ما وراء التواجد التركي في أفغانستان
إعداد: ياسمين حمدي
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت
زمن القراءة: ٧ دقائق
تسعى تركيا لتكون فاعلًا هامًا في أفغانستان، بحيث تصبح جزءًا من الترتيبات السياسية والأمنية الجديدة فيها، وذلك في ظل التنافس الإقليمي بين الدول المختلفة لسد الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على الحكم فيها. ومن ثَم فتسعى تركيا لبسْط نفوذها فيها، وذلك على الرغم من رفض طالبان لأي تواجد أجنبي داخل أفغانستان ومنه التركي. حيث أعلنت تركيا استعدادها لتقديم كافة أنواع الدعم لأفغانستان، وخاصة في مجالات كالصحة، والتعليم، وإعادة إعمار البُنَى التحتية التي تعرضت للدمار نتيجة الحرب. ويجدر الإشارة إلى أن لتركيا أهداف متعددة من ذلك. فضلًا عن توافر بعض الفرص التي تساعد تركيا في تعزيز تواجدها في أفغانستان، إلا أنه في الوقت ذاته هناك بعض التحديات والمعوقات التي تقف في طريق تركيا، وتَحُدّ من قدرتها على بسط نفوذها في أفغانستان.
أولا أهداف تركيا من تواجدها في أفغانستان:
تسعى تركيا لتحقيق بعض الأهداف من تواجدها في أفغانستان، وترتبط بشكل أساسي بالمصالح التركية، ومن هذه الأهداف:
– بلورة النفوذ التركي في منطقة أسيا الوسطى: وذلك بسعي تركيا لتقديم نفسها كبديل لروسيا باعتبارها الشريك السياسي والاقتصادي التقليدي لدول هذه المنطقة، خاصة في ضوء تقارب وتداخل حدود أفغانستان مع العديد من دول آسيا الوسطى المتأثرة دينيًا، ولغويًا، وتاريخيًا، بتركيا، وكذلك نتيجة ما تحتويه المنطقة من ثروات اقتصادية ضخمة، وخاصة من النفط، والغاز الطبيعي، واحتياطات المعادن، والفحم، والموارد المائية العذبة والجوفية.
– تعزيز المكاسب الاقتصادية واللوجستية: حيث تم الاتفاق بين الرئيس التركي “أردوغان” ، ونظيره الأمريكي “جو بايدن” على هامش قمة “الناتو” يوم ١٤ يونيو ٢٠٢١، على أن بقاء القوات التركية لتأمين مطار كابول سيكون مشروطًا بتحمل الولايات المتحدة وحلف الناتو الكلفة الاقتصادية للقوات التركية، وكذلك توفير غطاء جوي من طائرات الدرونز. فضلًا عن ضمان حق تركيا في المطالبة بأي دعم دبلوماسي أو لوجيستي أو اقتصادي من أي جهة أخرى.
– الاستفادة من الأهمية الاستراتيجية لمطار كابول الدولي بالنسبة للولايات المتحدة والناتو، واستخدامه كورقة ضغط جديدة؛ حيث تتطلع تركيا من خلال قيامها بمهام تأمين المطار والمنشآت الحكومية بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، لمساومة واشنطن والحصول على بعض التنازلات فيما يتعلق بالملفات الخلافية بين الجانبين.
– تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تسعى تركيا لذلك بعدما تدهورت العلاقة بينهما في السنوات الأخيرة نتيجة لبعض القضايا ومن أهمها: امتلاك تركيا لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسي إس- ٤٠٠، وملف أكراد سوريا، وغاز المتوسط، وما ترتب عليها من عقوبات وحصار اقتصادي وسياسي وعسكري لتركيا.
– إحياء الصورة الإيجابية للنظام السياسي التركي داخليا؛ حيث يسعى النظام التركي لتعزيز صورته في الداخل التي تدهور نتيجة السياسات التي يتبناها في التعامل مع بعض القضايا. فضلاً عن الإجراءات التي يتخذها تجاه القوى السياسية المعارضة.
ثانيا الفرص التي تستغلها تركيا لتعزيز نفوذها داخل أفغانستان:
– الروابط التركية – الأفغانية: حيث تسعى تركيا من خلال استغلالها للقوة الناعمة أن تُوطّد كافة العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية مع أفغانستان، وكذلك في بناء علاقات وثيقة بين البلدين على المستويين الشعبي والرسمي، ويظهر ذلك في العديد من أشكال الدعم التركي لأفغانستان.
– الدعم الأمريكي للوجود التركي؛ حيث اعتبار تركيا الفاعل الإقليمي الذي يمكن الاعتماد عليه لحمل الأعباء الأمنية والسياسية لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، والعمل قدر الإمكان على تطويق النفوذ الروسي والصيني والإيراني المتوقع تناميه بشكل كبير مستقبلًا.
– مساعدة الحلفاء: حيث يسعى “أردوغان” لاستمرار الاستعانة بكل من باكستان، والمجر، وقطر، لإقناع طالبان بمهمة أنقرة الجديدة، فيما يتعلق بأمن مطار كابول، وذلك على الرغم رفض طالبان الصريح لذلك الأمر، إلا أنها تسعى لتغيير هذا الرفض من خلال الحلفاء.
– الخبرة في التعامل مع الجماعات الإسلامية؛ حيث تمتلك تركيا مقومات تمكنها من تطوير علاقات فعالة مع طالبان، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى خبرتها الممتدة في اللعب على المشاعر الدينية للشعوب، ودعم الحركات الإسلامية الراديكالية في العديد من الدول كجماعة الإخوان الإرهابية، والاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الجماعات المسلحة وظّفتها ضمن تدخلاتها العسكرية في الصراعات السورية، والعراقية، والليبية، والآذرية، وغيرها، فضلًا عن مشاركتها للنزعة الإسلاموية مع طالبان في سياق مشروع تمكين جماعات الإسلام السياسي.
ثالثا التحديات والمعوِّقات التي تقف في طريق بسط تركيا لنفوذها في أفغانستان:
على الرغم من توافر بعض الفرص التي يمكن لتركيا أن تستغلها لإحكام نفوذها في أفغانستان، إلا أن هناك بعض المعوقات التي تَحُول دون ذلك، ومن أهمها:
– موقف طالبان؛ حيث يظهر تعنّت ورفض واضحَين من جانب طالبان بشأن بقاء قوات أي دولة أجنبية داخل أفغانستان، ومنها تركيا أيضًا. حيث تُبرّر طالبان ذلك بأن القوات التركية هي جزءٌ من قوات حلف الناتو، وبالتالي يُعَد بقائها خرقًا للاتفاق الذي تم بين طالبان والإدارة الأمريكية، وانتهاكًا لسيادة ووحدة الأراضي الأفغانية.
– موقف المعارضة التركية: حيث ترفض المعارضة التركية بشدة -وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي- سواء إرسال قوات تركية جديدة إلى أفغانستان، أو حتى بقاء القوات التركية الموجودة في العاصمة كابول لحماية المطار الدولي، وتطالب بعودة الجنود الأتراك إلى تركيا، ويرجع ذلك بشكل أساسي لخوفهم من تورط القوات التركية في مواجهات عسكرية مع فصائلَ وتنظيمات إرهابية في أفغانستان، وعلى رأسها طالبان و”داعش” والذي علا صيته مرة أخرى فيها.
– موقف الرأي العام؛ حيث نجد أن موقف الرأي العام يتفق مع رأي المعارضة، وذلك من حيث رفض إرسال قوات تركية جديدة إلى أفغانستان، ويطالب بأهمية عودة الجنود الأتراك إلى تركيا، فيرى الرأي العام أن الرئيس التركي “أردوغان” هو المسئول عن أرواح هؤلاء الجنود، وأنه يتعامل مع الشعب ومنهم هؤلاء الجنود بحالة من عدم الاكتراث لمصالحهم، ولا لحياتهم على الأقل.
– منافسة القوى الإقليمية للوجود التركي في أفغانستان؛ حيث نجد هناك بعض القوى الإقليمية التي ترفض التواجد التركي في أفغانستان، وتأتي على رأسها كلٌ من روسيا والصين وإيران، وذلك لما تُمثله تلك المنطقة من خصوصية جيوسياسية، وأهمية كبيرة بالنسبة لمصالح الدول الثلاث، وأمنها الإقليمي.
– نقص التمويل والدعم اللوجيستي والاقتصادي؛ فعلى الرغم من الترحيب الغربي بدور تركيا في تأمين مطار كابول، إلا أن شروط تركيا لم تحظَ بموافقة رسمية من جانب كل من الإدارة الأمريكية والناتو، وخاصة أن حلف الناتو يتحفظ على مشاركة باكستان في مهام التأمين في ظل العلاقات التي تؤسسها مع حركة طالبان.
وختامًا يجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هناك بعض الفرص التي تُمكّن تركيا من تعزيز تواجدها داخل أفغانستان، إلا أن هناك العديد من المعوِّقات التي تَحُدّ من قدرة تركيا على دعم تواجداها في أفغانستان سواء داخليًا أو خارجيًا. فضلا عن انخراط القوات التركية في أكثر من بؤرة صراع إقليمية، وهو ما ينعكس بدوره سلبًا على شعبية ومكانة النظام الحاكم في الداخل التركي، خاصة وأن الرأي العام والمعارضة حاليًا يضغطون على “أردوغان” نتيجة ذلك الأمر، ويطالبون بعودة الجنود الأتراك إلى بلادهم. ومن ثَم فيمكن القول بأن إمكانية استمرار التواجد التركي الحالي ومستقبلًا يتهاوى بدرجة كبيرة. خاصة أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا للتواجد في أفغانستان لن يستمر، وذلك لأنه على الرغم من أن أفغانستان دولةٌ مهمة للولايات المتحدة الأمريكية إلا أن أهميتها حاليًا أصبحت ضعيفة للغاية، خاصة أن للولايات المتحدة الأمريكية حاليًا أهدافًا جديدة في مناطق مختلفة عن سابقها.