حرب “تغييب العقول”.. عن بعد!!
عضو المجموعة 73 مؤرخين
زياد عمرو.. يكتب :
هل تعلم عزيزي القارئ أن هناك الكثير من أجهزة المُخابرات في العالم أصبح يمتلك إدارة مستحدثة، تُسمي “الإدارة عن بُعد”؟
ما هذه الإدارة؟
وماذا تُدير؟ وكيف تُديره؟
وهل نجحت في ذلك؟
مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها، سنُجيبكَ عنها في السطور التالية..
الأجيال الجديدة من الحروب، هي حروب يجري فيها احتلال عقلك، لا احتلال أرضك،
وبعد أن يتم احتلاله، ستتكفل أنت بالباقي..!
ستجد نفسك في ميدان معركة، لا تعرف فيها خصمك، تخوض حربًا، تطلق فيها النار في كل اتجاه، لكن لن تُصيب عدوك الحقيقي..!
بمعنى أدق.. هى حرب مَنْ يخوضها يكون قد اتَّخذ قرارًا بقتل كل شيء يُحبه..! حرب تستخدمك أنت فى قتل ذاتك، وروحك..!
وفي النهاية.. ستجد نفسك كنت تُحارب بالوكالة، لصالح رجل جالس في مكان آخر، أراد أن يُخرج مشهدًا سينمائيًّا جديدًا لفنون الانتحار الجماعي..!
إنها حرب عجيبة.. المُنتصر فيها لم يدخلها، ولم ينزل الميدان من الأساس..!
وبعد حدوث تطورات سياسية عالميًّا، في الفترة الأخيرة، واندلاع بعض الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، زادت احتمالية حدوث مُناوشات عسكرية، قد تصل لاشتباكات عسكرية، بين جيوش نظامية بالمنطقة، ولم يعد بعيدًا أن يحدث صدام عسكري بين الجيشين المصري، والتركي، داخل ليبيا، لأن النظام التركي يرى مصالحه في دعم حكومة الوفاق الوطني، وأنه بذلك يستطيع السيطرة على الثروات الليبية، ويزيد نفوذه في البحر المتوسط.
إنّ النظام التركي يتَّبع الحيلة القديمة المعروفة، التي إتَّبعها مُعظم الغُزاة، على مر العصور، وهي إدِّعاء أن هذا التدخل لحماية شعب الدولة المُعتدى عليها، كما فعلت الحملة الفرنسية على مصر، وادَّعى فيها نابليون بونابرت أنه قادم، للحفاظ على مصالح الشعب المصري المقهور، وكما فعل الإنجليز أيضًا، قبل احتلال مصر، فالحيلة المعروفة، منذ قديم الأزل، هي محاولة إقناع الشعب بأنه مقهور، وأن تلك الدولة، التي تريد دخول أرضه، ليست مُعتدية، وإنّما ستقوم بحمايته.
واليوم.. نجد أن النظام التركي يدَّعي أنه سيتدخل عسكريًا في ليبيا، ليُحقق الاستقرار بها، لأن الشعب دائمًا هو مربط الفرس.
وكل ماسبق يدفعني لأن أطرح عليكم العديد من التساؤلات الأخرى، التي يجب أن نقف عندها بعض الشيء ، وهي :
هل يفتقد الشباب إلي الوطنية، ويفقدون حماسها؟
هل يرى الشباب أن البطل هو لاعب الكُرة، أو الفنان المشهور، وليس ضابط الجيش المُقاتل؟
هل كُره البعض لنظام سياسي مُعين يُمكن أن يشوه صورة القوات المسلحة في أعيُنهم؟
وهل السبب في كل ذلك، هو الأخطاء، التي تقع فيها الأنظمة السياسية، أم أن الحروب النفسية، وحروب الجيل الرابع، والأجيال الأكثر تقدُّمًا نجحت في أهدافها؟
هل الطبيعي أن تتصف آراء الشباب بالسطحية والسذاجة، أم أننا أمام كارثة، ستنفجر قريبًا في المُجتمع المصري؟
هل عجز البعض عن الفصل بين القوات المسلحة، وأي نظام سياسي سابق، أو حالٍ، أو مستقبلي، هو السبب في ذلك؟
فهيا بنا نجد إجابات لتلك الأسئلة، لأنه من الواضح أن هُناك حربًا أُخرى أشد خُبثًا، وخطورةً، من أي مواجهة عسكرية، تستطيع حسم نتائج المواجهات العسكرية، وهي “حرب العقول”.
بداية.. هل يفتقد الشباب الوطنية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن ننظر للقضية، بشكل أكثر موضوعية، فمن المُعتاد أن كل شعب يشعر بالانتماء نحو وطنه : المثقف، والجاهل، الغني، والفقير، والشريف، واللص.. كُلهم يجتمعون، في شعور داخلي، بالانتماء لوطنهم، فهُم ينتمون له، وعاشوا به، وشاهدوا فيه أيامًا جميلة، وأخرى صعبة.. ينتمون لقواتهم المُسلحة، ويشعرون بأن حماية هذه الأرض، والحفاظ عليها، شئ مُشرف.
وبعد التطورات السياسية الأخيرة.. نجد الخبراء، والمُحللين يكتبون المقالات، والتحليلات، وأغلبية الشعب تُتابع الموقف، في محاولة لفهم الوضع السياسي، ووسط تلك الحالة من الزخم، نجد كثيرًا من الآراء الساخرة، الهزلية، التي تسخر من كل شيء، وأي شيء..!
ولكن.. حتى ذلك يُعتبر طبيعيًّا، لايثير الاستغراب، والسبب أن الشعب المصري يتصف بخفة الظل، وحتى في الأمور الجادة.
إنّما الأمر المُثير للريبة، فهو انتشار بعض الآراء، لدى تلك الاغلبية الشعبية، تُشكك في قُدرات الجيش المصري، بل وتُشكك في أسباب دخول الجيش المعركة من الأساس، وتدعي عدم مشروعية قتال الطرف الآخر، لأنه مُسلم..! وترى أن تلك الحرب سيتدخل فيها الجيش، لتحقيق مصالح النظام المصري، وهو مُعارض لهذا النظام من الأساس..!
ولم تتوقف مجموعة المعتقدات لدى تلك الأغلبية عند هذا الحد، بل ترى، أيضًا، ضرورة الدخول في حروب أخرى، أولى من هذه المعركة..!
ثم تتطور تلك الأفكار، لترى عدم وجود أهمية لدعم الجيش المصري، وأن من يستحق الدعم هو الجيش الإسلامي !!!
وهنا نصل للأفكار التي تبني عليها الجماعات الإرهابية، والتكفيرية، عقيدتها.
وعلي الرغم من ضعف انتشار كل تلك الآراء السابقة داخل المجتمع المصري، وعدم تأثيرها، فإن الواقع يقول إنّها موجودة، وأصبح لازمًا علينا مواجهتها، ولكن لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟!
الإجابة – إذن – على السؤال الأول هي : نعم، يفتقد الكثير من الشباب المصري إلى الوطنيه، لأنهم يفتقدون إلى القدوة، يفتقدون لمشاعر، من الطبيعي أن تكون بداخلهم.
وهنا يجب أن نقف لنسأل :
لماذا؟ وما السبب؟
لماذا أجد شخصًا يمتلك تلك المُعتقدات؟ وكيف وصلت إليه؟
الواقع يوضح لنا أن أصحاب هذه الأفكار والمعتقدات الهدّامة نوعان، لا ثالث لهما، الأول، هو “المرسل” ، الذي يضع تلك الأفكار أمام عينيك، لأنه يعرف هدفها، والنتائج التي ستصل لها.
كما يعرف، جيدًا، أصول تلك الأفكار، ومصادرها، بل ويعرف أيضًا أنها ستؤدي لنتائج تضُر الكثيرين، ولكن.. هذا هو هدفه من الأساس..!نأتي إلى النوع الثاني، وهو “المُستقبِل”، أي المُتلقي لرسائل المُرسل، وهو النوع، الذي أكتب هذا المقال من أجله، فهو مازال على الدرجة الأولى من السلم، وسيبقى عليها لفترة طويلة..!
فالمُستقبِل لا يُريد الأهداف، التي يُريدها المُرسل، بل لا يعلم إلا الظاهر منها فقط، وينخدع بالعبارات البراقة، والآيات، والأحاديث، التي يستخدمها المُرسل لكي يُحكم سيطرته الكاملة عليه..!
وهُنا مربط الفرس هو المُستقبِل، الذي يقع في عُنق الزُجاجة، فيُدافع عن أفكار، ومُعتقدات، يؤمن بها، وهو لا يدري الكثير من الأسرار الباطنة، التي تُخفى عنه.
ولنضرب مثلًا، فكونك جالسًا في بيتك، تُشاهد أحد البرامج، يُحلل فيه المُذيع التطورات السياسية، التي تشهدها المنطقة، ويضع أسبابًا لهذه التطورات، فالمُذيع هنا مُرسل، وأنت مُستقبل ،لما يُرسل من رسائل، والمُرسل، كذلك، قد يكون كتابًا، أو صديقًا، يرسل، وهو لا يعلم ذلك..!
وماذا يفعل المُرسل؟
قد نجد أن المرسل، نفسه، لا يعرف جميع الأهداف التي تنطوي عليها أفكاره، فحتى المُرسل يُعد مُستقبلًا، دون أن يشعر بذلك، وللمُرسل نهج يتبعه لكي ينشر هذه الأفكار، وإليك تفصيل ذلك:
“الهوية” :
الهدف الأول للمُرسل هو مَحو هوية المُستقبل، محوها دون أن يشعر، وإقناعه ببعض الآراء، التي ستُسهل علي المُرسل مُهمته فيما بعد.. إقناعه بأنه لا دول، ولا حدود، ولا انتماء، وبالتالي لا تضحية..!
لماذا ستُضحي من أجل أشياء، لم تخترها أنت، بل فُرضت عليك..؟!
لماذا تُضحي بأشياء، لم تنتفع منها بشيء، مُنذ ولادتك..؟!
ويبدأ بطرح بعض الأسئلة الشائكة، التي تلعب بعقلك، لتحقيق ما يُريد، مثل :
ماذا حصلت من هذا البلد، لكي تُدافع عنه؟!
ماذا قدم لك هذا البلد، لكي تُفكر أن تُضحي من أجله، مثلًا؟!
فتبدأ أن ترى كلامه حقيقيًّا، أو حتى جُزءًا منه، وهو لا يُريد أكثر من ذلك، حتى الآن ،
ولكن إذا تركك، دون هوية، فسيُكشف، وستُكشف خطته سريعًا، لذا فهو يوفر لك هوية أخرى، لكي يشبع احتياجك للانتماء..!
وهنا.. لن يجد أفضل من الدين، فالإسلام هو العُنصر الأمثل لهذا الأمر، ولن يختلف عليه أحد، ولن تتشكك به..
فالإسلام، هنا، هو أنسب هوية، يُشعرك بأنه يُريدك أن تنتمي لها، فقط لعدة أسباب، وإليكم التفصيل :
ستوفر عليه الكثير من النقاشات، فيلجأ لبعض الآيات، والأحاديث، ويُفسرها كما يروق له، والقليل من سيبحث وراء ما يقول..!
سيُشعرك بأن الدين هو الانتماء الوحيد لك، فلن يختلف الكثيرون على الدين، وهناك الملايين عندما يسمعون لقد قال الرسول (ص) كذا وكذا، سيشعرون بأن هذا الطريق هو الصواب، فهو ينصحنى بما يُريده الله ورسوله، فكيف لا أُطيعه؟!
وهنا سيتحرك خلفه الكثيرون من السُذج، وسيشُك الكثير من المُفكرين، وبمجرد دخول الشك إلى عقلك، فهنا تنتهي المرحلة الأولى، وهو لا يحتاج لأكثر من ذلك.
سيستخدم الدين كما يهوى.. سيشُكك في الأحاديث، التي تُعرقل أهدافه، وسيعمل على نشر أحاديث أخرى ،ويُفسرها، كما يروق له، لكي يحقق أهدافه.. فيُشكك في حديث مثلًا كحديث “خير أجناد الأرض”، وسيحاول إثبات أنه حديث ضعيف، ليجعلك تكره جيشك، وبدافع ديني، ولا تجد أي شيء، تستند عليه، وتُحبه، بل هو، فقط، من يستند لأحاديث يُفسرها بطريقته.
وقبل أن ندخل إلى المرحلة الثانية، سنسأل : لماذا الهوية المصرية؟ وماذا يُمكن أن يُفيده من أن يكون الشعب المصري فاقدًا هويته الوطنية؟
بداية.. تعتمد الدول الاستعمارية الكُبرى على أنها، نفسها، الدول المُصنعة للسلاح في العالم، وهي الدول التي تُصدر للجيش المصري سلاحه، لذا تستطيع أن تضع الجيش المصري في المستوى، الذي تُريده.
ولكن.. بالنظر إلى أغلب الحروب التي خاضها الجيش المصري، فقد حقق بها انتصارات قوية، على الرغم من أنه لم يمتلك سوى الأسلحة ،التي تُصدرها له الدول الاستعمارية.
ففي حرب أكتوبر 1973، كانت “الميج 21” هي المُقاتلة الرئيسية للقوات الجوية المصرية، وكانت القوات الجوية الإسرائيلية تعتمد على “الميراج”، و”الفانتوم”.
وكان الفرق التقني بين الميج المصرية، والفانتوم الإسرائيلية مُفزعًا، فالفانتوم تستطيع حمل قُرابة 7 أطنان من الذخيرة، بينما لا تستطيع الميج المصرية حمل أكثر من طن واحد، ومدة بقائها في الجو لا تتخطى الساعة الواحدة، بينما تستطيع الفانتوم أن تظل في الجو لأكثر من 4 ساعات، وطبعًا يختلف ذلك بحسب سرعة الطائرة، وحمولتها وارتفاعها، وحتى الفرق العددي كان لمصلحة الجيش الإسرائيلي.
ولكن.. ماذا حدث؟
لقد حققت القوات الجوية المصرية انتصارات مُذهلة، من المُستحيل تحقيقها نظريًّا، غيرت كثيرًا من قواعد الحرب، ونظريات القتال في العالم..!
فكيف حدث ذلك؟!
لا يُمكن لأحد، على وجه الأرض، أن يُنكر الدور المحوري للعُنصر البشري في أي معركة عسكرية، فالجندي المصري في الحرب يمتلك عقيدة قتالية، لا مثيل لها، ويمتلك هوية تستطيع أن تجعل السلاح الذي يستخدمه سلاحًا آخرًا، غير الذي يعرفه العالم في الكُتب العسكرية..!
فهو على يقين بأن الله، عز وجل، لن يتركه، وعلى يقين بأنه سيُحقق انتصارًا، ولو مات، فهو شهيد.
إذن.. في كلتا الحالتين لن يخسر شيئًا ، “النصر، أو الشهادة” ، فهذه العقيدة تجعل قُدرته القتالية، وحماسه لا يقهره شيء.
ولكن.. ماذا لو استطعت أن تُشكك الضابط المصري في تلك العقيدة، وتبدأ في بث رسائل مدروسة له، وأسئلة منطقية خبيثة، مثل :
لماذا تُحارب؟ وماذا سوف تجني؟!
قائدك في مكتبه يشرب القهوة، وأنت في ميدان القتال، في حرب، يجب ألا تشارك فيها من الأساس!
فالهدف الأساسي هو محو تلك العقيدة الثابتة لدى جيشنا، وهنا سيتحول السلاح في أيديهم إلى سلاح تقليدي، يعرفه كل العالم.
أهلا بك، الآن، في المرحلة الثانية :
ماذا سوف تختار؟
هذا البلد الذي عشت فيه أصعب أيام حياتك، وشاهدت فيها الظُلم، أم ستختار دينك الذي سيُدخلك الجنة، وإتباع خطوات الرسول (ص)؟!
لحظة، قبل أن تجاوب.. هل تعلم إنّك عندما ستموت، ستُسأل عن دينك، ولن تُسأل عن بلدك هذا؟
في هذه المرحلة، سيُحاول المُرسل إقناعك بأن بلدك، الآن، في مواجهة مع دينك، وأن عليك نُصرة دينك، وسيخلق هذه المواجهة في رأسك، ويترك لك حرية الاختيار، ولكن ذلك، بالطبع، سيكون بعد مرورك بالمرحلة الأولى، وهو على يقين بأنك ستختار دينك.
ولا مانع، هنا، من أن يتلو على مسامعك حديث، يتحدث فيه الرسول (ص) عن أهمية نُصرة الإسلام والمُسلمين، سيُزيد، بلا شك، ذلك من حتمية اختيارك اختيارًا ضد بلدك.
بل.. وسيؤكد لك أنه يُريدك أن تتقرب للإسلام، فكيف يكون هذا الشخص سيئًا، أو له أهداف سيئة، وهو لا يقول لك سوى إتبع ما قاله الرسول، ولك مُطلق الحرية..؟!!
أسلوب المُرسل
يتّبع المُرسل بعض الأساليب، التي تُحقق له نتائج جيدة، بلا شك، فالمرسل، مُنذ أن تعرفنا إليه، حتى الآن، لم يُجبرك على شيء، فهو يعطيك بعض المُعطيات، ويترك لك حرية الاختيار.
وأي قرار يختاره عقلك، ناتج عن أفكارك، ستكون مؤمنًا به، بنسبة 100%، بل ولن تُصدق أي شخص يحاول أن يقنعك بغيره، أو حتى يقول لك أنك واقع تحت تأثير مضلل!
فكيف ذلك، والقرار نابع من داخلك، حقًا؟! لأن هذا ما خطط له المرسل، بدقة.
يعتمد المُرسل على بعض الأحكام الدينية، والفكرية، والمنطقية، التي يجب أن تكون على مستوى فكري مُعين، لكيلا تستطيع أن تواجه هذه الأفكار، وتتحقق من عدم دقتها، فلو لم تكن على هذا المستوى الفكري، ستقع أسيرًا لأفكاره، دون شك.
والطبع.. المناهج التعليمية التي تُدرس في مصر أبعد كل البُعد عن أن تجعل الشعب المصري يمتلك القدرة على مواجهة تلك الأفكار، والمُعتقدات..!
كما يستغل المُرسل أن غالبية الإعلام المصري يتعامل بسطحية مع الأمور، ويفتقد لكثير من الموضوعية، ويفتقد لاحترافية طرح موضوعات مهمة، تجذب الشباب، فما يُقال يُكرر في كل القنوات، بل ويتعامل الإعلام، للأسف، بشكل يجعل الشباب ينفُر منه، ولا يجد أمامه سوي الإذاعات والفضائيات الأجنبية الموجهة، التي تخدم أجندات خاصة للدول، التي تبث منها..!
يأتي هذا، في الوقت، الذي ترى فيه الدولة أن مادة “التربية الوطنية”، في الصفوف الإبتدائية، تزرع الوطنية في أبناء الوطن، ولكن، للأسف، هذه الطرق التقليدية أصبحت قديمة، ولا تتماشى مع هذا العصر، ولا فائدة منها..!
لا أُنكر صناعة بعض الأفلام، والمسلسلات التي تحمل رسائل مهمة، وتُسلط الضوء تجاه الأطماع الغربية، والتدخلات الخارجية، والتأثير علي الناس، والتضحيات التي يقوم بها الكثيرون، من أجل هذا الوطن، وبالفعل.. قد كان لهذه الأعمال تأثير على الرأي العام، ولكنني أظن أنها جاءت متأخرة، بعض الشيء، بسبب (افتقاد الدولة قوتها الناعمة).
ولا يفوِّت المُرسل فرصة، ولا يكتفي باستغلاله كل الفرص فحسب، بل يصنع الفرص التي تحقق هدفه، ويستغل أخطاء الأنظمة السياسية، ويستغل كل قرار، وكل تصريح، والظروف الإقتصادية الصعبة، إذ لا يترك بابًا، إلّا ويحاول الوصول لعقلك، عن طريقه..!
يستخدم التشكيك، ليجعلك تشك في كُل ما يُقدم لك :كل خبر.. كل صورة، فمهما كان الشيء، يجب أن ترى أن هدفه هو التحكم بك، وغسل عقلك، في حين أنه مَنْ يقوم بهذا الدور، وباحترافية شديدة..!!
إحكام السيطرة على عقلك
كي يستطيع المُرسل أن يُحكم سيطرته على عقلك، عليه أن يُغلف كل ما سبق ببعض الحيل، كي يجعلك واثقًا، مما أصبحت تمتلكه من أفكار، ومُعتقدات جديدة، ويطمئن على أنك لن تفكر مُجددًا.
وهنا.. يسعى، بكل ما أوتي من حيل، لأن يُرسخ في عقول الشعب المصري أنه شعب لا يستحوذ على اهتمام العالم، ولا توجد أي مؤامرات حوله، وأن أصحاب نظرية المؤامرة مختلون عقليًا..!
ويسألك :
أهذا البلد يهتم لأمره أحد؟!
هل نملك شيئًا يجعل لنا قيمة من الأساس؟!
يجب أن يشعرك بأنه لا قيمة لوطنك هذا، لأنك لو نظرت في احتمالية وجود مؤامرة حول مصر، فسيُمكن أن ترى أنه من الممكن أن تكون هناك مؤامرة، حقًا، وستبدأ تُفكر، ومُجرد تفكيرك يُعد خطرًا عليه.
وبعد ذلك.. عليه أن يستخدم الحيلة الشهيرة مُنذ قديم الأزل، ومازالت تحقق نجاحًا، حتى الآن، وهي إشعارك بأن ما يُريد أعداء الوطن تحقيقه قد تحقق..!
فيمَ تُفكر؟!
إن ما يريد الغرب تحقيقه قد حققوه، فهم يتحكمون بأي نظام يريدونه، لذا لن يحاربوك من الأساس.
لماذا سيحاربونك، وكل أهدافهم قد تحققت؟
إنهم لا يريدون حربًا معك، بعد أن تحققت كل اهدافهم، فلم يعُد لك قيمة من الأساس.
هنا.. ستكون قد فقدت هويتك، وعقيدتك، وفقدت الشعور بالقيمة، وسيطرت الروح الانهزامية على أفكارك، واحتمالية رجوعك لنقطة البداية باتت شبه معدومة، وأصبحت الضحية.
سيُحاول بشتى الطُرق أن يمنع أي طريقة قد تجعلك تُفكر فيما يُقدمه لك، فما يُقدمه لك حقيقي، وما يُقدمه غيره غير حقيقي ،وله أهداف، ويُريد التأثير عليك، ويُحذرك من أن تنصاع لما يقوله غيره، من الذين يُريدون التأثير عليك، فهو فقط من يُعطيك الحقائق..!
سيُنكر الكثير من الحقائق، و يُقنعك بأن من يستحق الانتماء هو الإسلام فقط، ويتعلل بأنك ستُسأل عن ديانتك، ولن تُسأل عن غيرها، مُتناسيًا تكريم الله مصر في القرآن الكريم، فقد ذُكرت صراحةً 5 مرات في القرآن، غير الإشارة لها، أكثر من ثلاثين مرة، ففي سورة يوسف الآية (99): ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾، لقد قال الله، عز وجل، أدخلوا مصر، وحددها بالاسم، ولم يقُل أدخلوا بلاد المُسلمين!
وقال رسول الله (ص): “إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض”، فقال أبو بكر: ولِمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: “إنهم في رباط إلى يوم الدين”.سيتناسى المُرسل هذه الأشياء، ويُحاول أن يُنسيك إياها، سيتناسى أن القُرآن والأحاديث قد وضعت لكل زمان، ومكان، فقول الرسول :” في رباط إلى يوم الدين” العائد على جُند مصر، لم يقصد به عهده فقط، بل كل الأزمان، ولم يقل : “إنهم في رباط” فحسب، بل قال : “إنهم في رباط إلى يوم الدين”، أي سيظلون في رباط حتى النهاية، إذن الحديث واضح، وصريح، ويخُص الجيش المصري.
الكارثة الكُبرى
“عفوًا سيدي المستقبل.. أنت أحمق!! ”
هل وصلت إلى هُنا؟
لقد تأخرت كثيرًا، والآن لا يحتاج المُرسل لأن يستخدم أساليبه الخبيثة، ويستخدم أساليب الحرب النفسية، لكي يؤثر عليك، فأنت، الآن، مُسيطر عليك بشكل تام، بل وتصل لدرجة اليقين بأنك الوحيد – وكل من يُشاركك الرأي- الذي يحكُم على الأمور من عقله، فلا يستطيع أن يُسيطر عليك أحد، كما يُسيطرون علي غيرك، كان الله معهم، لكنك في الحقيقة قد وصلت لدرجة ميؤوس منها..!
أتعلم لماذا؟
أنت، الآن، ترى أن الجيش الذي يستحق الدعم هو جيش المُسلمين، وليس الجيش المصري، بمعنى أنه إذا حدثت مواجهة بين جيشين لدولتين مُسلمتين فلن تدعم جيشك، وستدعم الجيش الذي ينصر الإسلام، فإنتماؤك الأول لجيش المسلمين، وليس لجيش بلدك كما ترى..!
أليس كذلك؟!
لكن.. دعنا نقف هنا للحظات، مَنْ، مِنَ المفترض، أن يحكُم لك بأي الجيشين ينصر الإسلام؟ أو بمعنى آخر ما الجهة التي ستُحدد ذلك؟ فكلا الجيشين مُسلمٌ، وكلاهما يرى أنه صواب..!
إنّ مَنْ سيحدد لك الجيش الذي ينصر الإسلام.. هل هو الشخص، نفسه، الذي يرى أنه عليك أن تقف في صفوف الجيش الذي ينصر الإسلام، وليس جيش بلدك؟!
إذن.. هُناك شخص يرى ضرورة دعم الجيش المسلم، وليس المصري، وبعد دقائق، يقول لك : وهذا هو الجيش الذي ينصر الإسلام!
لم يعد المُرسل يحتاج لكثير من الألاعيب النفسية، والتمويه كثيرًا، لقد أصبحت تمتلك من الحماقة، ما يكفي ليجعلك تقتنع بكل ما يتوافق مع هذه الآراء.
ولو سنُرجع إلى أمر تحديد الجيش الذي ينصر الإسلام، بحسب وجهة النظر الشخصية، سأسألك عدة أسئلة :
كيف ستحكُم بأيِّ الجيوش على حق، ونحن لا نجلس داخل غرف العمليات العسكرية؟!
كيف سأحكم أنا مَنْ على حق، وأنا لا أعلم سوى ما يقوله السياسي ن، وما يحلله المحللون في الجرائد، والقنوات الفضائية؟!
هل مشروعية الدخول في حرب تكون لكل فرد، بحسب وجهة نظره؟!
لو كنا فعلنا ذلك، لانتهت مصر، منذ آلاف السنين!! فلو فعل كل شخص ما يحلو له، لانتهى العالم!
والآن.. قد انقطعت الصلة بينك، ووطنك، وجيشك، وأصبح من الواجب عليك هو أن تدعم الجيش، الذي ينصُر الإسلام، وهو، أيضًا، مَنْ سيُحدد لك الجيش الناصر للإسلام!والأن.. أصبحت عُنصرًا فعالًا في أيدي أجهزة مُخابرات عالمية، تستخدم أساليب “الإدارة عن بُعد” ، وأصبحت خير مُدار، تفعل المطلوب منك، بل وتضيف لمساتك الخاصة، فأنت مُقتنع بما تقول، مُقتنع بأنك مصدره، مقتنع بأنك الوحيد الذي يُحركه عقله، تشعر بالعطف، و الشفقة على الآخرين، الذين يتحكم بهم غيرهم.
قد أقنعك بأن هذا الوطن، من الطبيعي، أن تكرهه، فأنت لم تختره، وحظك سييء، لأنك ولدت به، كان الله في عونك، و بالطبع.. يجب ألا تعيش لتُدافع عن شيء لم تختره، بل شئ فُرض عليك!!
ولكن لحظة.. فالمُرسل يعتقد أنه لا انتماء للوطن، لأنك لم تختره.. فهل اخترت أن تكون مُسلمًا؟!
لقد جئت إلى هذه الدُنيا، والإسلام دينك، كما هو دين أبويك.. فهل، من الممكن، أن يأتي أحد ليقول لك : لماذا تُدافع عن الإسلام، وأنت لم تختره، بل فُرض عليك؟! أظن أن ما يفعله المُرسل سيتطور، مع تطور الأجيال، ليُحقق أهدافه النهائية..!
من أين يأتي هذا المُرسل اللعين؟
المُرسل ليس شخصًا واحدًا، وليس كتابًا واحدًا، وليست وسيلة إعلامية واحدة، كثرة المُرسلين تُعد من عوامل نجاح عملية الإرسال، ومع نجاح هذه العملية، يتم تهيئة عقلك، لكيلا يستجيب لأي عمليات معرفية، إلا التي تأتي لك من مُرسل، يهدف إلى الهدف ذاته، فهذه الأفكار فقط هي التي ستعلق بذهنك، وتؤمن بها، أما غيرها من الأفكار، فمن المُستحيل أن تؤمن به، أو حتي تشغل بالك..!
وتلعب هُنا الإذاعات، والفضائيات الموجهة دورها، لكي تُحقق الهدف، عينه، فهي، الآن، مُرسلًا، تُشعرك بمناخ من الموضوعية، والمهنية، وبإتاحتها عرض كل الآراء، والأفكار، في حين أنه، من المُحال، أن ينتهي البرنامج، إلا وأنت مُقتنع بالرأي، الذي تُريدك القناة أن تقتنع به.
وأقرب مثال على ذلك، حدث في العام 2015، حين حصلت مصر علي مُقاتلات “الرفال” الفرنسية، حيث تعاقدت القوات الجوية المصرية على 24 مُقاتلة من هذا النوع، وهُنا بدأت قناة “الجزيرة” القطرية في بث تحليلات، تؤكد أن الرافال الفرنسية مُقاتلة شديدة التأخُر، ووصفتها بالخُردة..! ثم بدأت تعرض آراء المُحللين الخاصين بالقناة، يبرزون فيها، بالتفصيل، عيوب هذه الطائرة، مؤكدين أن جميع دول العالم رفضت الحصول عليها، لأن بها كثيرًا من العيوب، و اعتبروا أن حصول مصر عليها كارثة، وأن النظام المصري قد أشتراها لتحقيق مصالح خاصة به..!
وهنا.. ربطت القناة “المُرسل” شراء طائرة لمصلحة القوات الجوية المصرية، بالنظام المصري، ليتحول كل من يُعارض النظام إلى مُعارضين لهذا الحدث”.
والأغرب.. أنه بعد أشهُر قليلة.. تعاقدت قطر الدولة المالكة لقناة” الجزيرة” على شراء الطائرة، ذاتها، من فرنسا، فإذا بالبرامج، نفسها، تتحدث عن الطائرة ” رافال”، وتصفها بأنها من أحدث طائرات القتال في العالم، وعن القدرات التكنولوجية التي تتمتع بها، موضحةً أنها مُقاتلة مُميزة في أداء مهام الاعتراض الجوي، والقصف الأرضي، ناهيك عن قدراتها على الحرب الإلكترونية، والرصيد، و التشويش، وقدراتها التسليحية المُتقدمة.
كان هذا مُجرد مثال، لما يُمكن أن تقوم به هذه القنوات الفضائية، فحربها الحقيقة ليست مع أي نظام مصري، حربها الحقيقة مع الجيش المصري، ولن ترضى بأي نظام، سوى النظام الذي يُحقق مصالحها..!
ولكنك الأن مُحاط بهذه الرسائل من كُل جهة.. مُحاصر بها، وتستمتع بذلك، لأنك تشعر بأنك حُر..!
وشعورك بالارتياح هذا، يصب أيضًا في خدمة المُرسل، فأصبحت تستمتع بالروح الانهزامية، التي تتغذى عليك، وبات حدوث شيء جيد لا يروق لك، أما سماعك خبرًا سيئًا فهو الذي يُشعرك بالدفء!!
إذن.. فقد ضاق عليك الخناق، حتى أصبحت أنت المُرسل.
هنيئًا لك، فقد أصبحت مُرسلًا، ولك مُستقبلين، وستدور الدائرة من جديد..!
هل هناك طريق للرجوع؟!
بالطبع.. نعم، ومُجرد طرح هذا السؤال مؤشر مُبشر، ولكن لا توجد قوة في العالم تستطيع أن تُغير ما غُرس بداخلك، سواك أنت.
في بداية الطريق.. من المُمكن أن يؤثر عليك أحد، ويُريك ما يحدث من منظور مُختلف، ولكن بعد أن وصلت إلى هُنا، وبعد أن أحكمت هذه الأفكار سيطرتها عليك، فالآن.. أي مُحاولة خارجية ليس لها فائدة، وحتى مقالي هذا..!!
إنّ 95% من أصحاب هذه الأفكار لن يقرؤوا إلا أول بضع أسطر، ليستشرفوا منها، أن هذا المقال سيُحارب أفكارًا، هُم مُتأكدون من أنهم، أنفسهم، الذين استنتجوها.
سيشعرون بأن كلامي هذا، الغرض منه توجيههم، والتأثير عليهم، ودعم أفكار، أنا ككاتب، أؤمن بها، فبداخل كُل منهم جهاز إنذار، لا يشعر به، إذا وجد أن الكلام الذي سيقرؤه، أو سيسمعه، مُنافٍ لهذه الحِزمة من الأفكار، لذا سيتوقف، فورًا، عن الاستماع، أو القراءة.
وحتى لو قرأ هذا الكلام، أو سمعه، سيسخر منه، كيلا يُفكر، ويُرهق نفسه، فهو مستريح، الآن، وحتى لو أقتنع ببعض هذا الكلام، فلن يُغير شيئًا..
حسنًا.. كلام، فيه شيء من المنطق، ولكن لن يُغير شيئًا بداخله.
إذن.. لماذا تقول إن هُناك أملًا؟
لأن الله موجود، ولأن العقل البشري يُمكن أن يخرج عن السيطرة، لأن الكثير من الإرهابيين، بعد عشرات السنين، من الإرهاب، أعادوا النظر فيما فعلوه، وندموا، بسبب موقف في حياة كل منهُم، بل وأصبحوا من أشد أعداء هذه الجماعات التكفيرية.
أنا لا أصف أصحاب هذه الآراء بالإرهابيين، لأنهم لم يصلوا إلى هذا الحد، وطالما هذه الأفكار في أذهانهم، ولم تصل، بعد، لإرهاب حقيقي على أرض الواقع، لكن.. تلك الأفكار تُريد أن تجعلك فاقدًا للهوية، لا تعلم مَنْ أنت؟! ، تجد نفسك في حرب، لا تعلم عنها شيئًا! لا تعرف.. هل من المفترض أن تُطلق رصاصتك يمينًا، أم يسارًا؟!
وفي نهاية حديثي.. ليس عليك، الآن، سوى أن تفكر قليلًا، ولِمَ قليلًا، بل فكر كثيرًا، فالأمر يستحق، وأنت عنصر مؤثر في هذه المعركة، شئت أم أبيت.
(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ﴿٤٢ البقرة﴾.