وجه ليبيا الجديد.. بين “وريث الماضى” و”أمراء” الحرب والمال والسياسة
كتب- شريف سمير:
تدقيق- على جاد:
يتوجه الناخب الليبى فى ٢٤ ديسمبر المقبل لإتمام الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ثم الجولة الثانية مع الانتخابات البرلمانية بعد ٥٢ يوما، وينتظر أحفاد أسد الصحراء عمر المختار ماراثون طويل لتغيير وجه ليبيا بعد سنوات الشقاء والاضطراب السياسى والفراغ الأمنى الذى فرق الجميع.
ففى دولة معقدة ومرصودة مثل ليبيا، تتجه الأنظار إلى إرادة الشعب وتقاطعها مع حسابات القوى الخارجية وأطماعها الملموسة للتكهن بمن يمكن أن يبتسم له الحظ ويدخل قصر طرابلس من أوسع أبوابه، ويعيد أمجاد “المختار” الحزين على أحوال بلاده داخل مقبرته الخالدة!.
يبدو حضور الماضى بارزا فى شخصية سيف الإسلام القذافى، نجل الزعيم الراحل معمر القذافى، الذى قدم أوراق ترشحه رسميا لخوض هذا الاستحقاق، وسط آمال أنصار النظام السابق فى العودة إلى السلطة، وسادة مشاعر فى الشارع الليبى بخيبة أمل نتيجة غياب الاستقرار وانقسام البلاد بعد رياح الربيع العربى فى ٢٠١١، فيأتى (سيف) قاطعا كل الأمانى والآمال فى التغيير.
ويخوض سيف الإسلام (٤٩ عاما) التجربة السياسية مُسلحا بخبراته فى إجادة اللغة الإنجليزية، وحصوله على الدكتوراة من كلية لندن للاقتصاد، فضلا عن انتمائه للكتلة التى استهدفت تحرير اقتصاد ليبيا، وترؤسه مؤسسة القذافى للأعمال الخيرية والتنمية، التى فاوضت لإطلاق سراح الرهائن المعتقلين من جانب مسلحين إسلاميين، خاصة فى الفلبين.
ويطمح سيف الإسلام إلى السلطة التى كان قد أعلن فى ٢٠٠٨ عزوفه عنها، بعد أن أكد عدم رغبته فى أن يرث الحكم من والده، إلا أن محنة اعتقاله فى أغسطس ٢٠١١ على يد قوات المجلس الانتقالى، وقرار القضاء بإعدامه غيابيا فى عام ٢٠١٥ بعد محاكمة خضع لها مع نحو ٣٠ فردا من رموز نظام القذافى، كانت عوامل كافية لاستفزاز مشاعره وتفكيره فى العودة إلى بلاده محمولا على الأعناق ليجلس على مقعد الرئيس .. خصوصا أن المحكمة الجنائية الدولية طالبت أيضا بمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال محاولة والده الفاشلة لقمع التمرد ضد حكمه.
وينافس سيف الإسلام بقوة قائد الجيش الوطنى الليبى اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، المعروف بأنه الرجل القوى فى شرق البلاد، والذى توقف عن أداء مهامه وسلمها لرئيس أركانه قبل الانتخابات بـ٣ أشهر فى إطار رغبته للترشح، واحتراما لقانون الانتخابات الرئاسية الذى ينص على خلع السترة العسكرية استعدادا لـ”الزى المدنى”.
ويحظى حفتر بدعم عربى ودولى، انطلاقا من دوره البارز فى السنوات الماضية داخل المشهد السياسى الليبى، وتاريخه كواحد من مجموعة الضباط، التى كان يقودها الزعيم الراحل القذافى، والتى وصلت إلى السلطة بعد الإطاحة بالسنوسى ..
وجاءت مكافأة “حفتر” بتعيينه قائدا عاما للقوات التى خاضت المعارك ضد تشاد، تقديرا لولائه.. وفى آواخر الثمانينيات انشق حفتر عن نظام القذافى، وسافر إلى الولايات المتحدة، حيث أفادت تقارير بتقربه من المخابرات الأمريكية “سى آى إيه”، ومع بدء الانتفاضة ضد القذافى، عاد “حفتر” إلى ليبيا، وقفز على صفوف المعارضة للإطاحة بعهد القذافى، ومنذ تلك اللحظة وهو يحارب للبقاء فى الصورة، ليتمكن فى فبراير ٢٠١٤ من عرض خطته لإنقاذ البلاد، داعيا الليبيين إلى النهوض فى وجه المؤتمر الوطنى العام، وهو البرلمان المنتخب الذى تشكل بعد الثورة.
وأطلق “حفتر” اسم “عملية الكرامة” فى مايو ٢٠١٤ على مواجهته ضد جماعات إسلامية مسلحة، من بينها جماعات مقربة من جماعة الإخوان الإرهابية، فنجح فى تقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خصما للإسلاميين فى ليبيا، ليحظي بثقة ومساندة مصر والإمارات، وبالتالى ترتفع أسهم “حفتر” فى بورصة الانتخابات المقبلة.
ويظهر فى الكادر رجل الأعمال عبد الحميد الدبيبة المدعوم من قبائل غرب ليبيا، ويتمتع بقاعدة شعبية كبيرة، خاصة بعد أن نجح فى إحداث تغييرات فى الأوضاع المعيشية منذ أن تولى منصبه رئيسا للحكومة الانتقالية فى ١٦ مارس الماضى، ليراهن على ذاكرة الشعب الحديثة، ومن أبرز مشروعاته دعم الشباب المقبل على الزواج بمنحة نحو ٩ آلاف دولار لكل زوجين، وزيادة رواتب المعلمين لأكثر من الضعف، فضلا عن تحقيق استقرار أمنى منشود.
واعتبر الخبراء أن فرص الدبيبة متصاعدة ودليل على قدرة رأس المال على تجاوز الخنادق والاختلافات السياسية، لا سيما أن رجل الأعمال يمتلك تقنيات التخطيط والبناء التى اكتسبها من دراسته فى جامعة “تورنتو” الكندية، وتخرج منها حاملا شهادة الماجستير فى هذا التخصص، علاوة على عدة مناصب رسمية تقلدها إبان حكم القذافى، من بينها إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار الحكومية، وإشرافه على عدة مشروعات، من بينها بناء مشروع ١٠٠٠ مسكن فى مدينة سرت، مسقط رأس القذافى.. وتعد هذه الخلفية الاقتصادية الثرية كفيلة بتزكية موقفه وحملته الانتخابية.
ويتردد اسم المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبى ضمن أبرز المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، على الرغم من الضغوط التى يمارسها البعض عليه للتراجع وإفساح المجال أمام “حفتر” لعدم تشتيت أصوات المنطقة الشرقية، غير أن أنصار “عقيلة” يفضلونه على قائد الجيش، استنادا لخبراته الدستورية وماضيه المتين فى وزارة العدل والسلك القضائى.
وينضم إلى السباق مشاغب من حكومة الوفاق الوطنى السابقة، وهو فتحى باشاغا، الذى كان خصما عنيدا للدبيبة فى انتخابات ملتقى الحوار السياسى فى فبراير الماضى، وبات شخصية قيادية ومؤثرة فى الغرب الليبى عسكريا وسياسيا..
ويتقاسم معه الفرصة محمد خالد عبد الله الغويل رئيس حزب “السلام والازدهار”، المنحدر من أصول مصراتة، ويطرح اسمه كمواطن حاصل على شهادة ماجستير فى الهندسة البيئية، وعمل فى القطاع الحكومى لمدة ٢٦ عاما، ومستشارا فى القطاع الخاص ٩ سنوات إلى أن تقلد مناصب عليا، وأسس الشركة العامة للمياه والصرف الصحى، ثم عمل وكيلا لوزارة التخطيط.. وهكذا يصبح الأجدر بكرسى الرئيس بُناءً على سجله ومشواره.
اشتعال أجواء سباق الانتخابات الليبية قبل بدايتها، لم يكن بحماس الناخبين لتغيير وجه ليبيا، بل بظهور شخصيات سياسية مثيرة للجدل، فتحت تساؤلات وتنبؤات بمن الأوفر حظا لقيادة السفينة الليبية المثقوبة فى مواجهة أمواج الداخل و”نوات” الخارج العنيفة.