التدمير الذاتي للدولة
كتبَ: ياسر فتحي
منذ انتهاءِ الحربِ الباردة في نهاية الثمانينات، اتخذت الهيمَنة أشكالاً مختلفة، وتَغير ميزانُ القوىٰ، وأيضًا تغير شكل الحروب، لفرضِ السيطرة والنفوذْ.
العالمُ كبير، والمواردُ كثيرةٌ، والهيمنةُ الأمريكية علىٰ الساحةِ باتت حقيقةً لايمكن التغافل عنها، ومع تزايد النفوذ والسطوة وفرضِ الرأي علىٰ مرأى ومسمعٍ مِن المجتمع الدولي، صار لِزامًا على الجميعِ استخدام أساليب مختلفةٍ في الصراع، منهم مَن يريد الخروج مِن الوصاية الأمريكية على بلاده، ومنهم مَن يسعىٰ إلى القوة وفرض السيطرةِ ليكونَ نِدًا قويًا لايُمكنُ السيطرة عليه، وأصبحتِ الحلولُ العسكريةُ هي آخر الحلولِ في كثيرٍ مِن القضايا، واستُبدِلت باستراتيجياتٍ أخرىٰ أكثر نجاحًا، وأقل في الخسائر المادية أو البشرية، تستلزم وقتًا أطول لكنها أهدأ، وتضمن عدم استنزاف الموارد والأرواح مِن جانب الدولة التي تسعىٰ لذلك.
الجنرال الصيني “سن تزو” والذي عاش قبل 2500 عام وضع استراتيجياتٍ مهمة لتدمير العدو وتخريب مواطنِ قوتهِ والانتصار عليه في الحروب، وهذا ماتستخدمه الدول والمنظمات الإرهابية حتىٰ الآن مع الدول التي يريدون السيطرة عليها، نذكر هُنا بعضًا مِن هذه الخطط أو الاستراتيجيات المُستخدمة ضِد مصر والتي ذُكرت في كتاب فن الحرب.
– “إذا خلَدَ عدوك للراحة فبإمكانك إرهاقه، وإذا ماكان حسَن التغذية بإمكانك تجويعه، وإذا مااستقر بإمكانك دفعه إلى التحرك”.
وهي نفس الاستراتيجية المُستخدمَة مِن قِبَل أعدائنا مِن إرهابيي الإخوان والسلفيين والممولون مِن منظماتٍ ودولٍ وغيرهم، بضرب أماكن متفرقةٍ، مدنيةٍأو عسكرية، بالقتل والاغتيال والتفجير والترهيب والتخريب، ومحاولات ضرب الاقتصادِ في السياحةِ، والتصنيع، وتخريب الموارد، أو احتكار السلع، وإطلاق الشائعات، وغير ذلك مِن الأساليب التي تعمل علىٰ إرهاقِ الدولة واستنزافِ مواردها وتهديد شعبها، المهم فيما يفعلون أنْ لاتبقىٰ مصر مستقرة.
– ” الحرب خدعة، فعلى الرغم مِن قُدرتِكَ عليها، تظاهر بالضعف، وعندما تستخدم قوتك تظاهر بالعجز”.
مظلومية الإخوان ومَن على شاكلتهم مِن التيارات التي تستخدم نفس السلاح، بادعاءات الاختفاء القَسري، والتعذيب، وقتل وتهجير المدنيين، واستهدافهم لأنهم فقط أصحابُ رأي، ويستعينون بذلك بأعداء الخارج واستعداؤهم علينا.
– ” إذا كان مُوحَّدًا، فبُثَّ الفُرقة في صفوفه”
وفي ذلك يُقسِّمون المجتمع لأطيافٍ وفِرق وطبقات، وإلى مؤمنٍ وكافر، فيبثون سمومهم بالفتنة الطائفية، أو الأقلية المطحونة، بين غنيٍ وفقير.
– “يجب تجنيد العملاء لاكتساب المعرفة عن العدو، وتحطيمه مِن الداخل”.
“العملاء الداخليون، ويعملون في الدوائر الحكومية”، وما أكثر هؤلاء في زماننا، موظفون يعملون في الدولة كمُعلمين وأطباء وصيادلة ومحامون ومهندسون وإداريون، يعملون علىٰ نشر الأخطاء العملية والإحباط وترويج الشائعات والتشكيك.
“العُملاء الميتون، وهم مَن ينشرون المعلومات المُضللة خارج البلاد”، وهُم اللاجئون في بلادٍ يُسمونها دار كُفر، وآخرون في بلادٍ لا أصلَ لها ولا نَسبْ، يهاجمون بلادنا مِن خلف شاشاتهم، أمنياتهم فشلٌ وخرابْ، ومُحركهم حِقدٌ و دولار.
إذًا فهذه الأساليبُ قديمةٌ، لكنها مُحدَّثةٌ بما يتناسب مع الزمان والمصالح، حيث استُحدثت حروب الجيل الرابع، وفيها يتم استخدام عِلم “الأنثروبولوجيا” وهو علم إدارة الحروب الحديثة، وذلك بدراسة طبائع كل شعبٍ وخصائصه ومايؤثر عليه، وجمع معلوماتٍ كاملةٍ عنه وعن كل مايخصه، مما يتيح فهمه بشكلٍ كامل وتهيئته للسيطرة عليه وسَلبه الإرادة والقوة، بمعرفة مكامن القوة وتدميرها، ونقاط الضعف والتركيز عليها، فيتم التشويش على العقول والأفكار بواسطة الإعلام والتكنولوجيا، ليسهُل بعد ذلك زرع الأفكار والتوجيه والتحكم في وعي الناس.
وفي هذا السياق يجدر بنا الإشارة إلى ماقالهُ العميل والمُحاضِر السوفيتي السابق “يوري بيزمينوف” عن الحروب واختلافها بما يتناسبُ مع الظروف والزمن وآلية العمل والمُدة، لكنه في النهاية يتم رسم استراتيجية أساسية للعمل بمقتضىٰ خطواتها الأساسية، وذلك بتخريب المجتمع، إذا لَم يَكُن بهدف السيطرة، فهو تخريبٌ للدفاع عن النفس بإضعاف العدو.
حيث تم تقسيم استراتيجية التخريب إلى أربع مراحل زمنية محكمة أساسية، وهي كالآتي:
• إسقـــــاطُ الأخلاق
هذه المرحلة تحتاج وقتًا مِن 15 إلى 20 عامًا
وهو الوقت اللازم لكي ينشأ جيلٌ كامِلٌ مِن سِن الطفولة حتى الشباب، جيلٌ بشخصيةٍ وعقليةٍ وأيدولوجيةٍ وتعليمٍ محدد، قد تم التلاعب فيهِ عن عمدٍ، أو تجاهُلِ أخطائه، ويتم إسقاط الأخلاق لأي مجتمع بعدة عوامل رئيسية
– الديـــن
يتم التشكيك فيهِ وفي مؤسساتهِ المُعتبَرة وثوابتهِ ومقدساتهِ، وتسييسُهُ والتِّجارةُ بهِ، وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب ليتم استبدال مؤسساته الرسمية بآراءٍ شاذةٍ لها أهداف، ليفقد المواطن في النهاية ثقتهُ في مؤسساته الدينية ومِنْ ثَمَّ يتخبط بين الآراء ليفقد في النهاية إيمانه الكامل أو دينه الحقيقي.
– التعليـــم
بصرف الناس عن تعلم أي شئ بنَّاء، وإبعادهم عن تعلُّم العلوم الحقيقية النافعة واستبدالها بأمور لا أهمية لها، وبأن التعليم في النهاية لافائدة منه حين يرىٰ الشاب شخصًا في مثل عمرهِ وقد صار مِن أصحاب الملايين والشهرة عن طريق كرة القدم أو وسائل التواصل أو غير ذلك بلا تعليم أو ثقافة.
– الإعـــلام
هو مِن أهم وأخطر الأدوار في منظومة التخريب، لأن المجتمع في غالبيته يعتقد بأنَّ مَن يظهرون على الشاشات يوميًا هُم أصحاب الرأي الصحيح وأنهم يمتلكون الحقيقة، وبالتالي فإنه يكفي أنْ يكون عملاؤك مِن الإعلاميين جهلة، وإن كانوا ممولين فالخطر أكبر، والغالبية فيهم ممولين بشكلٍ مباشرٍ عن طريق التمويل الشخصي، أو بشكل غير مباشر مِن منصاتهم الإعلامية مِن جهاتٍ تسعىٰ إلى تخريب العقول والحياة الاجتماعية والثقافية، فيتم التركيز في الإعلام على القضايا غير المهمة أوالجرائم، والتشويه، واحتكار الرأي، وصرفِ الناس عن كُل ماهو مهم، وإذكاء معنىٰ النقابات وتقسيم الأحزاب وتخريب العادات والتقاليد الجيدة والسخرية منها، وفي هذه المرحلة يتم بالذات يتم تأكيد القضاء على ماسبق مِن المراحل والتمهيد لاستكمالِ القضاءِ على المرحلة التالية وهي الثقافة.
– الثقافـــة
حيث يتم التركيز هنا على هدم معنى القدوة، والتشكيك في كل رمزٍ مِن الرموز البشرية الناجحة، ويتم إيهامُ الناس ببطولاتٍ زائفةٍ للتافهين مِن الناس، ليكون التافهُ حديث المجتمع بدلاً مِن الأبطال الحقيقين، ليتحول المجتمع بعدها إلى مجتمع جاهلٍ إمَّعة، مجتمع يهوىٰ أخبار الفضائح والجرائم، ويصدق الإشاعات، ويحتفي بالتافهين، ويشعر بالدونية، فيسهل بذلك السيطرة على عقله وإرادته، ليتم طمس هويتهِ ووعيه.
• زَعزعـــــةُ الاستقـــــرار
هذه المرحلة تحتاج وقتًا مِن ٢ إلى ٥ سنوات
وفيها يتم التركيز باستخدام الخطوات السابقة وأهمها الإعلام وعملاؤهم في شتى المجالات والدوائر على الفتنة الطائفية، وعدم الاحتكام إلى القانون، والتركيز على النعرات القبلية والطائفية والدينية وتقسيم المجتمع، وتأليب الشعب على الحاكِم، واستخدام الأحزاب والمنظمات الحقوقية التي لم ينتخبها أحد مِن الشعب بالأساس، لكنهم بتمويلاتهم يحتكرون الرأي ويستقوون بالخارج ويوجهون الناس بتوجيهاتهم، والتكلم عن ثورة وتغيير السلطة، حتى يكون هناك صراعٌ على السلطة والحُكم، لا لشئ إلا بهدف استحواذهم عليها وتنفيذ أجنداتهم، لتأتي بعد ذلك مرحلة الأزمة.
• الأزمـــــة
هنا حيث تحدث الأزمة، بعد تنفيذ مراحل التخريب السابق ذكرها، ليحدث انقسام بين أطيافِ المجتمع، فتكون النتيجة الحتمية إما حربٌ أهلية فتفشل الدولة وينهار المجتمع أو صراعٌ على السلطة ينتهي باستحواذ العملاء على الحُكم، وبالتالي الوصول إلى مرحلة الاستقرار.
• الاستقـــــرار ( التطبيـــــع)
هُنا تكونُ النهاية، بدولةٍ مُطيعة ليس لها سيادةٌ حقيقيةٌ أو رأي، دولة تابعة ليس لها وزن، لتصبح السيطرة عليها أمرًا واقعًا، وبالتالي دولةٌ بلا سيادة يحكمها عملاءُ تابعون، أو دولة فاشلةٌ بحرب أهليةٍ وإرهاب.
في نهاية هذا المقالِ يُمكننا القول بأنَّ الحربَ لَم تَعد حربَ سلاحٍ وطائراتٍ، وأنَّ الأوطان تُهزمُ بِهزيمةِ شعبها أولاً، فصارت الحروبُ بالوكالة وبالعملاء وبالتدمير الذاتي أسهل وأقل تكلفة، إنَّ الوطن يحتاج إلى شعبٍ مُثقفٍ واعٍ بما يُحاكُ ضِدهُ مِن مُنظماتٍ أو دولٍ وحكومات، وأنْ يكون على قدر المسئولية المُلقاة عليه، فكما أنه مسئول عن حماية بيته الصغير وعائلته المحدودة بالوعي والعمل والتضحية، فهو مسئولٌ أيضًا عن بيته الأكبر ومجتمعهِ بالوعي وتجنب الشائعات والإعلام المُضلِّل، وعدم الانسياق خلف الدعوات المشبوهة بالانقسام وتخريب الأوطان والطائفية.
“كُنْ ذا وعيٍ تَنْتَصِر”