبر على التعديل الوراثي عن طريق إزالة جزء من جين أو تعديله، أو استبداله بالكامل بآخرَ جديدًا يؤدي الوظيفة المطلوبة.

وتعمل هذه التقنية أولًا بتحديد الجزء المراد تعديله في الحمض النووي، ليتم القطع والتبديل عند هذا الجزء فقط.

وتقنيات التحرير الجيني هي إحدى تقنيات التعديل الجيني التي تعيد كتابة المادة الوراثية لأي كائن حي، وتعتبر هذه التقنية أكثر دقة بكثير من التقنيات السابقة للهندسة الوراثية، وتستهدف علاج العديد من الأمراض كالإيدز والتهاب الكبد الفيروسي والسرطان، وغيرها من الأمراض المستعصية.

وقد أحدثت هذه التقنية تحولات جوهرية في أبحاث الطب الحيوي، في السنوات الأخيرة، ويأمل الباحثون في استخدام هذه التقنية لتعديل جينات البشر، بغرض القضاء على الأمراض، وإكساب النباتات قوة تحمُّل، والتخلص من مسببات الأمراض، ورغم إمكانات تقنيات التحرير الجيني الواعدة، إلا أن هناك مخاوف أخلاقية، ومخاوف تقنية مِن أنْ تؤدي إلى تعديلات جينومية شاذة أو خطيرة، وأن تتسبب الكائنات المعدلة وراثيًا في إحداث اضطرابات أو انهيارات في الأنظمة البيئية.

• ما المقصود بتحرير الجينات؟

يُشبِّهُ العلماء تحرير الجينات بوظيفة الإيجاد والاستبدال التي تستخدم لتصحيح الأخطاء الإملائية في الوثائق الإليكترونية المكتوبة على الكمبيوتر، وبدلاً من تحرير الكلمات، تعيد تقنيات تحرير الجين كتابة الحمض النووي، وهو الشفرة البيولوجية التي تشكل كتيبات التعليمات لجميع الكائنات الحية، ولدينا الآن طريقة دقيقة لتصحيح أو استبدال أو حتى حذف الحمض النووي المعيب.

• تطبيقات كريسبر

تقنية كريسبر-كاس9، هي أداة قوية جعلت عملية التحرير الجيني أسرع وأكثر دقة، وأرخص وأيسر من حيث التشغيل، وهذه التكنولوجيا تقلب أيضًا الموازين من الناحية الاجتماعية حيث أن لها تطبيقات عديدة في الطب البشري والزراعة والوقود الأحيائي وتصميم الأجنة.

– التطبيقات الزراعية القائمة على تقنية تحرير الجينات لأنها أسرع وأرخص وأكثر دقة من التعديل الوراثي التقليدي، وتستطيع السماح للمنتجين بتحسين المحاصيل دون إضافة جينات غريبة من كائنات أخرى، ونجح الباحثون في إنتاج طماطم بلا بذور وقمح خالٍ من الجلوتين وفطر عيش الغراب لا يتحول للون البني.
– في الطب طورت الشركات العاملة على الجيل التالي من المضادات الحيوية فيروسات غير ضارة من شأنها أنْ تجد وتهاجم سلالات معينة من البكتيريا التي تسبب العدوىٰ الخطيرة.
– يستخدم الباحثون تحرير الجينات لجعل أعضاء الخنازير آمنة لزرعها في البشر.
– لقد طوَّر تحرير الجينات البحوث الأساسية أيضًا، مما يسمح للعلماء أنْ يفهموا بدقة كيف تعمل جينات محددة.

• كيف يطبق التحرير الجيني؟

– عن طريق الفيروسات غير الضارة التي تصيب أنواعًا معينة من الخلايا، ثم تُحقَن الملايين من هذه الفيروسات في مجرى الدم أو مباشرة إلى الأنسجة المتضررة، وعندما تدخل إلى الجسم تغزو الفيروسات الخلايا المستهدفة وتحرر جزيئات الجينات للقيام بعملها.
– استخدم العلماء الجسيمات النانوية الدهنية لنقل جزيئات كريسبر-كاس9 إلى الكبد، واستخدموا نبضات صغيرة من الكهرباء لفتح المسام في الأجنة التي يمكن من خلالها إدخال جينات تحرير الجينات.

• هل يجب أنْ يتم ذلك في داخل الجسم؟

لا.. ليس ضروريًا، ففي بعض التجارب الأولى لتحرير الجينات، جمع العلماء خلايا من دم المرضىٰ، وقاموا بإجراء التعديلات الوراثية الضرورية، ثم غرسوا الخلايا المُعدَّلة مرة أخرى في المرضى.

ويمكن استخدام نهجٍ مماثلٍ لمكافحة أنواع معينة من السرطان، يتم فيها جمع الخلايا المناعية من دم المرضىٰ وتحريرها جينيًا بحيث تنتج البروتينات السطحية التي ترتبط بالخلايا السرطانية وتقتلها، وذلك بعد تحرير الخلايا لجعلها قاتلة للخلايا السرطانية، وينمي العلماء كميات كبيرة منها في المختبر، ويعيدون حقنها مرة أخرى في المريض، ويؤدي تعديل الخلايا خارج الجسم إلى إمكانية التحقق من التعديل لضمان نجاح عملية التحرير الجيني للخلايا قبل حقنها مرة أخرى داخل الجسم.

• نقلة نوعية

هذه التقنية تمثل نقلةً كبيرة في مجال التعديل الوراثي والبحث العلمي؛ فسهولة التصنيع، والدقة، والقدرة على استهداف مجموعة جينات في نفس الوقت، تمثل مميزات كبيرة عن التقنيات السابقة، وتضيف لدينا مساحة كبيرة من التطبيقات التي يمكن استخدامها في البشر.

وهناك الآلاف من الاختلالات الوراثية التي يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر، والعديد منها خطير.

وهذه الأمراض ليست نادرة، فواحدٌ مِن بين 25 طفلاً يولد بمرض وراثي ويحمل التحرير الجيني وعدًا بعلاج هذه الاختلالات الوراثية عن طريق تصحيح وإعادة كتابة الحمض النووي المعطوب في خلايا المرضىٰ.

واستخدِم تحرير الجينات بالفعل لتعديل الخلايا المناعية للبشر لمكافحه السرطان أو لمقاومة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، ويمكن أنْ تُستخدَم هذه التقنية أيضًا لإصلاح الجينات المَعيبة في الأجنة البشرية، وبالتالي منع الأطفال من وراثة الأمراض الخطيرة.

• أخطاء تقنية كريسبر

على الرغم مِن أنَّ تقنية كريسبر دقيقة جدًا لكنها ليست مثالية دائمًا، وقد تعمل هذه التقنية في بعض الخلايا ولكن لا تعمل في البعض الآخر، حتى عندما يصل كريسبر إلى المكان المناسب، يمكن أنْ تختلف التعديلات من خلية إلى خلية، على سبيل المثال يمكنه إصلاح نسختين من الجين المعيب في إحدى الخلايا، وفي المقابل لا يستطيع إصلاح سوى نسخة واحدة في خلية أخرى.

وهناك مشكلة شائعة أخرى تحدث عندما تتم التعديلات أو التحرير الجيني في المكان الخطأ في الجينوم، ويمكن أن يكون هناك المئات من هذه التعديلات “خارج الهدف” التي يمكن أن تكون خطيرة إذا كانت تعطل جينات صحية أو حمضًا نوويًا تنظيميًا حاسمًا.

• مخاوف أخلاقية واجتماعية وعلمية

على الرغم من الوعود المبشرة التي توفرها هذه التقنيات، لا يخلو الأمر من المخاوف الأخلاقية والقانونية والاجتماعية والعلمية، خاصةً فيما يتعلق بالتعديل الوراثي لدى الأجنة.

وتتمثل المخاوف في الآتي:
– سلامة هذه التقنيات وفاعليتها، بالإضافة إلى أسئلة أخرى عن العدالة الاجتماعية في التطبيق وعن المحافظة على التنوع البشري.
– في حال استخدامها في الأجنة لإنتاج أطفال بمواصفات معينة حسب الطلب، أو التفكير في تخليق أطفال بمواصفات خارقة.
– ظهور “اليوجينيا” التي تمثل مجموعة من المعتقدات والممارسات التي تهدف إلى تحسين التركيب الوراثي للجنس البشري لاختيار النسخ الجيدة واستبعاد أخرى قد تعتبر رديئة.
– يرتبط ظهور التقنيات الجديدة بالعديد من المخاوف والتساؤلات على غرار “ماذا لو؟” يحاول البعض الاستفادة من هذه المخاوف، وردود الأفعال للحد من تقدُّم العلوم.

• احتمالية إنتاج أطفال حسب الطلب!

تثير هندسة الأجنة البشرية أيضًا احتمال أنْ يقوم الباحثون بتصميم الأطفال حسب الطلب، حيث يتم تغيير الأجنة لأسباب اجتماعية وليست طبية؛ لجعل الشخص أكثر طولاً، أو أكثر ذكاءً، على سبيل المثال، أو طفلٍ بمواصفات خارقة.

ويمكن أنْ تشمل هذه الصفات آلاف الجينات، ومعظمها غير معروف حتى الآن، فإن الحصول على أطفال مصممين خصيصًا… احتمال مازال بعيدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى