خطابات أردوغان .. والرئة الاقتصادية تنتظر “أوكسجين” خصوم الماضى!
كتب – شريف سمير :
تدقيق: على جاد
من يقرأ ويستذكر خطابات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يستنبط من بين سطورها “تفاصيل شيطانية” فى أجندته الداخلية والخارجية معا.
فقد أعلن فى آخر خطاب له أمس أنه يفتح صفحات جديدة مع مصر وإسرائيل، وسيتوجه إلى الإمارات فى فبراير المقبل على رأس وفد كبير.. وهذه المحطات الصخرية التى كثيرا ما اصطدم بها قطار السلطان العثمانى فى الماضى، تبرهن على أنه يمارس هوايته المفضلة فى المناورات التكتيكية، والابتزاز السياسى للخروج بـ”صفقات تجارية” شاملة، يستعين بها فى تغطية خسائر الاقتصاد التركى نتيجة جائحة فيروس كورونا على مدار عامين من ناحية، وسياساته النقدية المتورطة فى الفساد المالى وقضايا استغلال النفوذ التى فاحت رائحتها من ناحية أخرى.
ومن هذا المنطلق، تحدث أردوغان عن مستقبل العلاقات مع الإمارات، معتبرا أن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، الأسبوع الماضى، ستدشن عصرا جديدا فى العلاقات الثنائية، كمقدمة لبناء جسور الثقة وتعديل المسار مع كل من مصر وإسرائيل باختلاف الأسباب والدوافع.
وكان من بين الاتفاقيات التركية الإماراتية تأسيس صندوق إماراتى بـ١٠ مليارات دولار لدعم الاستثمارات فى تركيا، وتوسيع نطاق التعاون ليشمل تبادل المصالح المشتركة فى مجالات النقل والصحة والطاقة، ليسير المحور التركى المصرى فى نفس الاتجاه حسبما هو مخطط، وصولا إلى تل أبيب وتطبيع العلاقات مع إسرائيل ضاربا عرض الحائط بكل مواقفه العنيفة والمتشددة مع الاحتلال وممارساته الدموية لتصفية القضية الفلسطينية.
وبينما يرسم أردوغان سيناريو كسر “الشرنقة الاقتصادية” عبر أنابيب المساعدات والخدمات الخارجية، تراجع سعر الليرة التركية خلال تعاملات أمس إلى مستوى قياسى جديد بعد تصريحات جيرمى باول رئيس مجلس الاحتياط الاتحادى (البنك المركزى الأمريكى) عن احتمال تشديد السياسة النقدية الأمريكية بوتيرة أسرع، بما يعني تقليص تدفق الاستثمارات المالية الأجنبية إلى الأسواق الصاعدة ومنها تركيا.
وكشفت وكالة بلومبرج أن انهيار العملة التركية نتج عن ضغوط نظام أردوغان لخفض الفائدة التركية إلى مما أدى إلى ضرب الليرة وارتفاع معدل التضخم، وفقدت الليرة أكثر من ٢٧ ٪ من قيمتها أمام الدولار منذ بدأ البنك المركزي تخفيف سياسته النقدية، لتسجل أكبر تراجع بين عملات الدول الصاعدة.
كما ارتفع معدل التضخم فى تركيا خلال أكتوبر الماضي إلى ١٩٫٩٪، بما يعادل ٤ أمثال معدل التضخم المستهدف.. وفى ظل هذه المخاطر التى تسربت إلى الشارع التركى، طالب اتحاد الشركات فى بيان بتغيير السياسة الاقتصادية فى البلاد بعد ثبوت فشلها، مؤكدا أن الحالة تقتضى تبنى منهج اقتصادي مغاير، بعد أن توقفت حركة الإنتاج والتجارة المحلية والخارجية تقريبا؛ لعدم استقرار أسعار الصرف، مما يجعل من المستحيل تسعير المنتجات بطريقة اقتصادية.
وسرعان ما قفزت المعارضة التركية علي المشهد لتوجه سهامها إلى حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وانتقدت برفين بولدان الرئيسة المشتركة لحزب “الشعوب الديمقراطية”، نظام أردوغان وسخرت منه قائلة : “لقد كتبت كتاباً عن الاقتصاد، فقم بتصوير فيلم أيضاً، مع عصابتك المكونة من ٥ أفراد، ووزرائك الذين دمروا وزاراتهم، ووسائل الإعلام الخاصة بك، ويمكنك تصوير الاقتصاد الغارق بشكل جيد للغاية”.
وبدوره، اتهم رئيس حزب الشعب الجمهورى وزعيم المعارضة، كمال كيلتشدار أوغلو، الرئيس التركى، بأنه نزع سلطة البنك المركزى من البرلمان، ومنحها لشخص آخر، ليُجرِّد البنك من امتيازات السياسة النقدية والأدوات التى سيطبقها لضمان استقرار الأسعار، وتحدث عن صرخات المواطنين قائلا :”الغلاء مؤلم، وأعلم أن الناس لا يستطيعون كسب لقمة العيش.. والمحاربون القدامى لا يستطيعون الحياة الكريمة، وأقارب الشهداء لا يمكنهم الاعتماد على معاشاتهم التقاعدية”.
وضرب رئيس حزب “الديمقراطية والتقدم” على باباجان على وتر الأجور، مشيرا إلى تراجع قيمة الحد الأدنى للأجور أمام الدولار لمستويات متدنية، وقال : “أموالنا تختفى قبل أن يجف عرق جبيننا، فقد كان الحد الأدنى للأجور يساوى ٢٨٣ دولارا، وهو نفس المستوى تقريبًا فى الصين.. وعندما سلمنا الاقتصاد عصابة أردوغان، كانت الليرة مقابل الدولار ٢٫٩٢”.
وهكذا يلهث المقامر أردوغان وراء “أوكسجين” الخارج ليملأ الرئة الاقتصادية قبل أن تتوقف عن التنفس ويستمر نزيف “خسائر” النظام العثمانى الجديد.