وسط العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.. مكالمة هاتفية بين بايدن وشي جين بينج
كتبت: نهال مجدي
تدقيق: ياسر فتحي
الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس، بنظيره الصيني تشي جين بينج، لم يكن بأي حال مِن الأحوال مجرد اتصال هاتفي آخر وسط موجة “دبلوماسية الاتصالات” التي جرت بين العديد من الزعماء منذ بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتأتي هذه المكالمة، التي استمرت لساعتين بحسب بيان البيت الأبيض، عند نقطة بالغة الأهمية في العلاقات الأمريكية الصينية؛ حيث تراقب واشنطن عن كثب تطور العلاقات بين جين بينج ونظيره الروسي فلايمير بوتين، في الوقت الذي أثار فيه موقف بكين من الغزو الروسي لأوكرانيا حفيظة الغرب.
وجديرٌ بالذكر أن موقف بكين ليس داعمًا بالكامل لموسكو، ولكنه في نفس الوقت ليس معارضًا بشكل مباشر، وهو الموقف الذي حاول بايدن فك شفرته والتأثير عليه خلال المكالمة.
وأصدر البيت الأبيض بعد المكالمة بيانًا جاء فيه “بايدن شرح للزعيم الصيني التداعيات والعواقب، إذا قدمت الصين دعمًا ماديًا لروسيا، كما أكد دعمه لحل دبلوماسي للأزمة، كما اتفق بايدن و تشي على الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة”.
وفي المقابل قال تشي لبايدن في بداية المكالمة إن الصراع والمواجهة ليسا في مصلحة أحد، وأن السلام والأمن هما أثمن كنوز المجتمع الدولي، بحسب قناة سي سي تي الصينية.
وقال مسئولوا البيت الأبيض قبل المكالمة الهاتفية أنهم يتوقعون أنَّ الحوار سيكون حادًا نوعًا ما، كما استمر اجتماع تمهيدي بين مساعدي الزعيمين لسبع ساعات في وقت سابق من هذا الأسبوع.
كما زاد بايدن المخاطر عندما قال في اليوم السابق، أن نظيره الصيني “لا يعتقد أن الديمقراطيات يمكن أنْ تستمر في القرن الحادي والعشرين”.
• لماذا مكالمة بايدن وتشي على هذا القدر مِن الأهمية؟
1- لأنه بحسب المسئولين الأمريكيين تدرس الصين إمكانية تقديم المساعدة العسكرية أو المالية التي طلبتها روسيا نظرًا للخسائر التي تكبدها جيشها في أوكرانيا، وإذا وافقت الصين على مطالب موسكو، فقد تضعف علاقتها مع الغرب لعقود قادمة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الخميس، “نحن قلقون من أنهم يدرسون مساعدة روسيا بشكل مباشر بمعدات عسكرية لاستخدامها في أوكرانيا”.
وبالفعل أبلغت الولايات المتحدة بعض حلفاء الناتو أنها تعتقد أنَّ الصين لديها بعض الاستعداد لدعم روسيا، على الرغم مِن أنَّ موسكو تنفي طلبها، وتقول بكين إنها لا تقدم أي مساعدة.
ويقول المسئولون الأمريكيون إنهم يعتقدون أنَّ تشي شعر بعدم الاستقرار بسبب الغزو الروسي وأداء الجيش الروسي، الذي عانىٰ من تحديات لوجستية واستراتيجية منذ بدء الغزو قبل ما يقرب من شهر، بحسب سي إن إن.
وقال المسئولون إن تشي كان يراقب من بكين، ولكنه صُدِم بأن معلوماته الاستخباراتية لم تكن قادرة على التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، على الرغم من أنَّ الولايات المتحدة كانت تحذر من هذا الغزو قبل حدوثه بأسابيع.
2- من الممكن أنْ تدعم بكين موسكو في حربها على أوكرانيا،
ولا يعتقد المسئولون الأمريكيون أن الصين ستكون على استعداد لتزويد روسيا بمعدات هجومية مثل الدبابات أو الطائرات، لكنهم يرجحون أنْ ترسل الصين مساعدات أقل مثل الوجبات والذخيرة وقطع الغيار أو معدات المراقبة، هذا إذا أرسلوا أي شئٍ على الإطلاق.
وقال المسئولون إنه لا يزال من الممكن أنْ تساعد الصين روسيا في تخفيف تأثير العقوبات الغربية مِن خلال الدعم المالي، على الرغم مِن أنه مِن غير المرجح أنْ تتمكن البلاد مِن تخفيف آثار الإجراءات الأمريكية والأوروبية تمامًا.
وخلال مكالمتهما الهاتفية، أوضح بايدن لـ تشي الجوانب السلبية لمساعدة روسيا في الحرب، إما من خلال المساعدة العسكرية أو المالية، وقال بلينكين قبل المكالمة إنه كان مِن المقرر أنْ “يوضح أنَّ الصين ستتحمل مسئولية أي إجراءات تتخذها لدعم العدوان الروسي ولن نتردد في جعلها تدفع ثمن مساعدتها لموسكو”.
ومن المتوقع أن الزعيم الصيني سيفوز بولاية رئاسية ثالثة في السلطة خلال المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي في بكين هذا الخريف، خلال مثل هذا العام المهم، يعتقد الخبراء الغربيون أن تشي سيكون على وعي بالمخاطر الاقتصادية التي تشكلها العقوبات الاقتصادية، خاصة مع تجاوز حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين 800 مليار دولار العام الماضي، وتجاوز حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين 750 مليار دولار، في حين أنَّ حجم تجارتها مع روسيا كان أقل بقليل من 150 مليار دولار، وفقًا للبيانات الرسمية الصينية.
ومع ذلك، لا يزال هناك نقاش مستمر داخل الإدارة حول الخطوات التي يجب اتخاذها ضد الصين إذا قررت مساعدة روسيا، حيث رفض بايدن وإدارته مناقشة الخيارات التي يفكرون فيها علنًا، لكنهم حذروا مِن أنه ستكون هناك “عواقب” بالنسبة للصين إذا دعموا روسيا.
3- على واشنطن التعامل مع العلاقات الوثيقة بين موسكو وبكين، حتى قبل أنْ تغزو روسيا أوكرانيا، كان المسئولون الأمريكيون يراقبون بحذر تقارب بوتين و تشي، وقال مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، الأسبوع الماضي إنَّ الشراكة بين الزعيمين متجذرة وعميقة.
وأعلن الزعيمان أنَّ علاقتهما “لا حدود لها” في وثيقة مطولة فبراير الماضي، عندما زار بوتين بكين لإجراء محادثات، وحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وشهدت الوثيقة دعم الصين لمطلب روسيا من الغرب، مع معارضة الجانبين لتوسيع إضافي لحلف شمال الأطلسي.
وجاءت الأزمة الأوكرانية لتختبر مدى صلابة التعاون بين موسكو وبكين، فمع بداية الحرب تطور رد فعل الصين من عدم توصيفها للعمليات العسكرية الروسية بالـ”غزو” إلى محاولة تجنب الإدانة الغربية مِن خلال إبداء استعدادها للمشاركة في الوساطة، وهو ما كانت واشنطن تراقبه عن كثب.
وشهد المسئولون الأمريكيون إشارات متضاربة، عندما امتنعت الصين عن التصويت لإدانة الأمم لروسيا، فيما اعتبر أنه علامة على نأي بكين بنفسها.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الخميس، “نعتقد أن الصين على وجه الخصوص تتحمل مسئولية استخدام نفوذها مع الرئيس بوتين والدفاع عن القواعد والمبادئ الدولية التي تدعي أنها تدعمها، وبدلا من ذلك، يبدو أن الصين تتحرك في الاتجاه المعاكس برفضها إدانة هذا العدوان بينما تسعى إلى تصوير نفسها على أنها حكم محايد”.
4- حلفاء الصين في آسيا يراقبون موقف بكين من الازمة الأوكرانية.
حيث أدى الغزو الروسي لأوكرانيا – الذي انتهك سيادتها ودفع أوروبا إلى أسوأ صراع لها منذ عقود – إلى حدوث موجات من القلق في جميع أنحاء العالم، ولكن أكثرهم قلقًا كانت جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي التي تطالب بها الصين.
وكثفت بكين مؤخرًا رحلاتها العسكرية بالقرب من الجزيرة هناك وحذرت من الدعم الأمريكي، في الأيام الأولى للصراع الأوكراني، كانت هناك مخاوف من أنَّ الغزو الروسي قد ينذر بغزو صيني لتايوان ، على الرغم من أنه لم يبدُ أنه كان وشيكًا.
واعتبر المسئولون الأمريكيون أن الرد الموحد على روسيا قد يدفع الصين إلى إعادة التفكير في أي خطط لديها لتايوان، ولم يقلق الغزو الروسي لأوكرانيا الغرب وحلف الناتو فقط، بل أثار قلق دولٍ أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي نتيجة اعتقدت المخابرات الأمريكية أن تشي لم يكن مستعدًا لها، وافترضت بدلاً من ذلك أن المصالح الاقتصادية ستمنع الدول هناك من فرض عقوبات صارمة.
حتى أنَّ بعض أعضاء فريق الأمن القومي التابع لبايدن فوجئوا بمدى سرعة استعداد بعض حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، بما في ذلك اليابان وأستراليا، لفرض عقوبات على روسيا بعد غزوها.
5. بايدن و تشي لهما تاريخ طويل، ووجهات نظر مختلفة جدًا للعالم.
ودائما ما يشير بايدن للساعات الطويلة التي قضاها في التباحث مع تشي عندما كان كلاهما يشغل منصب نائب رئيس بلدهما، وادعىٰ أنه قضى وقتًا مع تشي أكثر من أي زعيم عالمي آخر.
ومع ذلك، لم يلتقوا وجهًا لوجه منذ أنْ تولى بايدن منصبه ولم يغادر تشي الصين خلال جائحة كورونا، ولذلك التقوا فقط في فيديو كونفرانس أو التحدث عبر الهاتف، وهو الأمر الذي لا يفضله بايدن.
لقد عمل هو وفريقه على وضع سياسة المنافسة المُدارة مع الصين، لقد تركوا الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب وانتقدوا الصين لعدم وفائها بالتزاماتها حول اتفاق التجارة في عهد ترامب.
وقبل الصراع في أوكرانيا، بدا بايدن عازمًا على إعادة تركيز السياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا، حيث ينظر إلى المنافسة بين الولايات المتحدة والصين باعتبارها التحدي الأهم للقرن المقبل.
وبينما استحوذت أزمة أوكرانيا على اهتمام البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة، يصر المسئولون بالبيت الأبيض على أنهم ما زالوا قادرين على الحفاظ على رؤيتهم، بحسب رويترز.