مصر تتحدى القبح بالجمال (2)
إعداد: نرمين قاسم
“إحذر حقل ألغام”
تلك اللافتة المرعبة، التي كان الجميع يخشى الاقتراب منها، ستتعجب لو أخبرتُكَ بأنها ظلت لعقود طويلة أحد أبرز معالم مدينة العلمين.
لكن.. لاتتعجب، إذا علمت أن مصر وحدها تحوى خُمْسَ ما في العالم من ألغام، الذي يقدر بقرابة 23 مليون لغم، تستحوذ منها منطقة العلمين بمفردها علي19.7 مليون لغم.
لأنه حتى العام 1947 كان الجيشان الألماني، والبريطاني يتبادلان زراعة الألغام في صحراء مصر بطريقة غير تقليدية، فقد زرع جنودُهما ألغامَهما في أرضنا على ثلاثة ارتفاعات مختلفة..!!
وبعد انتهاء الحرب، وتحرر مصر من الاحتلال البريطاني، وأصبحت تحت قيادة أبنائها، بدأت تفكِّر في كيفية التخلص من تلك الأدران المميتة، التي علقت بأراضيها، فقررت تطهير العلمين من ألغامها، ونجحت بالفعل في التعامل مع هذه الألغام، وتم تطهير، جزء من أراضي العلمين، وإن كان بسيطًا، لكنه يُحسب للدولة المصرية، لو علمت أن بريطانيا وألمانيا تعمدا أخذ الخرائط التي تكشف مواقع زراعة الألغام، حتى لايتسنى للمصريين إزالتها بسهولة.
وقد أكدت الإحصاءات الرسمية، الصادرة في تقرير الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي، التابعة لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية، أن حقول الألغام تشغل مساحة تقدر بـ 639 ألف فدان، تبدأ من غرب مدينة الإسكندرية، وحتى الحدود الليبية، بعمق 30 كيلومترًا.
وقدّرت الإحصاءات عدد ضحايا انفجارات الألغام في الفترة ما بين عامي 1972 و1995، ما يقرب من 833 شخصًا، منهم 696 قتيلًا، و137 جريحًا، وأوصت الأمانة في ختام تقريرها، بضرورة إزالة هذا الكابوس الجاثم على صحراء مصر الغربية، لأنه يعطل الاستفادة مما يقرُب من 600 مليون طن من الثروات الطبيعية.
وبالفعل أبرمت وزارة الإستثمار إتفاقية للتعاون المشترك مع سويسرا، التي مثلها مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، بهدف إزالة كل مخلفات الحرب العالمية الثانية من الألغام الأجنبية عن الأراضي المصرية، وبخاصة منطقة العلمين، ووقع الاتفاقية، الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار، والسفير إستيفانو توسكانو، مدير المركز.
ونصت الإتفاقية على تعزيز وتطوير قدرات المشروع المصري لمكافحة الألغام، من خلال تبنى نهج علمي متكامل لإزالة تلك المخلفات الحربيّة القاتلة، التي أضحت إحدى أهم الأولويات الاستراتيجية الوطنية لمصر في الوقت الحاضر.
ولم تكتفِ مصر بذلك، وبالتوازي مع هذا المشروع، افتتحت وزارة الاستثمار، في العام نفسه، مركزًا لعلاج ضحايا الألغام في مدينة مرسى مطروح غرب العلمين.
هكذا كان حال تلك المدينة حتى أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارًا جمهوريًّا بإنشاء مدينة العلمين الجديدة، وزيادة مساحتها إلى 49 ألف فدان، وبِناءً عليه، أصدر الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، القرار الوزارى رقم 349 لسنة 2019، باعتماد المخطط الاستراتيجى لمدينة العلمين الجديدة، المُنشأة بقرار رئيس الجمهورية رقم 108 لسنة 2018.
وكان هذا القرار بمثابة قُبلْةِ الحياة للعلمين، لتتطهر من ألغامها، وتخرُج للحياة في ثوب جديد تحت اسم “العلمين الجديدة” مدينة سياحية بمواصفات عالمية، تمتد من الكيلو 106 إلى الكيلو 128 على طريق الإسكندرية – مطروح، على مساحة 49 ألف فدان، وعدد السكان المستهدف لها مليونا نسمة، وخصصت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة 3 مليارات جنيه من موازنتها لبناء المدينة.
وهكذا.. تحولت ساحة الحرب الى ساحة للجمال، تُهديها مصر للعالم.
وتحتوى “العلمين الجديدة” في مُخططها العمراني على المشروعات التكنولوجية والعمرانية والسياحية ، تعالوا لنستعرضها معًا.
مدينة “العلمين” تنقسم إلى منطقتين : الأولى هي الساحلية، وتشمل القطاع الأثري الواقع فى قرية تل العيس، والتى شهدت معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية، والمنطقة الأخرى هي “العلمين الجديدة” الواقعة قُبالة الطريق الساحلي، وتنفيذها سيكون على عدة مراحل، تشمل المرحلة الأولى منها مساحة 12 الف فدان للمنطقة الشاطئية، ومنطقة الإسكان المتميز، والمدينة الثقافية، والمنطقة التاريخية، بدءًا من الكورنيش الجديد على المنطقة الشاطئية بطول 14 كيلومترًا.
أما بالنسبة لمنطقة الإسكان المتميز فتمّ تشييد 1920 وحدة سكنية ، ومنطقة للابراج تضم 15 برجًا بارتفاع 100 متر فوق سطح البحر، بتكلفة 28 مليار جنيه، وتتميز تلك الأبراج بأنها رابضة على شاطىء البحر مباشرة، ويعد موقعها أرقى موقع في المدينة.
ونأتي لسر آخر من أسرار جمال “العلمين الجديدة”، وهو الممشى الترفيهي والذي يقع أمام الأبراج الشاهقة، ليكوِّنا معًا لوحة من الجمال السياحي العمراني، ويمتد الممشى بطول 14 كيلو مترًا على شاطئ البحر، وعرض 25 مترًا، وتتخلله ساحات للتجمعات، ومنطقة ملاعب، فيها حارة لسير الدراجات، بخرسانة خاصة، ومكان انتظار ونزول للشاطئ لذوى الاحتياجات الخاصة.
وأمام منطقة الأبراج الساحرة، يقع المجمع التجاري الترفيهي على البحر مباشرة، ويحوي 40 مبنى، تتخللها 3 مماشي للكورنيش، وبه كل وسائل الترفيه، من نوافير ودور للسينمات، وملاهٍ وكافيهات، فضلًا عن مقرات للبنوك .
ولتكتمل لوحة الجمال تخترق “العلمين الجديدة” 6 بحيرات متصلة ببعضها، على مساحة 700 فدان حول الشواطىء الداخلية، ويتم حاليًا تكسية جوانب البحيرات عن طريق 3 شركات متخصصة فى هذا المجال، إلى جانب أعمال التكريك والتطهير، مع تصميم ميناء داخلي مُزوّد بألسنة حماية.
وبالتوازي مع كل تلك الجهود الجبارة، أنشأت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بالتعاون مع شركة إسبانية، محطة لتحلية مياه البحر، بطاقة 150 ألف متر مكعب يوميًّا، تقع بجانب ميناء الحمراء على مساحة 90 ألف متر، لتخدم 600 ألف نسمة يوميًّا، فيما يجري الآن بناء خزان تكديس، ومد خط ناقل لاستقبال المياه المحله، وتوزيعها على الشبكة. وكذلك محطة للمعالجة، وتمد خطًا للطرد، على مساحة 600 ألف متر.
ولإنارة “العلمين الجديدة” تم التعاقد على إقامة شبكات للكهرباء، مربوطة بالشبكة القومية للكهرباء، لتوفير 540 ميجاوات، كما تم زيادة قدرة “محطة محولات الحمراء” القديمة بقدرة 80 ميجاوات .
وحتى لا تكون “العلمين الجديدة” بقعة للسياحة فحسب، وتصبح صالحة للسُكنى، والعمل، والإقامة الكاملة، لم يُكْتفَ بمنطقة الإسكان المميز، تم إنشاء جامعة العلمين الجديدة الأهلية، تابعة لوزارة التعليم العالي، وتمتد على مساحة 60 فدانًا، بالإضافة إلى تعاقد جامعات عالمية، وخليجية، وعربية أخرى، لبناء مقرات لها بالمدينة، منها الجامعة الإماراتية، وجامعة لوزان السويسرية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، ومن المُقرّر تزويد المنطقة التعليمية، بمراكز للأبحاث، على مساحة 400 فدان .
ولتصبح “العلمين الجديدة” شاملة، وصالحة للعمل أيضًا، استغلّت الحكومة المصرية قُربها من ميناء الحمراء الخاصة بتصدير البترول، والميناء الجاف، المختص بنقل الحبوب من مناطق مشروع المليون ونصف المليون فدان، وأضافت لها منطقة للصناعة القوميّة، لتُبنى على مساحة 8 آلاف فدان، وتحوي مصانع للبتروكيماويات، وتكرير الملح الجبلي، والتعدين، والصناعات التكميلية للتشييد، وإلى جوارها توجد منطقة صناعية خاصة، على مساحة 80 فدانًا، لشركة بتروجيت.
وإثراءً للجهود السابقة، يجري التجهيزلإنشاء منطقة ثقافية بالمدينة، تضم مكتبة موسوعية، ودارًا للأوبرا، ومركزًا ثقافيًّا، وصالة مؤتمرات، على مساحة 200 فدان، بالإضافة إلى منطقة أخرى تاريخية بجوار الطريق الساحلي، تمتد على مساحة 3500 فدان، وتشمل مُتحفًا لتوثيق تاريخ العلمين القديم، بالإضافة الى متحف العلمين العسكري، الذى يُخلِّد ذكرى معركة العلمين، إحدى أهم المعارك العالمية، والتى عجلت بنهاية الحرب العالمية الثانية، والمعظمتين الألمانية والإيطالية اللتين تحويان رفات جنودهما.
وأخيرًا، ليكتمل وجه “العلمين الجديدة، تم التخطيط لتشييد مركز طبي عالمي، على مساحة كبيرة، تصل إلى 44 فدانًا.
هكذا.. تمكنت مصر من بث الروح في العلمين القديمة، وجعلها منطقة شاملة صالحة للحياة، بعد أن كانت منطقة للدمار والموت، ومازال العمل مستمرًا في” العلمين الجديدة” لتُهدي مصر للعالم مدينة سياحية بمواصفات عالمية.