بوتين يمتلك أوراق اللعبة في أزمة الحدود الأوكرانية
كتبت: نهال مجدي
تدقيق: عبد الفتاح عبد الواحد
يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أن يكون هو الرابح الوحيد فى الأزمة الأخيرة مع حلف شمال الأطسي “الناتو” بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص، هذا فيما يواصل حشد قواته بالقرب من أوكرانيا بأعداد تصل إلي حوالي 60.000 إلى 75.000 مع توقع وصول ضعف هذا العدد على الأقل من أجزاء أخرى من روسيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
ويهدد بعمل عسكري إذا استمر الغرب في “خطه العدواني الواضح” بتواجده في مناطق قريبة من الحدود الروسية.
وفي الوقت نفسه، تعد الخارجية الروسية مسودتين لوثيقتين تهدفان إلى تغيير التوازن الإستراتيجي الحالي في أوروبا، والحد من الوجود الأمريكي هناك، وتقويض حلف الناتو.
يبدو بوتين فى هذه المرحلة واثقًا من أنه إذا قام بغزو أوكرانيا فإن الغرب لن يقاومه، وإذا لم يقم بعمل عسكري فسيكون الغرب استسلم لمطالبه، وبالتالي فسيحقق ما هو أبعد بكثير من مجرد استعادة تبعية كييف لموسكو.
عقب محادثة بوتين مع الرئيس جو بايدن حاولا فيها تفهم الخلافات والمطالب الروسية من الغرب، أصدرت روسيا مسودة “معاهدة” من شأنها أن تتعهد فيها أمريكا، من بين أمور أخرى، بمنع المزيد من التوسع شرقًا لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ورفض انضمام دول اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابق للحلف.
بعبارة أخرى، لن تقتصر المسودة الروسية على استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد انضمام أوكرانيا (وجورجيا) إلى الناتو، ولكن يمكن تفسير لغة المعاهدة على أنها تشكل طلبًا روسيًا بأن أعضاء الناتو الحاليين الذين كانوا في يوم من الأيام جزءًا من الاتحاد السوفيتي، وبالتحديد دول البلطيق، يجب عليهم طردهم من التحالف.
كما ستطلب موسكو من الولايات المتحدة الموافقة على الامتناع عن نشر القوات العسكرية “في المناطق التي يمكن أن تعتبرها روسيا تهديدًا لأمنها القومي، باستثناء الانتشار داخل أراضي الطرفين “.
سيمكن هذا البند موسكو من استخدام حق النقض ضد جميع عمليات الانتشار الأمريكية في أوروبا على أساس أنها تهدد الأمن الروسي، وفي الوقت نفسه يمكن روسيا، بالطبع، من نشر قواتها على طول حدودها مع دول الناتو، بما في ذلك في كالينينجراد.
كما ستمنع المسودة الروسية الولايات المتحدة من نشر قاذفات ثقيلة وقوات بحرية في المجال الجوي الدولي والمياه الدولية، “حيث يمكنهم من مهاجمة أهداف الطرف الآخر”، على الرغم من تطبيقه اسميًا على الطرفين (امريكا وروسيا) ، إلا أنه من الناحية العملية سيكون التركيز على كل من القاذفات الأمريكية المتمركزة خارج القارة الأوروبية والوحدات البحرية العاملة في البحر الأسود وبحر البلطيق وغرب المحيط الهادئ.
والوثيقة الثانية من الوثيقتين لوزارة الخارجية، وهي مسودة اتفاقية مع الناتو، تحاكي بعض بنود مسودة المعاهدة مع الولايات المتحدة، مثل السعي للحصول على التزام بمنع أي توسع إضافي لحلف شمال الأطلسي – وهو يستدعي على وجه التحديد أوكرانيا – ولكنه يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث سيمنع أي نشاط لحلف شمال الأطلسي في المحيط السوفيتي السابق، وسيحصر الانتشار في دول حلف وارسو السابقة على القوات المتمركزة اعتبارًا من 27 مايو 1997 ، أي قبل قمة مدريد عندما دعا الناتو جمهوريات التشيك وبولندا و المجر للانضمام إلى التحالف.
ليس من المستغرب أن ترفض كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المطالب الروسية التي تعود إلى مطالب جوزيف ستالين وخلفائه السوفيت، من المؤكد أن الكرملين يتوقع مثل هذا الرد، ومع ذلك ، من الواضح أن ما شجع بوتين علي تلك المطالب، هو رد فعل الغرب الضعيف نسبيًا على تهديده العسكري لأوكرانيا، كما أنه غير منزعج من التهديدات بفرض عقوبات جديدة.
وأوضح أن المساعدة العسكرية الغربية الإضافية لأوكرانيا ستشكل ذريعة للقوات الروسية لعبور الحدود، على الأرجح إلى الجزء الشرقي من البلاد، بعبارة أخرى، إنه يستخدم الأزمة التي أحدثها كوسيلة لانتزاع تنازلات لم يكن من الممكن تصورها في الماضي القريب.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد تعلمت درسًا من تدخلاتها في كل من أفغانستان والعراق، وتعلم الاتحاد السوفيتي السابق الدرس نفسه عندما خاض حربًا في أفغاستان، فهذا الدرس يتلخص في أن الصراعات نادرًا ما تسير في المسار المحدد لها سلفًا، أو كما تقول القاعدة العسكرية..من السهل أن تبدأ حربًا ولكن ليس من السهل ان تنهيها.
كما يمكن إذا اندلعت الأعمال العدائية في أوكرانيا أن تنتقل إلي أماكن أخرى، مما يقوض الاستقرار الأوروبي لعقود مقبلة، كما يمكن أن تتطور العدائيات إلي تصعيد نووي، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن روسيا أيضًا.
إذا كان بوتين جادًا في حل المخاوف الروسية بشأن توسع الناتو، فعليه ألا يحشد المزيد من القوات على الحدود الأوكرانية، تلك القوات الموجودة بالفعل هي أكثر من كافية لردع أي خطط قد تكون لدى كييف لاستعادة السيطرة على مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين بالقوة.
وإذا اتضح أن كييف ليس لديها نية للقيام بذلك، فيجب على روسيا أن تبدأ تدريجيًا في تقليص تلك القوات أيضًا، واصفة إياها بأنها جزء من التدريبات العسكرية وفي المقابل، يمكن لواشنطن أن تحد من مساعدتها العسكرية لكييف من خلال تقييد شحنات الأسلحة والأنظمة الدفاعية. ويمكن لحلف الناتو أن يفعل الشيء نفسه.
وفي تلك الأثناء ينخرط الطرفان في التفاوض، وهو أمر سيكون مستحيلًا مع وجود شبح الحرب في الخلفية.
في النهاية ، الكرة الآن في ملعب بوتين، إذا كان يفضل الاستمرار في حشد القوات على الحدود الأوكرانية، فمن المرجح أن يثير رد فعل صارمًا من حلف شمال الأطلسي خاصة اقتصاديًا – وحتى ألمانيا التي كانت تتبني صامتة في بداية الأزمة تهدد الآن بقطع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 .
ومن ناحية أخرى ، إذا كان جادًا بشأن المفاوضات، فسيجد واشنطن وحلف الناتو مستعدين للتحدث، ولكن ليس على أساس الشروط المنصوص عليها في مسودتي الاتفاقيتين اللتين كان من الممكن أن تجعل ستالين فخورًا ببوتين.