fbpx
أخبار العالمأخبار محليةتقاريرسلايدر

عام ٢٠٢١.. كيف يرى المجتمع الإسرائيلي حرب يوم الغفران -أكتوبر ١٩٧٣م

كتبت: نيفين أبو حمده

تدقيق لُغوي: إسلام ثروت

زمن القراءة: ١٢ دقيقة

بدأت الأقنعة في السقوط في تمام الساعة الثانية من يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، اندلعت الحرب بالفعل، وأَصبَح من غير المُمكِن تفاديها كما كانت تحاول إسرائيل.

“لا يمكن وصف الحرب التي قُتل فيها ٢٧٠٠ إسرائيلي وجُرِحَ ٥٠٠٠، وتم أسر ٣٠٠ ما بين ضباطٍ وجنود من الجيش الإسرائيلي، إضافة للخسائر الفادحة بأنها مجرد معركةٌ، دَفعَ البعض حياتهم خلالها، ليقال إنها تعكس إرادة الإٍسرائيليين”. هكذا بدأ أحد الإسرائيليين مقاله الذي نشره صباح ذكرى يوم الغفران المؤلمة التي وصفها بالجُرحِ النازف حتى اليوم في تاريخ المجتمع الإسرائيلى.

قادةٌ مخادعون، ومرتبكون..

إذًا المصريون يفاجئوننا مرة أخرى، ثم يذهب “السادات” مستغيثًا إلى “كسينجر”، يطلب منه الفانتوم والدبابات؟! اليهود مكروهون بشكل عام والضعفاء منهم خاصة. المرة القادمة (على الأقل) سيرموننا للكلاب. هل لدينا أقنعة واقية كافية ضد الغاز؟!

جمل غير منتظمة ، كهَذَيان الفاقد لصوابه من قسوة الصدمة، هكذا بدت الجمل الأولى التي تفوهت بها “جولدا مائير” رئيس وزراء إسرائيل فَور تَلَقِّيها خبر اندلاع حرب أكتوبر- يوم كِيبُور منذ ٤٨ عامًا.

إذًا المصريون يفاجئوننا مرة أخرى

 حكاية إمرأة عجوز.. كيف يرويها الشارع الإسرائيلي

بالنسبة لليهود- الإسرائيليين، كانت “جولدا مائير” العجوز المقدسة والمرأة الرائعة التي كَرَّسَت حياتَها لإٍسرائيل، تَصِفُها الأدبيات العبرية بأنها “أعطت أكثر مما أخذت، أعطت ما يمكنك أن تراهن عليه فتربح.

لقد كانت جميلة لم تر مثلها من قبل، كانت مستقيمة، حكيمة، رشيقة، متواضعة، كان نور عينيها نعمة ورحمة، وتجاعيد وجهها نعمة وسلام”. رُغمَ أن بعض قراراتها أقل صوابًا وهذا أمر نسبي يختلف من شخص لآخر.

لكن عندما يتعلق الأمر بحرب أكتوبر ٧٣ (حرب يوم الغفران) لابد من الإشارة إلى أنها لم تكن لتنفرد بالقرار وحدها، لولا غطرستها وأعضاء حكومتها تجاه العرب وحكوماتهم بصفة عامة؛ الذي أظهرها في صورة المرأة “المحدودة”  وأظهر “موشى ديان” كعبقري حرب، منذ عام ١٩٧١م، الأمر الذى بدا واضحًا منذ رفض اقتراح خطة فصل القوات في سيناء المعروفة بخطة “روجرز”، للشروع فى الوساطة والمفاوضات وصولًا لاقتراح “ناحوم جولدمان” اتفاقية سلام مصرية – إسرائيلية، وعندما قال “ديان” قبل أيام قليلة من الحرب بشأن ما تردد عن نية الحرب الظاهرة لدى المصرين وأنبائها “لديهم تدريب كبير، مجرد تدريب.. فقط في الـ ٤٨ ساعة الماضية بدأت تظهر إشارات، أولها رحيل الروس الذى أشعلت ضوءًا أحمر بالنسبة لنا، ثم تم اتخاذ قرار بعدم شن عملية وقائية حتى لا تكون إسرائيل أول من يبدأ الحرب”. وعقَّبَت جولدا “الأنباء التي تلقيناها لم تترك أي أثر للشك في قلوبنا”.

جولدا ترى الأمور  بعيون الآخرين

هكذا يصف رجل الشارع الإسرائيلى قادة وكبار مسؤلي الدولة إبان حرب أكتوبر عام ٧٣، لا ينسى كلمات “موشى ديان” فى زيارته إحدى القواعد العسكرية “لاشك أن السادات قلق بشأن المستقبل”، كما يتذكر دائمًا  تحذير “السادات” بأنه إذا تعرض مصريون مدنيون للهجوم فسوف يهاجمُ إسرائيلَ بصواريخ سكود.

كشفت الوثائق الإسرائيلية على مدار أعوام طويلة مؤكدة ما أشيع عن مخاوف “ديان” البالغة الواضحة بين كلماته خلال أحد الاجتماعات “ماذا لو ضغط السادات على الروس؟! ماذا لو قال إننا هاجمنا المدنيين بالفعل وطلب منهم إلقاءَ الصواريخ علينا؟! هناك تقارير تفيد بأن مِصرَ لديها ٤٠٠ صاروخ سكود”، فأجابه الوزير إيجال ألون بأنه يخشى أن يقوم المصريون بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، تسائلت جولدا مائير “هل لدى الجميع أقنعة واقية من الغازات؟”، وتأتِ إجابة يسرائيل ليئور السكرتير العسكري الخاص بها لتؤكد على مخاوفها “إن بعض الوحدات مزودة بأقنعة، لكن يجب أن يكون السؤال، هل كل شخص لديه قناع؟!”

كادت “مباغتة” يوم عيد الغفران (يوم كِيبُور- حرب ٧٣) أن تكون إيذانًا بحرب عالمية ثالثة أو على الأقل كافيًا لرؤية إشارات لها تلوح في الأفق؛ ما يفسره الارتباك الأمريكي الإسرائيلي، الخوف من انضمام سوفيتي للحرب على الأرض، التساؤلات المكررة على كابينت الوزراء الإسرائيليين (مجلس الوزراء المصغر) والتي تحتاج لإجابات عملية، هل هناك تهديد سوفيتى بالتدخل؟ ما الذي يجب أن نَرُدُّ عليه بالتحديد، وبماذا نَرُدُّ؟ ماذا طلبنا من الأمريكيين أن يفعلوا؟ وهل فعلوا؟ وتساؤل جولدا مائير الذي كَشَفَت عنها بعض وثائق محادثاتها الخاصة: “أريد أن أفهم ما الأمر الذى أَودَى بكِيسنجر إلى هذا الذُّعر؟! ما الذي هددوه به؟ ليجيبها الوزير آلون: “احتمال إرسال قوة سوفيتية إلى مصر…”

رأي اليهود- الإسرائليون في الحرب بعد ٤٨ عامًا

جاءت إجابات بعض الإسرائيليين على موقع فيسبوك على سؤال كيف تُلخص يوم كِيبُور، كالآتي:

– فقط أنهم دمروا البلد.

– جولدا مائير قبل ساعتين من اندلاع حرب يوم الغفران: “لا أحد منا يعرف ما إذا كانوا سيطلقون النار، أو متى؟!”

– المفاجأة لم تكن فقط باندلاع الحرب، وإنما التقديرات الخاطئة، ورفض الضربة الاستباقية، والضرب المباشر على الجبهة.

– كحكايات الجدة، ونشر الوثائق ليس الطريقة التي يجب أن تنكشف بها حقيقة حرب يوم الغفران للجمهور الإسرائيلي.

– إن حرب ١٩٦٧م القصيرة هي أصل كل الشرور على هذا الشعب، صعود اليمين وتراخي اليسار وقيادتنا كالقطيع بعدها، كان عليهم أن يتصرفوا بجرأة ضد قُوى الحق المسياني (الخلاص- إحدى العقائد الدينية الأساسية في اليهودية)، وألا يخافوا من بيچن الذي أعاد بعد ٤ سنوات إلى مِصرَ الأرضَ كاملة.

– عار علينا ما حدث، لو كان ديان شجاعًا وقلقًا على مصير هذا الشعب، لَوافق عام ٧٢ على أن يناقش مع السادات اتفاقًا فى سيناء، لو كانوا وقَّعوا اتفاقية عام ٧٢، لَمَا كانت هناك حرب طاحنة غير ضرورية، والعديد من القتلى والجرحى فى الجسد والروح.

– يُصوِّر اليمينُ نفسَه على مدى ٤٠ عامًا كمُنقِذٍ للشعب، بينما يُهمل التزامات الحكومة تجاه الجمهور؛ الصحة والتعليم، تكلفة المعيشة، الرفاهية، ثم يكررون “كل شيء متوفر؟!”

– ما أصاب اليهود حقًا يومها، هو أنه عرف على الأقل -لمرة واحدة فى التاريخ- أنه كان هناك شخص أكثر حكمة منهم، كان السادات أعلى ثلاث درجات من جولدا ورجالها، فقط فى العقل (لم أَعُد أتحدث عن شخصيته بعد الآن فأنتم تَرَون كل شيء بأنفسكم)، والخداع الذي قام به العميل المزدوج أشرف مروان سَخِرَ من كل التكنولوجيا الإسرائيلية في ذلك الوقت، ومن كل الحكماء اليهود الذين عرفوا والذين عمِلوا، ماذا تفعل كل هذه المعرفة عندما تأكل غرورُك عقلَك من الداخل؟

– هذا القائد الشجاع (السادات)، مع الروح والإنسانية المذهلة هذا يأكل قلوبنا حقًا.

حكاية الوثائق

قدم  اللواء متقاعد “أورى بار يوسف” وهو أحد أبناء أحد جنود الجيش الإسرائيلي المقتولون خلال يوم السادس من أكتوبر، عبر محاميه بنيامين باريتز، التماسًا منذ سنوات طويلة للمحكمة الإسرائيلية يُطالب بمُوجَبِه بِفَتح جميع المواد الأرشيفية المتعلقة بحرب “يوم الغفران” للجمهور، ليتم الكشف عن بعض الوثائق بِحُكمٍ أصدرته المحكمة تزامنًا مع ذكرى مرور ٤٨ عامًا على الحرب الذي يعتبرها الذكرى الأكثر ألمًا في حياته -كما الكثيرون من الإسرائيليين- وبسببها يكتب لقبه “اليتيم أورى بار يوسف”، وهو يرى أن الوثائق تسمح لرجل الشارع الإسرائيلي بالإطلاع على بجربة الحرب من خلال قادتها وكبار المسؤولين في الدولة، وتفتح بابًا تاريخيًا على الأحداث كما حدثت في وقتها، وليس كما عالجتها الروايات المتأخرة من قِبل المؤرخين”.

هل تعلم..؟!

أن أرشيف الجيش الإسرائيلي يحتوي على الأقل، على ما مقداره مترٌ مكعبٌ واحدٌ من الأشرِطة، وأن كل ما يُنشَر الآن من مكتب رئيس الوزراء وما لم ينشر من أرشيف إسرائيل كان “مُخزَّنًا” في إحدى القُرى العربية فى مناطق الضفة الغربية!! بما في ذلك محاضر اجتماعات الحكومة في أيام الحرب الأولى، وتم التفاوض مع أَسْرِ مدوِّنُها بخط يده “مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك جولدا مائير” وصوّرها السكرتير العسكري لها العميد “يسرائيل ليؤر ” ليتم نقلها إلى أرشيف الجيش، مركز يوم كِيبور الحربي، قسم التاريخ في الجيش الإسرائيلىي ومركز تراث سلاح المخابرات الذى يواصل التَستُّر على الحقيقة وتشويهها، وأن ما يُنشر من الوثائق عبر سنوات طويلة يخضع للسنزورا (الرقابة العسكرية) ويتم شَطبُ أجزاء كثيرة منها، على سبيل المثال الوثائق التي يتحدث عنها الإعلام هذه الأيام، ويهرول لنشر مقالات عن نشر إسرائيل لوثائق جديدة وكأنها شفافية من إسرائيل أو اكتشافٌ من قِبلهم !!، اجتُزِأ منها ما يدل على طبيعة العلاقة بين إسرائيل والأردن، وما يقوله القادة الإسرائيليون عن دور الأردن في الحرب، وحظر السطور التي يشير فيها رئيس الموساد إلى العلاقة السرية التي كانت تربط إسرائيل والأردن في ذلك الوقت، كما اجتُزِأ منها بعض الحوارات الخاصة بجولدا مائير وموشى ديان، حتى بدت بعض الجمل فيها فكاهية ساخرة هكذا بدت إحدى المحادثات بعض شطب أجزاء من محتواها:  يسألها ديان”أين كنتِ؟” فتجيب جولدا “لإحدى صالات الديسكو؟!”

قال بار يوسف لصحيفة هآرتس: “في كل مرة تفتح فيه إسرائيل أرشيفها نشعر بالتعتيم على أمورٍ ما، قد نفهم بعضها من السياق”.

وأضاف “إن مراجعة الوثائق تكشف عن سير المستوى السياسي في أصعب وقت عاشته إسرائيل منذ عام ١٩٤٨” وختم قائلًا “لقد واجه القادة معركة ضبابية كثيفة، وأرفع لهم قُبَّعتي، لكن هذا يثير التساؤل عما سيحدث إذا سقط ألف صاروخ في تل أبيب اليومَ، ولم يتبق أي أثر للمدينة، كيف سيرى رئيس الوزراء الحالي الأمر؟ وماذا سيفعل رئيس الأركان بعد ذلك؟!”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى