معركة الوعي الزائف بين المتأسلمين والأمة
كتب: عبد المنعم إبراهيم
عانت مصر، والأمة العربية، على اتساع دولها، من التطرف، والتشدد الديني، اللذين أفضيا، بمختلف صورهما، إلى موجة أشد من الإرهاب المنظم، المؤسسي، الذي قامت على صناعته ليس أفراد فحسب، بل فرق، وجمعات، ومنظمات، صنعها الغرب، بمساعدة بعض الخونة العرب، ومتأسلمين متطرفين، ضربوا به العالم كله، بأساليب رخيصة خسيسة، كالتصفيات، والاغتيالات، وحروب العصابات، كما يجري في سيناء، لخدمة توجهاتهم الخبيثة، في إفساد الدين الصحيح، وتخريب معتقدات الناس بأفكار سواء دميمة، تحل القتل، والدم، لمجرد اختلاف الآراء، والرؤى، حتى بات الإسلام في نظر الآخرين مرادفًا للغلو، والتطرف، والإرهاب..!
وقد أصبحت القضايا الدينية، في الآونة الأخيرة، مثار اهتمام العالمين الإسلامي، والعربي، كليهما، وخاصة على المستويين السياسي، والثقافي، نتيجة للعولمة، والتغريب، واختراق العقول، وحروب الأجيال المعاصرة، بسلاح التكنولوجيا الفائقة، متسارعة التطور، لدرجات تفوق حدود خيالات البشر، أثرت علي الوعي الديني لبعض الشباب، الذي نشأ في بيئات فقيرة، وظروف حرمان، جعلته فريسة سائغة لوحوش المتطرفين، من حركات، وتنظيمات دينية عربية الظاهر الخارجي، لكنها صناعة غربية من الداخل، لم تكتفِ بالفرد، أو تقف عند حدود مجتمعات بعينها، بل توغلت، واستشرت، حتى أضحت عدوًّا للنظام العالمي برمته، تسعي لتغيير موازين قواه، وتفويض ثوابته، بفرض رؤاها الفاسدة، من خلال العنف الديني المُفرط، الذي تحوّل لديهم، من العمليات الفردية، إلى الحروب المنظمة الجماعية، ثم توسعت أكثر فأكثر، بالسعي إلى التأثير العقلي، والنفسي في النظم السياسية، والاجتماعية، وتهديد الأمن الاجتماعي للدول، من خلال بث سموم التشدد، عبر أفراد من دعاتها المُبرمجين، ضد المرأة، الذين هبوا يهاجمون بضراوة أدوارها المستجدة في الحياة الحديثة، عما سلف من الأزمان، ويحللون، ويحرمون كيفما شاؤوا، وماترآى لهم، رافضين أي معارضة، ولو كانت نقدًا يوافق العقل.
وقد لمسنا، جميعًا، تزايد تلك الظاهرة في الخُطَب الرنانة لبعض المشايخ، والدعاة المتطرفين، والتي احتوت أفكارًا غريبة تناهض الفكر العلمي، وتعوق التنمية وتكرِّس الفكر الخرافي.
لكن الأشد خطرًا، هي ظاهرة الدعاة الجدد، الذين خرجوا صنعوا أنفسهم بأنفسهم، بدون تحزُّب، أو انتماء وولاءات لغيرهم، ورسموا نهجمهم بالتمرد على النمط التقليدي للدعاية، في لغة الحوار، وأسلوبه، واختيار جمهورهم من البسطاء لسهولة دغدغة المشاعر، والقلوب، والعقول، بمعسول فتاوى التكفير، والقتل، والتدمير، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ما جعلهم يحتلون مساحة واسعة في سماوات الإعلام الديني المحلي، والعربي والإسلامي، والمؤسف أن هذا التوجه الديني التشدد نجح في أن يستقطب أعدادًا كبيرة من الشباب في السنوات الأخيرة، بشكل خطير، يؤثر على مستقبل الدولة، باعتبار أن شبابها هم وقودها للتنمية.
لذلك حذرت القيادة السياسية، مرارًا وتكرارًا، من خطورة كل أنواع التطرف، والتشدد، والإرهاب، حتى حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من لقاء، على توجيه الدعوة لشيوخنا، وعلماءنا، وقادة الثقافة، والفكر، والرأي الحر، للتوحد معًا، في وجه من يخططون لإسقاط الدولة، ومحاربتهم بفكر، وخطاب ديني سُمْحٍ، منطقي، متجدد، وإيجاد قوالب أخرى منظمة، أكثر انفتاحًا، وحرية، وتحضُّرَا، ترتكز على العلم الديني الموثوق، الذي يحترام العقل، ويتواءم مع المنطق، في الحوار، والنقاش، وتبادل الآراء، فتهذب شطط النفوس، وتناهض الأفكار السوداء، التي عششت في عقول شبابنا زمنًا طويلًا، وخطفته إلى ظلمة الإرهاب الحالك، فما عاد يرى النور، ويرفض ولو بصيصًا منه، وتمنع تأثيراتها العشوائية بالسلب علي تنمية المجتمع، والنهوض به، وخاصة في ظل وجود فرق، وجماعات خارجية، باتت تمارس الإرهاب، بشكل منظم خطير، لتهدم مجتمعاتنا المسلمة، وتعاليم دينها الوسطى، وتحطم قيم الاعتدال فيه، غارسة كل مايزيد الغلو، والتطرف في وعي الناس المسالمة.
الغريب أن دعوة الرئيس لم تجد آذانًا صاغية، أو حتى قبولًا من رجال الدين، والمؤسسات الدينية، بل لاقت انتقادات كبيرة، معتقدين أن الرئيس يريد أن يتدخل في الثوابت الدينية، ويأتي بدين جديد، رغم أن كل ما كان يصبو إليه، كمتخذ قرار، هو تطهير الفكر الديني من بعض الأفكار المُحرّفة الغريبة التي لاتتفق مع العقل، والمنطق، والأحاديث النبوية الضعيفة، التي بلا سند قوي من الرواة الثقات، وتناسى شيوخنا أن الله أمرنا بتدبر القرآن، وأوصانا بأن الدين معاملات، وسلوكيات، تزرع الخير، وتغرس الأمن والأمان، وتكره التعصب، وترنو إلى السلام، حتى تبين لنا من ردودهم، أن كل هذا الرفض من رجال ديننا الحنيف إنّما يرجع إلي تشكُّل الوعي الزائف بدواخلهم.
فما هو الوعي الزائف؟
إنه تناقض بين السلوكيات، والثوابت، وتجاهل التفسير العقلاني للأمور، وفرض بدائل مشوّهة، واجتزاء الأفعال، والأقوال، وحجب الحقيقة، والهروب من المشكلات الجوهرية، وخداع المواطن.
لذا لابد أن نعي جيدًا أن ما حققته شعوب أخرى ليس مقياسًا للتفوق، وأن ما يعيش فيه غيرنا ليس أفضل منّا، وما كان يعيش فيه السلف ليس مقدسات مكروهًا ومرفوضًا تبدلها بتبدل الزمان، وأن أي تغيير غير محمود العواقب، وحرام شرعًا، فلكل عصر ظروفه، واتجاهاته، لا أن يصل الأمر إلى تسطيح العقول، بإلقاء اللوم على الناس، وإرجاع سبب كل ما يعانونه من مشكلات، إلى ذنوبهم، فقط، فيحادثون العامة بأن الزلازل، والفيضانات، والأعاصير، والثورات، والحوادث، ما هي إلا لغضب الله عليهم، فلماذا لا تكون حكمة من الخالق، فيها الرحمة، والخير لنا، وليس غضبًا منه سبحانه وتعالى؟!
إذن.. كيف نبني الوعي الحقيقي؟
بناء الوعى الحقيقي لأمتنا يتطلب اتحاد كل مؤسسات الدولة الدينية، والتربوية، والثقافية، والإعلامية، وتضافر جهودهم نحو اتجاه واحد، هو بناء الشخصية القوية السوية، القادرة على مواجهة التحديات، والتمييز بين الحق، والباطل، وبين الوعى السديد، والآخر الزائف، وبين الحقائق، والشائعات، فالحريات لم تأتِ مُطلقة، حتى لا تحولها أهواء النفس البشرية إلى فوضى، تُبيح التخريب، والتدمير، لذا ينبغي أن تقف حرية الفرد عند حدود حريات الآخرين.
وختامًا.. ستظل قضية الوعي الزائف، والتطرف، هي أخطر ما تواجهه مجتمعاتنا، لذلك علينا أن ننتبه، ونحذر من الخطر المُحدق بنا، ويضع كل منّا، نصب عينيه، دورًا في الحياة، يقوم على البدء بنفسه، لو أراد إصلاح مجتمعه، بالتعامل السوي مع الآخرين، واحترام الرأي الاخر، بدون شطط، وعدم التعدي على حقوق، وحريات، وأدوار غيره في الحياة، وبخاصة القادة أولو الأمر، الذين يعد دورهم من أخطر أدور الحياة، لأنه مرتبط باتخاذ القرارات المصيرية، التي لابد أن تؤثر في حياة شعوبهم، وتغير حيواتهم تغييرًا جذريًّا.
لذا على كل فرد، أو مؤسسة، أو منظمة مدنية، أو دينية، أن تكون عونًا، وسندًا، لهم، لا عليهم، وذلك بأن يقدم كل منا ما في جعبته من فكر، أو معلومة، أو نصح قائم على الحكمة، أو رأي سديد، مبنى على الخبرات المتراكمة، بما يساعد قادتنا على اتخاذ القرار السليم، وسيظل الإعلام، كمنظمة مدنية وحياتية، صاحب أخطر، وأهم دور في تشكيل الوعي، فإن صلُح إعلامنا، سننجح، حتمًا، في تشكيل وعينا.